بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
{ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا }
[سُورَةُ الفَتۡحِ: ٢٨]
تأتي في خواتيم سورة الفتح هذه الآية لتسطر لنا أحد سنن الله في الأرض.
(هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ)
(هو الذي) : مع أن الكل يعرف أنه هو ولكنه يبين لنا ليوصل لنا أنه هو القوى ملك الملوك الذي أرسله مما يوجب علينا توقير الرسالة والرسول الذي اوصلها وتعظيمهما من تعظيم المرسل وهو الله جل جلاله.
لتقريب هذا المعنى نذكر مثالا:
ترسل الأب ابنه ليخبر إخوته الصغار أن يذاكروا دروسهم. فلا يستجيبون لاخيهم. ويرجع الأخ إلى أبيه يشكوا إليه إخوته. فيقول له الأب أخبرهم أنني أنا الذي أرسلتك لتخبرهم. ليستشعروا خطورة العصيان وان الأب هو من سيعاقبهم إن لم يستجيبوا.
ولله المثل الأعلى وهذا مثال فقط لتقريب المعنى.
(هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ)
بين لنا أن هذه الرسالة المرسولة إلينا من عنده هي الهدى للطريق المستقيم الذي يرضيه ويوصلنا إلى جناته جنات الخلود.
والهدى من أسماء القرآن. وقد ذكر الله تعالى ذلك في عدة آيات مثل:
{ ذَ ٰلِكَ ٱلۡكِتَـٰبُ لَا رَیۡبَۛ فِیهِۛ هُدࣰى لِّلۡمُتَّقِینَ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢]
{ قُلۡ مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّجِبۡرِیلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَهُدࣰى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٩٧]
{ وَلَقَدۡ جِئۡنَـٰهُم بِكِتَـٰبࣲ فَصَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٥٢]
وصفة الهدى ليست مقتصرة على القرآن الكريم فهو إحدى رسالات الله للناس وإنما هي صفة لكل رسالاته.
فقد قال الله تعالى عن التوراة والإنجيل أنهما هدى للناس.
{ نَزَّلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ (٣) مِن قَبۡلُ هُدࣰى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدࣱۗ وَٱللَّهُ عَزِیزࣱ ذُو ٱنتِقَامٍ (٤) }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ٣-٤]
{ إِنَّاۤ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِیهَا هُدࣰى وَنُورࣱۚ یَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِیُّونَ ٱلَّذِینَ أَسۡلَمُوا۟ لِلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلرَّبَّـٰنِیُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُوا۟ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُوا۟ عَلَیۡهِ شُهَدَاۤءَۚ فَلَا تَخۡشَوُا۟ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِی ثَمَنࣰا قَلِیلࣰاۚ وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ }
[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٤٤]
{ وَقَفَّیۡنَا عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِم بِعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِۖ وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡإِنجِیلَ فِیهِ هُدࣰى وَنُورࣱ وَمُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَهُدࣰى وَمَوۡعِظَةࣰ لِّلۡمُتَّقِینَ }
[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٤٦]
{ ثُمَّ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِیۤ أَحۡسَنَ وَتَفۡصِیلࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لَّعَلَّهُم بِلِقَاۤءِ رَبِّهِمۡ یُؤۡمِنُونَ }
[سُورَةُ الأَنۡعَامِ: ١٥٤]
فكيف لا تكون هدى للناس وهي مرسلة من خالق الناس.
{ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا }
[سُورَةُ الفَتۡحِ: ٢٨]
والإسلام هو دين الحق وهو الدين الوحيد الذي يرتضيه الله من عباده.
{ وَمَن یَبۡتَغِ غَیۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِینࣰا فَلَن یُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ٨٥]
وهو دين الله الوحيد الذي أنزله على الأرض فجميع الأنبياء والمرسلين جاءوا بالإسلام تأملوا معي:
{ إِنَّ ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٩]
فابراهيم عليه السلام كان مسلما:
{ مَا كَانَ إِبۡرَ ٰهِیمُ یَهُودِیࣰّا وَلَا نَصۡرَانِیࣰّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِیفࣰا مُّسۡلِمࣰا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ٦٧]
وعيسى عليه السلام والحواريون مسلمون:
{ وَإِذۡ أَوۡحَیۡتُ إِلَى ٱلۡحَوَارِیِّـۧنَ أَنۡ ءَامِنُوا۟ بِی وَبِرَسُولِی قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّنَا مُسۡلِمُونَ }
[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ١١١]
ونوح عليه السلام كان مسلما:
{ ۞ وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكُم مَّقَامِی وَتَذۡكِیرِی بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوۤا۟ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَاۤءَكُمۡ ثُمَّ لَا یَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَیۡكُمۡ غُمَّةࣰ ثُمَّ ٱقۡضُوۤا۟ إِلَیَّ وَلَا تُنظِرُونِ (٧١) فَإِن تَوَلَّیۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ (٧٢) }
[سُورَةُ يُونُسَ: ٧١-٧٢]
ويعقوب عليه السلام وذريته من المسلمين :
{ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاۤءَ إِذۡ حَضَرَ یَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِیۖ قَالُوا۟ نَعۡبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ ءَابَاۤىِٕكَ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدࣰا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٣٣]
وموسى عليه السلام وقومه من المسلمين:
{ وَقَالَ مُوسَىٰ یَـٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَیۡهِ تَوَكَّلُوۤا۟ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِینَ }
[سُورَةُ يُونُسَ: ٨٤]
وسليمان عليه السلام كان من المسلمين:
{ فَلَمَّا جَاۤءَتۡ قِیلَ أَهَـٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ وَأُوتِینَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِینَ (٤٢) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمࣲ كَـٰفِرِینَ (٤٣) قِیلَ لَهَا ٱدۡخُلِی ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةࣰ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَیۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحࣱ مُّمَرَّدࣱ مِّن قَوَارِیرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ (٤٤) }
[سُورَةُ النَّمۡلِ: ٤٢-٤٤]
يوسف عليه السلام كان مسلما:
{ ۞ رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ }
[سُورَةُ يُوسُفَ: ١٠١]
لذلك الإسلام هو دين الحق وهو الذي أرسله لرسله ليوصلوه للناس.
{ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا }
[سُورَةُ الفَتۡحِ: ٢٨]
ولم يرسله لعبا ولا لهوا حاشاه وإنما ليظهره على الدين كله.
فالله عز وجل قوي وقوته قاهرة على عباده ولا يسمح بأن ينتشر الشرك والكفر ويعلوا على الحق حتى يخفيه وإنما يبتلي عباده ويمهلهم لعلهم يرجعون ويبلوا المجاهدين ويتخذ منهم شهداء ولكن لا يسمح أبدا بأن يختفي الدين ويطغى الكفر على الأرض وهذه سنة الله في الأرض فلا يحزننا كثرة الكفر والإلحاد والفسوق. فهو يبتلينا هل نسقط معهم أم نثبت بإيماننا؟ هل نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟ هل نبلغ رسالات الله؟ هل نفقد يقيننا بالله؟ هل ندعو الله؟ هل نجاهد في سبيل الله؟
أم أننا اتخذنا موقف المتفرج المرتاب المتربص وفقدنا يقيننا بنصر الله؟
{ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا }
[سُورَةُ الفَتۡحِ: ٢٨]
(وكفى بالله شهيدا)
ربنا اشهد بأنا مسلمون.
سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.