الدرس الثالث و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

النقطة الثانية : الفرق بين وقوع آدم عليه السلام في المعصية ووقوع إبليس في المعصية .

السؤال : الإنسان بعد أن يتوب توبة نصوحاً ، هل يصبح معصوماً ؟ يعني لن يسقط في أي زلة مرة أخرى ؟

الجواب : كلا .

وإنما نفرق تفريقاً دقيقاً بين زلة من نوع زلة آدم عليه السلام ، التي يعقبها التوبة على الفور أو بسرعة وبين إصرار إبليس ، الفرق بينهما فرق كبير جداً ، مثل الفرق بين السماء والأرض .

سورة الأعراف : وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27).

الله تعالى نهى آدم عليه السلام من الاقتراب من الشجرة ، لكن في نهاية المطاف أقترب من الشجرة ، بل وأكل من الشجرة ، ووقع في المعصية .

سورة طه : … وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

آدم عليه السلام رغم أنه وقع في المعصية إلا أنه بقي في حالة التقوى .

ركز جيداً هنا :

السؤال : رغم أنه عصى لكنه يظل متقياً ، يعني بأي اعتبار ولماذا يبقي متقياً ؟

الجواب : لأنه سارع إلى التوبة النصوح ، كسرعة أحدنا إلى ستر عورته إذا انكشفت أو بدت ، وهذا ما نجده في قصة آدم عليه السلام :

سورة الأعراف : … فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ …(22)

الله تعالى يقرب لنا الصورة هنا من عالم الشهادة ، يعني أي أحد منا عندما يسقط في المعصية ، مثله كمن سقط ثوبه ، وبدت سوءته ، يعني انكشفت عورته للناس .

السؤال : إن كان هذا الإنسان الذي انكشفت عورته أمام الناس ، كان على الفطرة ، ما هي السرعة التي يسرع بها لكي يستر نفسه ؟

الجواب : سرعة كبيرة جداً جداً جداً ، وتكون سرعة رهيبة جداً ، آدم عليه السلام ، أسرع إلى التوبة النصوح ، كسرعته نحو ستر عورته .

سورة الأعراف : يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27).

السؤال :آدم عليه السلام من المتقين مع أنه عصى ، كيف استطاع آدم عليه السلام المحافظة على لقب التقوى بالرغم من أنه وقع في المعصية ؟

الجواب : لأنه بعد معصيته تاب من قريب ، تاب بسرعة رهيبة جداً ، تاب على الفور ، ليس كإبليس .

سورة الأعراف : يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)

هذا اللباس هو لباس مادي ، الله سخره لنا ، نعمة من نعم الله تعالى ، لكن إلى جانب ذلك يقدم لنا حكمة ورسالة ، نستخلص منه عبرة ، حينما نقارن بينه وبين لباس التقوى ، لباس التقوى لباس غيبي ، وآدم عليه السلام لبس لباس التقوى ، وذلك لأنه تاب من قريب ، يعني مثله كإنسان انكشفت عورته أمام الناس ، فأسرع إلى ستر نفسه ، تلك السرعة هي التي تحدد بالضبط هل أنت متقي أم لا ، هل أنت تسلك طريق التقوى أم أنك تسلك طريق إبليس .

سورة الأعراف : يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)

السؤال : هل يجب على الإنسان أن يكشف عورته للناس ؟

هل هو أمر ضروري أن يكشف عورته أمام الناس ؟

الجواب : هذا أمر ليس ضروري ، كذلك المعصية ، لا يجب على الإنسان أن يعصي ربه ، وليس ضرورياً أن يعصي الإنسان ربه .

المعصية ليست أمراً ضرورياً ، لماذا نقول هذا ؟

لأن بعض الناس يعصي وعندما تسأله لماذا تعصي ربك ؟ يقول لك أنا بشر ، لا بد لي أن أعصي ، لا بد لي من المعصية ، يجب أن أعصي ربي لأني بشر ، وإذا لم أعصي فلست بشراً ، وهذا واقع ، هذا يحدث كثيراً ، فكثير من الناس المعصية عندهم أمر حتمي ، لا بد من المعصية ، وهل كشف العورة للناس أمر ضروري ؟ لا .
إذن عندما نقارن بين اللباس المادي واللباس الغيبي يتضح لنا الفرق ، ويعود الإنسان إلى رشده وإلى وعيه .

سورة الأعراف : يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)

السؤال :

هل وقوع الإنسان في الذنب ؟

هل اقتراف الإنسان للمعصية ؟

هل ارتكاب الإنسان للخطيئة ؟

هل كل هذا أمر ضروري وحتمي ولا بد منه؟

الجواب : لا .

كذلك انكشاف العورة ، انكشاف السوءة للناس ليس أمراً ضرورياً ، وليس حتمياً ، لكن من الناحية المادية الناس يحرصون على ذلك ، فيسترون أنفسهم باللباس المادي ، يحرصون كل الحرص على ستر أنفسهم ، وهذا أمر واقع .

السؤال الآن : هل يمكن أن تنكشف عورة إنسان في ظرف معين ؟

مثلاً في الحج مازن لا يتقن كيفية لباسه للإحرام ، ووسط الازدحام والجموع الغفيرة ، هل يمكن أن يسقط ثوبه ؟ هل يمكن أن يسقط لباس إحرامه أم هو أمر مستحيل ؟

الجواب : يمكن إن يسقط إحرامه من غير تخطيط مسبق ، وإذا كان على الفطرة وتنبه للأمر ، أن لباسه قد سقط وانكشفت عورته للناس أو نبه إلى ذلك ، فإنه سيسرع إلى ستر نفسه ، ولن يتباطأ أبداً ، ولن يتثاقل مطلقاً ، ولن يتكاسل نهائياً.
كذلك هكذا المتقي ، قد يقع في زلة ، قد يسقط في ذنب ، قد يسقط في المعصية ، كسقوط آدم عليه السلام في المعصية ، لكن من غير تخطيط مسبق ، هو لا يخطط للمعصية ، هذا المتقي لا يخطط للجرائم ، بل يسقط في لحظة غفلة ، لكن يقوم بسرعة ، يتوب بسرعة ، ويقلع على الفور .

سورة الأعراف : يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)

السؤال : إذن سقوط الثوب عن الإنسان وانكشاف عورته أمام الناس أمر ممن الحدوث أم مستحيل الحدوث ؟

الجواب : هذا أمر ممكن ، لكن في حلات نادرة ، لا يكون هو الأمر الغالب على الإنسان ، يكون نادراً ، يكون شذوذاً هذا السقوط ، كسقوط لباس الإحرام من مازن الحاج ، الذي ذهب إلى الحج وهو وسط الجموع الغفيرة ، ولا سيما وهو لا يتقن كيف يلبس إحرامه ،إذ يمكن أن يسقط إحرامه أمام الناس ، يمكن ذلك وليس أمر مستحيل ، لكن من غير تخطيط مسبق ، هكذا زلة آدم عليه السلام ، أكل من الشجرة ، فزل ، وقع ، سقط ، من غير تخطيط مسبق .

السؤال : مازن وهو وسط الحجيج ، إذا تنبه أو نبه إلى الأمر ، هل يستر نفسه ؟ ، يعني يعيد لباسه بسرعة أم ببطء ؟ بسرعة أم بتثاقل ؟ بسرعة أم بتباطء ؟ .

الجواب : بسرعة ، هكذا سرعة آدم عليه السلام نحو التوبة النصوح.

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *