الدرس الواحد و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم
النقطة الخامسة : هل تريد أن تكون من رفقاء النبي صلى الله عليه وسلم ؟ .

سورة التحريم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)

السؤال : ما هو المطلوب في هذه الآية ؟

الجواب : المطلوب هو التوبة النصوح ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) .

السؤال : على ماذا يحصل الذي يحقق هذه التوبة النصوح ؟

الجواب : يحصل على تكفير السيئات ومعنى يكفر يعني يغطي ، لأن كفر بمعنى غطى ، (يُكَفِّرَ ) يعني يغطي .

(( وعد من الله لمن حقق التوبة النصوح أن يغطي له جميع سيئاته وبدون استثناء ، ولو كان حجمها حجم الجبال ، السيئات التي أرتكبها قبل توبته النصوح ، وبذلك لن يتبقى له ولا سيئة واحدة ، والله يدخله الجنة )))

إذن حاز على المغفرة ، لقد نال المغفرة .

سورة التحريم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)

((ويحظى هذا التائب بمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم ))

ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم ، أتت في سياق التوبة النصوح ، وهي مذكورة في سورة التحريم ، لم ترد مرافقة النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن كله إلا في موضع واحد وهو في سورة التحريم ، وفي سياق التوبة النصوح ، ولم توصف التوبة بأنها نصوح إلا مرة واحدة في القرآن ، في هذا الموضع فقط ، نظراً لقدر النبي صلى الله عليه وسلم .

ركز جيداً :

1) مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم لم ترد إلا مرة واحدة وهي في هذا الموضع في سورة التحريم وفي سياق التوبة النصوح .

2) كلمة التوبة في حد ذاتها وردت مرات ومرات ومرات ، لكن لم توصف بأنها نصوح إلا مرة واحدة في سياق مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم ، نظراً لقدره ومكانته .

هل تريد أن تكون من رفقاء النبي صلى الله عليه وسلم ؟

تريد مرافقة (رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، إذن تب توبة نصوحاً خالصة نقية صافية ، تحظى بمرافقته ، مهما كانت أعمالك في فترة الجاهلية ، لا يهم ، عملت سيئات أو ذنوب أو معاصي في الجاهلية أو في الغفلة قبل التوبة ، هذا كله لا يهم ولا اعتبار له إن تبت توبة نصوحاً ، لأن الله يكفرها ، وإذا كفرها غطاها ، وإذا غطاها حشرك بدون سيئة ، فتكون أهلاً لمرافقة النبي عليه الصلاة والسلام .
النقطة السادسة : ما هو مصير من تاب توبة نصوحاً و لم يكمل تصفية كل ملفاته السوداء ؟ .
سورة التحريم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)

من التزم بقواعد التصفية ووفقه الله تعالى إلى تصفية كل شيء ، وفرغ من تصفية كل شيء ، وانتهى من تصفيه جميع الملفات ، يكون هذا قد حقق التوبة النصوح .

إنسان آخر انطلق في التصفية ، وشرع فيها ، وتحرك فيها ، لكن ملك الموت أدركه قبل أن يكمل التصفية ، هذا الإنسان حقق التوبة النصوح ، حققها لكن بشرط :

1) أن يكون مسرعاً أولاً ، ( لا ننسى السرعة ، أن يكون في طريق التصفية بالسرعة المطلوبة منه ) .

2) في نيته أن يصفي كل شيء ، في نيته ألا يبقي ملفاً واحداً .

3) في نيته أن يقوم بتصفيتها على علم ، وأن يسأل ، لا حسب هواه ، أو حسب جهله .

4) أن يكون في حالة تذكر دائمة لملفاته السوداء ، في حالة من التذكر المستمر لما كان عليه في غفلته .

يجب أن يكون في قلبه كل هذه النوايا الأربع ، يعني إذا أدركه ملك الموت وفي قلبه هذه النوايا ، وهو متحرك بالسرعة المطلوبة ، يدركه وقد حقق التوبة النصوح ، فيلتحق بالذي أكمل كل شيء .

سورة النساء : … وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)

يعني الله تعالى يريد منا أن نكمل التصفية ، أو على الأقل أن نكون في الطريق بالسرعة المطلوبة ، وهي سرعة أكبر من سرعتك في جمع أموالك ، أو سرعة تسابق بها الذين يسارعون إلى تصفية ملفاتهم .

ركز جيداً :

سورة النساء : … وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)

الإنسان الذي فرغ من تصفية جميع ملفاته لحظة موته ، يكون بذلك قد حقق التوبة النصوح الخالصة الصافية ، وهذا يجده ملك الموت وقد حقق التوبة النصوح ، هذا أمره واضح .

لكن إذا كان إنسان تائب منيب راجع عائد إلى ربه ، وقد انطلق في تصفية ملفاته ، شرع في تصفية ملفاته ، تحرك نحو تصفية ملفاته ، لكن ملك الموت أدركه قبل أن يكمل التصفية ، هذا يدركه ملك الموت وقد حقق التوبة النصوح ، ولكن بشروط وهي :

الشرط الأول : أن يجده ملك الموت مسرعاً في تصفية ملفاته بسرعة أكبر من سرعته في جمع أمواله .

الشرط الثاني : أن تكون في قلبه نية تصفية كل شيء ، وأن لا يبقي ملفاً واحداً .

الشرط الثالث : أن يكون في نيته أن يصفي كل ملفاته بعلم ، أن يسأل أهل الذكر ، ويسأل أهل الاختصاص في تصفية الملفات .

الشرط الرابع : أن يكون في حالة تذكر دائمة لملفاته السوداء ، في حالة من التذكر المستمر لما كان عليه في غفلته ، وذلك لكي يصفي هذه الملفات ، يعيش التفكر والتذكر .

وسوسة من وساوس الشيطان في مجال تصفية الملفات :

نأكد على هذا بالضبط وعلى هذه النقطة على وجه التحديد ، لأن الكثيرين ممن قد يرغبون في العودة إلى الله والرجوع إليه ، ولكن يجدون بين أعينهم جبالاً من الملفات ، ملفات ثقيلة جداً ، نظراً للفترة التي قضوها في الغفلة ، هؤلاء قضوا في الغفلة سنين ، وعشرات السنين ، فيجدون أمامهم ملفات سوداء ثقيلة ، يجدون أمامهم جبالاً من الملفات السوداء ، وهنا يأتي الشيطان اللعين بوسوسة .

فيقول هذا الشيطان اللعين ( مثلاً لمازن ) ، يقول : يا مازن لديك جبال من الملفات السوداء وتريد تصفيتها ، وما يدريك ربما انطلقت وتحركت وشرعت في التصفية ويزورك ملك الموت في لحظة أنت لم تنتهي بعد من التصفية ، فأنصحك أن لا تشرع في التصفية أصلاً ، أنصحك بالتوقف عنها ، وهذه الوسوسة موجودة ، وتحدث كثيراً . كيف نردها ؟

سورة النساء : … وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)

وهذا واقع فالكثير الكثير الكثير ممن يرغبون في الرجوع والإنابة والتوبة لكن تقف أمامهم جبال من ملفات سوداء ، فيأتي اللعين لمازن ويقول : يا مازن :

لماذا تشرع في التصفية ؟

لماذا تبدأ في التصفية ؟

لماذا تتحرك نحو التصفية ؟

ملفاتك السوداء لا تعد ولا تحصى ، ملفاتك جبال ، تعد بالآلاف ، وما يدريك لعلك وأنت منطلق نحو التصفية ، يأتيك ملك الموت ، وأنت لم تنطلق بعد ، أنت لم تكمل التصفية ، وأنت لم تنهي تصفية ملفاتك السوداء ، إذن ما الفائدة ؟ فيثبطك ويثبطه عن التصفية ، وهذه الوسوسة موجودة . لكن كيف نردها ؟

سورة النساء : … وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)

مثال :

نفترض أن مازن عاش 40 سنة وهو من قطاع الطرق وهو من الأشرار ، يسطو على المنازل ويسرق أموال الناس ، لقد عاش شريراً من قطاع الطرق ، يسرق من أموال الناس ، لمدة أربعين سنة ، وفي لحظة من اللحظات في وقت من الأوقات تذكر أو أتته رسالة أو سمع آية قرآنية من مذياع أو شريط قرآني ، فأثرت فيه تلك الآية ، سمع آية فأثرت فيه .

سورة الزمر : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)

مازن مباشرة بعد أن ندم ندماً شديداً على ما أرتكبه من المعاصي والظلم، بدأ يتذكر الملفات ، شرع في تذكر الملفات ، وبدأ في رد الأمانات التي يعلم علم اليقين أنها ليست من حقه ، بل من حق الآخرين ، وهذه لا تحتاج إلى سؤال ، فمازن يعلم أن هناك أمانات وهناك مبالغ مالية ضخمة أخذها من الآخرين و سرقها منهم ، فانطلق مسرعاً وبدأ بأمانة عمر ، فحاول أن يعد ما سرقه من أموال عمر والمبلغ ضخم حوالي 100 مليون ، هذا عمر فقط ، أما الأعداد التي ظلمهم مازن فهم بالعشرات ، ولكن بدأ بالأول وهو عمر ، أنطلق مازن بسرعة نحو الخزانة ، خزانته التي في البيت ، وأخذ منها 100 مليون ، وضعها في السيارة ، وانطلق بها مسرعاً نحو بيت عمر ، وفي الطريق صدمته سيارة ، وكان ملك الموت حاضراً هناك ، وهذه حالة ممكنة الحدوث ، أو ما يشبهها من الحالات.

وقبل أن يأتي الناس إلى هذا الحادث ليخرجوا مازن من السيارة وهو ميت ، سبقهم إليه قطاع الطرق وهم يعلمون أن مازن منهم ، لكن لم يطلعوا على توبته بعد ، فأخذوا الـ 100 مليون وهربوا ، وتركوا جثة مازن مكانها .

السؤال : هل وصل مبلغ 100 مليون في الواقع وفي الحقيقة إلى عمر ؟

الجواب : مبلغ 100 مليون لم يصل إلى يد عمر .

السؤال : خبر توبة مازن قبل لحظات من موته هل وصل إلى الناس ؟

الجواب : واقعة وخبر توبته لم تبلغ الناس في قريته ، فالناس لا يعرفون بخبر توبة مازن ، وأنه كان في طريقه لرد الأمانات وتصفية الملفات .

لذلك فالناس عندما يسمعون بخبر وفاته في حادث السير فهم يقولون الحمد لله أننا استرحنا منه ومن شره ، ولا يتأسفون عليه ، وبالتالي الذين يحضرون جنازة مازن عدد قليل جداً يعد على الأصابع وليس جمع غفير من الناس .

لكن أن كان مازن صادقاً في توبته ، فإن مازن يرافق النبي صلي الله عليه وسلم يوم القيامة ، لأنه تاب توبة نصوحاً ولو لم يكمل تصفية ملفاته السوداء ، المبلغ لم يصل إلى عمر ، لكن نيته سليمة ، عزم عزماً صادقاً ونوى نية صادقة ، أن يرد جميع الأمانات إلى أهلها ، وأن يقوم بتصفية جميع الملفات ، النية موجودة ، أنطلق بسرعة أكبر من السرعة التي كان من خلالها يسرق الأموال ، أنطلق بسرعة ولكنه مات في الطريق .

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *