الدرس الثالث عشر

بسم الله الرحمن الرحيم وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا من لدنه علما وحكمة إنه هو العليم الحكيم . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
[سورة السجدة 21]

أبدأ هذا الدرس بمثال من عالم الشهادة:

تخيل طفلا يمسك بعمود حديدي ويذهب مباشرة ليدخلها في فتحة الكهرباء .
وتجري الأم إليه وتضربه على يده وتنهره وتبعده عن الكهرباء وتهدده أن لا يعود هناك أبدا.

لو أن الأم شاهدته واكتفت بالمشاهدة وتركته يتصرف على حريته ماذا كان سيحصل له؟

صعقة كهربائية قد تميته أو تؤذيه بشدة.

أليس كذلك؟

إذن ضربة الأم هي إنقاذ لهذا الطفل من الهلاك ورحمة به وحب له.

أليس كذلك؟

نهرها وتهديدها له أن لا يعود هناك يصب في مصلحته وخوفا عليه من أن يؤذي نفسه بجهالة

ولله المثل الأعلى..

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ((لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))
[سورة السجدة 21]

والله أرحم بنا من أمهاتنا.

فالله عز وجل يذيق الإنسان شيئا يسيرا جدا من العذاب إذا رآه متجها مباشرة لطريق جهنم والعياذ بالله أو متجها في طريق خطوات الشيطان.

فهو يوجه إليه ضربة رحيمة حنونة ليبعده عن عذاب شديد ويهدده وينهره لكي لا يعود لذلك الفعل الخطير عليه رحمة به ورأفة حتى لا يلقي بنفسه إلى التهلكة بجهالة.
فهو معنا يسمعنا ويرانا ويرعانا.

مثال من قصص القرآن:

قصة آدم عليه السلام . بين الله له خطورة الإقتراب من الشجرة وليس من الثمرة .

(وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا ((وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ ))فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)
[سورة اﻷعراف 19]

أراد أن يبعده عن الخطر بمسافة كافية . مسافة أمان.

“لا تقربا هذه الشجرة”

لم يقل لا تأكلا ثمرته

جعلهم بعيدا عن الشجرة أساسا.

فلما رآهما قد اقتربا وذاقا من الشجرة وأنها سيؤذيان نفسيهما بأن يكونا من الظالمين .

(فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ)

وجه لهما تنبيها رحيما وهو

( بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)

ثم عاتبهما ونبههما

( ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ)
[سورة اﻷعراف 22]

فعل الله هذا هو عبارة عن:

عذاب أدنى لعله يرجع.

هو تنبيه وتوجيه.

هو محبة ورعاية.

يذيقه من عذاب بسيط لينتبه ويبتعد عن عذاب أكبر.

لو رأيت سيارة مسرعة متجهة لطفلك ودفعت طفلك دفعة قوية لتبعده عن طريق السيارة .
فهذا هو الحب
وهذه الدفعة القوية هي الحماية ولو آلمته.
وهذه هي الرعاية والحنان
هذا هو حب الله لعباده
“لعلهم يرجعون”

وطبعا التنبيه لآدم عليه السلام أخف من هذا بكثير لأن آدم عليه السلام هو من المتقين الذاكرين لذلك تنبيه بسيط فقط كان كافيا ليرجع بالتوبة والإستغفار .

(قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
[سورة اﻷعراف 23]

انتبه واستغفر وتاب

والتنبيهات تختلف حسب نباهة وحس الإنسان.

المتقي الذاكر لله وهو من أولي الألباب نجد أنه نبيه وحسه مرهف فيكون تنبيهه أخف فهو ينتبه للتنبيهات بأقل إشارة.

بينما نجد العاصي المصر الغافل الذي يتسم بالبلادة وعدم فهم هذه التنبيهات . نجد تنبيهاته قوية ولافتة للنظر وبقوة.

كذلك المعلم في الإختبار ونحن في الدنيا أيضا في إختبار.

يمر على الطالب النبيه الفطن فيطرق بإصبعه على سؤال. فيفهم الطالب أنه أخطأ ويراجع إجابته ويصححها.

بينما الطالب البليد ولو طرق المعلم على كل الأسئلة حتى تحطمت أصبعه فلن يفهم المطلوب . لأنه أساسا لا يعرف الإجابة فيأتي تنبيهه قويا بالرسوب وإعادة الإختبار مرة أخرى.

