الدرس الرابع و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

النقطة الثالثة : الفرق بين استجابة آدم عليه السلام لنداء ربه بعد المعصية واستجابة إبليس .

السؤال : ولكن من أين استنتجنا أن آدم عليه السلام تاب بسرعة رهيبة جداً ؟

الجواب : من خلال النداء ، الله تعالى نبهه ، هناك تنبيه من الله تعالى ، وآدم عليه السلام بعد التنبيه مباشرة أعترف وسارع .

هذا بخلاف إبليس ، إبليس نبه لكنه لم يسرع ، بل حاول أن يبرر المعصية .

سورة الأعراف : … وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ … (22)

آدم عليه السلام تلقى تنبيه من ربه ، وكل إنسان عندما يقع في زلة أو معصية من هذا النوع ( نوع معصية آدم عليه السلام ) فإنه يلقى تنبه من ربه ، وهو ما نسميه تأنيب الضمير ، كل إنسان في أي زمان وفي أي مكان ، بمجرد أن يقع في زلة أو معصية من هذا النوع ( نوع معصية آدم عليه السلام ) ، يجد تنبيهاً داخلياً في نفسه في قلبه في باطنه ، يأنبه وهي رسالة من الله تعالى .

وهو أمام هذه المعصية إما أن يستجيب لنداء ربه ، يستجيب لرسالة ربه ، يستجيب لتأنيب ضميره ، على الفور والتو واللحظة ، وإما أن يحاول أن يجادل ، أن يجادل نفسه ، أن يجادل تلك الرسالة التي أرسلها الله تعالى إليه ، أن يجادل ذلك الضمير .

آدم عليه السلام لما نبه ، فإنه سارع إلى الاعتراف ، ولم يبرر المعصية ، تلك السرعة تجعله محافظاً على تقواه ، لذلك نقول أن آدم عليه السلام عصى ، لكنه من المتقين ، يظل من المتقين ، لأنه أسرع إلى التوبة النصوح .

سورة الأعراف : … وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ … (22)

الإنسان في أي زمان وأي مكان ، عندما يسقط في زلة من نوع زلة آدم عليه السلام ، فإنه يجد تنبيهاً وتأنيباً ورسالة من الله تعاتبه من داخل نفسه .

وموقفك من هذه الرسالة هو الذي يحدد طريقك ، هل أنت في طريق آدم عليه السلام ، أم أنك في طريق إبليس لعنه الله ، وعليك أن تختار .

سورة الكهف : وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ … (29)

السؤال : ما هي حقيقة تأنيب الضمير؟؟؟

الجواب :

تأنيب الضمير : هو رسالة من الله إلى كل من يقع في معصية في كل زمان وكل مكان ، رسالة مفادها ( أن يا عبدي تب إلى ربك ) ، هنا أمامك طريقين :

1) إما أن تتوب بسرعة وعلى الفور ، فتتبع طريق آدم عليه السلام .

2) وإما أن تصر على المعصية ، تماما كما أصر إبليس لعنه الله ، فتتبع طريق إبليس .

أما إبليس فقد غطى رسالة الله :

سورة ص: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85).

(وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) هل يعني كفر بوجود الله ؟ هل أنكر وجود الله ؟

لا ، سنرى ، كفر بمعنى غطى ، سنرى أن معنى كفر هنا يعني غطى تلك الرسالة التي هي من الله ، غطى ذلك النداء الذي هو من الله .

(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ)

الله تعالى نبهه ، مثلما نبه آدم عليه السلام ، وهذا من عدل الله تعالى ، وسنرى أن الله لعن إبليس لكن ليس بعد السقوط مباشرة ، بل بعد التبرير ، بعد الإصرار على المعصية لعنه الله ، يعني هناك فرصة ، هناك تنبيه ، هناك تحذير ، هناك تذكير ، لكن إبليس كفر يعني غطى هذا التنبيه وهذا التحذير وهذه الرسالة ، يعني دسها .

سورة الشمس : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)

سورة النحل : يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)

يعني غطى ذلك النداء ، غطى ذلك التنبيه ، غطى تلك الرسالة ، غطاه بالجدال والتبرير ، أصبح الجدال والتبرير للمعصية هو الغطاء للرسالة الله .

سورة ص : قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78).

الله تعالى لعن إبليس بعد أن كفر وغطى التنبيه والنداء والرسالة وليس بعد معصيته مباشرة ، إبليس عصى مثل آدم عليه السلام ، فآدم عصى الله بأكله من الشجرة ولم يمتثل النهي وكذلك إبليس عصى فهو لم يمتثل الأمر بالسجود لآدم عليه السلام ، فهنا قاسم مشترك ، لكن الفرق بينهما أتضح بعد النداء ، الله تعالى وجه إليهما النداء معاً ، نبه آدم عليه السلام مثلما نبه إبليس ، آدم عليه السلام أجاب النداء أما إبليس فلم يجب النداء .

فأنت تستطيع أن تحدد طريقك :

هل أنت في طريق آدم عليه السلام ؟ فتستجيب لنداء الله ، تستجيب لتأنيب ضميرك ، وتتوب بسرعة مباشرة بعد المعصية ، لكي تحافظ على حالة التقوى لديك .

أم في طريق إبليس لعنه الله ؟ وإما أن تجادل وتبرر المعصية ولا تستجيب لرسالة الله ، ولا تستجيب لتأنيب ضميرك ، بل تصر على المعصية .

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *