بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)
يقول تعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ)
يعنى لو فرضنا على المؤمنين أن يقتلوا أنفسهم، كما أمرنا بذلك بنى اسرائيل، بعد أن وقعوا في ذنب عبادة العجل، أو لو فرضنا أن يتركوا أوطانهم الى لأوطان أخري
(مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) يعنى لن يمتثل الى هذا الأمر الا القليل مِنْهُمْ.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ) ولو امتثلوا لأوامر الله تعالى ونواهيه.
(لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) لَكَانَ ذلك خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا للإيمان في قلوبهم، لأن الايمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
روي أنه لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) قَالَ رَجُلٌ من الصحابة: لَوْ أَمَرَنَا لَفَعَلْنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَقَالَ: “إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجَالًا الْإِيمَانُ أَثْبُتُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي”
(وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67)
قال المفسرون الأجر العظيم هو الجنة
وقوله تعالى (مِنْ لَدُنَّا) أي مِنْ عندنا، اشارة الى أن هذا الأجر العظيم لا يقدر عليه الا الله.
(وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)
أي وَلَهَدَيْنَاهُمْ الى طريق الايمان الموصل الى الجنة
والهداية الى الصراط المستقيم هي أعظم نعمة من الله تعالى على عبده، بدليل أن هذا هو الدعاء الذي أرشدنا الله -تَعَالَى – اليه أن ندعوه بها في كل يوم على الأقل سبعة عشر مرة.
والذي يسير على الصراط المستقيم يكون مرتاحًا في حياته، لأن الخط المستقيم –كما يقول أهل الهندسة- هو أقرب خط بين نقطتين، وطالما أنه أقصر طريق فلابد أنه أكثر الطرق راحة.
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)
هذه الاية الكريمة تفسر الآية في سورة الفاتحة، قول الله -تَعَالي- (إهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ)
فالذين أنعم الله -تَعَالي- عليهم هم: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
(النَّبِيِّينَ) والأنبياء هم خير البشر وأعلاهم درجة في الجنة.
(وَالصِّدِّيقِينَ) وهم أفاضل أصحاب الأنبياء.
(وَالشُّهَدَاءِ) وهم القتلى في سبيل الله -تَعَالي- وقيل هم العلماء.
(وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) وَحَسُنَ هؤلاء رفقاء وأصحاب في الجنة.
الرفيق من الرفق ولين الجانب.
روي في سبب نزول الآية عن عدد كبير من الصحابة أنهم جاءوا الى الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا له نحن نراك في الدنيا، فاذا كان يوم القيامة كنت مع الأنبياء ولا نراك وكان الصحابة الكرام يحزنون لذلك، وكان الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو أيضًا يحزن لذلك.
من ذلك –مثلًا- أن ثوبان كان عبدًا اشتراه الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعتقه، وكان من اليمن، فرفض أي يعود الى وطنه وظل مع الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخدمه، تقول الرواية أن “ثوبان” كان شديدَ الحب لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قليلَ الصَّبرِ عَنْهُ، فجاءه يومًا وقد تغيَّر لونه ونحل جسمه، فقال له الرسول: «يَا ثَوْبَانُ مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ»؟ فقال: يا رسول الله ما بي من وجع، ولكنى ذكرتُ الآخرة وأنك تُرْفَعُ مع النبيين، فلا اراك ولا أصل اليك” فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)
فاذا كنت تحب الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحب الأنبياء وَالصَّالِحِينَ وتريد أن تكون معهم، فعليك بطاعة الله -تَعَالَى – ورسوله، عليك العمل بكتاب الله -تَعَالَى – وسنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى تكون معهم يوم القيامة.
(ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)
يعنى هذا الثواب، وهو أن نكون مع النَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، هذا الثواب فضل من الله تعالى على من أطاعه، لأننا لا نستحق هذا على أعمالنا.
روى مسلم في (صحيحه) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ فَقِيلَ : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟قَالَ : وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي رَبِّي بِرَحْمَةٍ”
سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
منقول من موقع وائل فوزي