كذلك الفرق في العذابات الدنيا
فالمتقي الذي لا يرتكب المعاصي وهو طائع لربه ذاكر له فإن أخطأ خطأ واحدا فإن الله ينبهه في نفس اليوم أو نفس الوقت بتنبيه بسيط فينتبه ويراجع نفسه ويتوب .

في حين أن الغافل يرتكب معاصي كثيرة ولا تصلح معه التنبيهات الكثيرة فهو متبلد الحس ولا ينتبه أنها تنبيهات أساسا ويظن أنها أمور حدثت صدفة أو سببها فلان أو الطبيعة أو أي سبب آخر.

فيعطيه الله تنبيها قوية يجعله يعيد حساباته كلها ويخلص ويعاهد الله على التوبة وأن يكون من الشاكرين.

(وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )

هؤلاء ظنوا أن الدنيا لهو ولعب وانغمسوا في الشهوات ونسوا الآخرة .

هل يتركهم الله الرحيم هكذا في غفلة ليواجهوا عذاب عظيم في الآخرة؟!!

لا طبعا!

لا بد أن ينبههم بالمقدار الكافي لينتبهوا حسب مقدار رهافة حسهم.

( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ ((دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين))َ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)
[سورة العنكبوت 64 – 65]

هل ظلمهم الله؟

حاشاه! ولكن أنفسهم يظلمون.

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
[سورة السجدة 21]

لعلهم ينتبهون أنهم ضلوا الطريق .

لعلهم يرجعون للطريق المستقيم

لعلهم يرجعون إلى رحمة الله

لعلهم ينجون من العذاب الأكبر

سبحان الله اليوم أخبرتني إحدى الفتيات قصة رجل ركب سفينة في شبابه وغرقت في البحر ثم أنجاه الله بأعجوبة ورفض أن يعود للبحر مرة أخرى خوفا من الغرق طوال حياته .

وظل هكذا 41 سنة . وعندما بنيت سفينة تيتانك وقيل أنها السفينة التي لن تغرق أبدا ورأى متانتها وعظم حجمها عاد للبحر مطمئنا فأغرقه الله هذه المرة .

عندما سمعت القصة قلت سبحان الله هذا الرجل قصته موجودة في القرآن ليته إتعظ!

(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ((ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)) ۖ فَلَمَّا ((نَجَّاكُم))ْ إِلَى الْبَرِّ ((أَعْرَضْتُمْ)) ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * ((أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى))ٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ ((فَيُغْرِقَكُم))ْ بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا)
[سورة اﻹسراء 67 – 69]

كان رافضا للعودة للبحر ولكن الله قادر على أن يعيده واستدراجه .

فأعاده وأغرقه.

(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)
[سورة اﻷعراف 99]

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
[سورة السجدة 21]

قد يكون هذا العذاب هو لفت نظر بسيط بآية تحذره أو نصيحة مشفق أو ضمير ينبهه.

وقد يزيد لضربة بسيطة أو شوكة أو جرح بسيط أو حرق بسيط .

وقد يكون قويا كغرق أو مرض شديد يجعلك تصل للإخلاص وترجو ربك مخلصا له الدين لئن أنجيتني من هذا لأكونن من الشاكرين

سأتوب .

سأعمل صالحا .

سأترك الذنب الفلاني .

سأستقيم .

وووو.

((هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُم))ْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ )

هو يستطيع أن يأخذك برضاك لموقع العذاب هو الذي يسيرك.

(وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ((وَفَرِحُوا بِهَا))

يستدرجك بالريح الطيبة لتدخل عميقا في موقع الضر.
وتكون فرحا مسرورا لا تعلم ما يخبئه لك.

(جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)

بعد يأسهم من النجاة عادوا للإخلاص ودعوا ربهم . بماذا؟

(لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
[سورة يونس 22]

يعد ربه بالتوبة وأن يكون من الشاكرين .

يعيد حساباته كلها في لحظات.

ويتذكر جميع ذنوبه ويعد ربه بالتوبة.

هو لم ينتبه بالتنبيهات البسيطة التي سخرها الله له.

أرسل له تنبيها إثر تنبيه ولم يفهم

فكان من رحمة الله به أن يزيد حدة التنبيه لينجيه من عذاب أكبر.

(فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ)

ماذا حدث؟

(إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)

هل ظلمهم الله؟
هل تركهم دون تنبيه؟

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ ۖ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
[سورة يونس 23]

وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

واختاروا أن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة.

ولكن كيف أتجنب التنبيهات القوية وانتبه عندما يرسل الله لي تنبيهات بسيطة؟

هذا ما سنتحدث عنه غدا إن شاء الله.

فتابعونا…

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *