بسم الله الرحمن الرحيم وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا من لدنه علما وحكمة إنه هو العليم الحكيم . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.
((إِنَّمَا)) يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ((ذُكِّرُوا بِهَا)) ((خَرُّوا ))سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩)
[سورة السجدة 15]
من يصل للخضوع والخشوع والسجود القلبي هو المؤمن الحق .
فقد حصر الله المؤمنين ب
((إنما))
وهي أداة حصر.
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩)
[سورة السجدة 15]
تستطيع أن تعرف إذا كنت قد وصلت للإيمان الحق بهذا الإختبار الرباني.
كيف هو حالك إذا ذكرك أحد بآية من آيات الله؟
- هل تستجيب فورا ؟
- أم تبحث عن الأعذار لكي لا تستجيب؟
مثال:
مثلا وصلتك رسالة من قريب أو صديق تتكلم عن امرأة قيل لك عنها كلاما يمس شرفها.
ثم نصحك أحدهم أو سمعت الآية من جهاز أو قرأتها في المصحف والآية هي:
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)
[سورة النور 15
ماذا يكون ردة فعلك؟
هل تخر مباشرة للآية وتستغفر وتتوب ؟
أم تحاول إيجاد عذر لك
أو مخرج
أو تدافع عن نفسك
أو تحاول أن تثبت أن مصادرك موثوقة
وأنك تتحدث بالحق وليس افتراء عليها؟!
هذا هو الإختبار ونحن الآن في اليوم الحادي عشر من دروس ( إخشعي يا أرض)
هل وصلت للخشوع ؟
أم مازلت في الطريق ؟
خذ وقفة مع نفسك…
هل هناك معصية مازلت تصر عليها ؟
أو لم تتمكن من التخلص منها؟
هل خر قلبك لرب السماوات والأرض؟
أم مازلت تؤجل الخضوع للآيات؟
هل تردد عبارات مثل:
لم أقتنع بعد بهذا.
لا بد أن تفسيرهم خاطئ لهذه الآية.
هذه المعصية لم تكن في زمن النبي فلماذا يحرموها الآن؟
ربما الآية منسوخة!
ربما الآية تناسب ذلك الزمان ولا تناسب عصر التطور!
عندما أكبر أو أتقاعد!
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩)
[سورة السجدة 15]
هؤلاء هم المؤمنين حقا.
هم المؤمنين بالله العظيم.
الذين يؤمنون به عظيما فيخشونه ويخافون عذابه.
الذين يؤمنون به منعما متفضلا رحيما فيحبونه ويرجون لقاءه.
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩)
[سورة السجدة 15]
يحبونه ويذكرونه بالحمد ولا يشركون بحمده أحدا .
يسبحون بحمده بمعنى ينزهونه عن الشريك في الحمد فهو الوحيد المستحق للحمد.
وهم توصلوا لهذا بالتأمل وإرجاع الأفعال كلها لله فتيقنوا أنه الفاعل لكل شيء والمدبر لكل شيء والمنعم بكل شىء فما كان منهم إلا أن يحمدوه وحده على كل شيء
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩)
[سورة السجدة 15]
وهم لا يستكبرون..
- لا يستكبرون عن دعاءه فهم أدركوا ضعفهم وافتقارهم وقلة حيلتهم كلما تأملوا قدرة الله وعظمته في الكون.
- ولا هم يستكبرون عن الخضوع لأمره خوفا وحبا وشكرا له
- ولا هم يستكبرون على عباد الله لأنهم أدركوا أنهم تراب وإلى تراب.
إن وصل قلبك لهذا الخضوع
إن خر قلبك حقا ساجدا للآيات فأول صفة يصف الله عباده هؤلاء هي:
(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
[سورة السجدة 16]
قلوبهم تعلقت بحب خالقها.
وداخلتها خشية منه وخوفا من عذابه.
وامتزجت بشوق للقاء الله وشوقا لنعيم الجنان.
حتى استجابت خلايا أجسادهم لما وقر في قلوبهم فجافت الفراش ونصبت قدميها طلبا لرضا الرحمن.
(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
[سورة السجدة 16]
هجرت أجسادهم الفراش لم تعد تطيقها يتقلبون في الفراش من شدة شوق قلوبهم للقيام .
وعندما تنام العيون …..
يهرعون لملاقاة الله في حوار جميل
يخاطبهم بآياته.
ويخاطبونه بدعائهم ومناجاتهم.
(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
[سورة السجدة 16]
حيث لقاء الحبيب بالحبيب
” يحبهم ويحبونه”
قد امتلأت قلوبهم بالحب لخالقهم فلم تبقي لحب الدنيا مساحة في قلوبهم.
ذهب حب الدنيا وأموالها وترفها من قلوبهم فقاموا ينفقون مما رزقهم الله.
(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
[سورة السجدة 16]
أطعموا الطعام على حبه لأن حب ربهم تفوق على حبهم للطعام.
وأنفقوا مما رزقهم الله من مال سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور يشترون بها أنفسهم من الله ويشترون بها جنة عرضها السماوات والأرض.
وأنفقوا مما علمهم الله في آياته فبلغوا ليكونوا من المنذرين كالرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى فأصبح عند ربه من المكرمين.
(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
[سورة السجدة 16]
دعوا ربهم خوفا وطمعا ولم يصلوا لهذا إلا بعد أن تعرفوا عليه من خلال آياته القرآنية والكونية فخافوا عذابه وطمعوا في جنته.
دعوه خفية فأخفى لهم الجائزة.
(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
[سورة السجدة 17]
جزاء خفيا قد أعده لهم ولهم فقط!
يقر لهم بها أعينهم ويملأها فلا يتطلعون لغيرها .
تملأ قلوبهم رضا كما ملئت قلوبهم محبة لربهم.
(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
[سورة السجدة 17]
جزاء بما كانوا يعملون
جزاء من جنس العمل
حبهم وخوفهم وطمعهم كان خفيا في قلوبهم
فجعل الجزاء خفيا لهم ولكنهم إذا وجدوه ملأهم رضا كما امتلأت قلوبهم حبا وخوفا وطمعا.
(أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا ۚ لَا يَسْتَوُونَ)
[سورة السجدة 18]
لا يستوون عند الله
فهذا المؤمن الحق لا يمكن أن يفسق.
والفسق ليست زلة فالمؤمن قد يزل ثم يتوب من قريب.
ولكن الفسق هو الخروج عن أمر الله.
هو الإصرار على معصية ما .
هو الإستمرار على معصية متعمدا مع تأجيل التوبة أو عدم التفكير في التوبة .
(أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا ۚ لَا يَسْتَوُونَ)
[سورة السجدة 18]
هذا المؤمن الذي يخر قلبه ساجدا للآيات خاضعا لها لا يمكن أن يكون فاسقا.
والفاسق هو من لا يخر للآيات سجودا بالقلب وخضوعا لها .
وإنما هو من الذين ..
” وإذا ذكروا لا يذكرون”
والفاسق هو من إذا ذكر بالآيات كان من الذين
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)
[سورة السجدة 22]
والفاسق هو ممن إذا ذكر أعرض ونسي ما قدمت يداه من المعاصي
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)
[سورة الكهف 57]
(أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا ۚ لَا يَسْتَوُونَ)
[سورة السجدة 18]
لا يا رب لا يستوون أبدا
صدقت يا رب!
آمنا بك وصدقنا فاكتبنا مع الشاهدين.
فما هو مصير المؤمن الذي يصل للسجود القلبي ؟
وما هو مصير من أعرض عن الآيات فلم يصل للسجود القلبي؟
هذا ما سنتحدث عنه غدا إن شاء الله.
فتابعونا…
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.