تدبر سورة المائدة الآية ٣٣_٣٤

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)

يقول تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
وهذه الآية يطلق عليها آية الحرابة
يقول تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)
(إِنَّمَا) للحصر، يعنى من يحارب الله ورسوله ليس له الا هذا الجزاء
(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) أي يكثرون من المفاسد في الأرض، لأن السعي هو الحركة السريعة المستمرة.
وقوله تعالى (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) هو توضيح لقوله (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي أن: الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هم الذين يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا.
وهو ما يطلق عليه في الاصطلاح الفقهي “المُحَارِب” ولذلك هذه الآية يطلق عليها “آية الحرابة” والحد الذي تتناوله يطلق عليه “حد الحرابة”
والمُحَارِب: هو الذي يستخدم السلاح أو يستخدم قوته البدنية في الاعتداء على الناس، أو على اموالهم أو على أعراضهم.
وهو ما يطلق عليه الآن في قانون العقوبات “أعمال البلطجة”
وهو يختلف عن السرقة، لأن السرقة هي أخذ الأموال خلسة، أما الحرابة فتكون أخذ الأموال جهارًا وقهرًا.
ولذلك فان عقوبة السرقة هي قطع اليد، أما عقوبة الحرابة فهي –أغلظ- قطع اليد والرجل.
والسرقة لها نصاب وهو ربع دينار ذهب أما الحرابة فليس لها نصاب.
يعنى في حالة السرقة يشترط لإقامة حد السرقة وهو قطع اليد، أن يبلغ المبلغ المسروق ربع دينار ذهب –وهو ما يعادل حوالى 50 دولار أمريكي- أما في حالة الحرابة فأي مبلغ –مهما قل- يتم الاستيلاء عليه بالقوة يطبق عليه حد الحرابة.

يقول تعالى (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ)
لم يقل تعالى: يقتل أو يصلب أو تقطع.
وانما قال تعالى (يُقَتَّلُوا) (يُصَلَّبُوا) (تُقَطَّعَ) وهذا للمبالغة.
يعنى لا رحمة بهؤلاء لأنهم لا يستحقون الرحمة
وهذا مثل قوله تعالى (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) يعنى يكثرون من الذبح بلا هوادة

ذكرت الآية أربعة عقوبات:
(أَنْ يُقَتَّلُوا) والقتل يكون اما بالسيف، أو بنفس الطريقة التي نفذ بها القاتل جريمته، وقال بعض المتأخرين يجوز بأي طريقة أخرى مثل الشنق أو الرمي بالرصاص، ولكن الراجح أن القتل يكون بنفس الطريقة التي نفذ بها القاتل جريمته.

(أَوْ يُصَلَّبُوا)
الصلب لا يكون بدق مسامير في اليدين كما كان يفعل الرومان قديمًا، ولكن يكون بربط اليدين والقدمين على الصليب، وأن يرفع هذا الصليب الى مكان عال، حتى يراهم الناس ويكون عبرة وردعًا لغيره.

(أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ)
(مِنْ خِلَافٍ) يعنى تقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسري.
وقطع اليد يكون من منطقة الساعد، أما قطع الرجل فيكون بقطع كف القدم أو مشط القدم ولكن لا يقطع العقب أي الكعب

(أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) النفي لغة هو الابعاد.
واختلف المفسرون والفقهاء في المقصود بالنفي.
فقال البعض أن المقصود بالنفي هو ان يظل هذا المجرم المحارب يطارد حتى ينفذ فيه حكم من هذه الأحكام وهي القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف.
وقيل النفي هو أن يخرج من بلده التي هو فيها الى بلد آخر، لأنه اذا خرج من بلده الى بلد آخر فانه لا يجد له أعوانًا على الشر، ولأن الغريب يكون أضعف منه وهو في بلده.
وقال البعض أنه يخرج من بلاد المسلمين الى بلاد غير المسلمين.
وقال أبو حنيفة وأصحابه أن المقصود بالنفي هو السجن.

وهذه العقوبات الأربعة اما على سبيل التخيير لولى الأمر أو القاضي، أو أن المحارب يكون عليه أحد هذه العقوبات على قدر الجريمة التي ارتكبها.
فمن قتل ولم يأخذ مالًا فانه يقتل بنفس الطريقة التي قتل بها.
ومن قتل وأخذ مالًا فانه يصلب.
ومن أخذ مالًا جهارًا وقهرًا فتقطع يده ورجله من خلاف فيكون قطع اليد للسرقة، وقطع القدم لقطعه الطريق.
إن أخاف السبـيـل ولـم يقتُل ولـم يأخذ الـمال: نُفـي، يعنى يسجن على رأي أبو حنيفة.

(ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
(ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا)
أي أن هذه العقوبات ذل وعار وفضيحة لهم في الدنيا، لأن هؤلاء المحاربون كانوا يقهرون الناس ويذلوهم بقوة السلاح أو بسبب تفوقهم الجسدي عليهم، فيكون عقابهم -حتى يسود العدل والأمن والأمان والطمأنينة في المجتمع-أن تذل أنوفهم ويهتلك سترهم فيكونون عبرة لغيرهم
(وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
يعنى ليست هذه العقوبة تكفير عن جريمتهم ولكن ينتظرهم يوم القيامة عَذَابٌ عَظِيمٌ.

هذه الآية وهي آية الحرابة، وهذا الحد من حدود الاسلام وهو حد الحرابة، من أهم الحدود، ولو طبق هذا الحد لانتشر الأمن والأمان في المجتمع.

ولذلك قلنا أن بداية الآية الكريمة بدأت بقوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وقلنا أن (إِنَّمَا) للحصر، يعنى من يحارب الله ورسوله ليس له الا هذا الجزاء

(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)
قال بعض المفسرون أن الآية خاصة بالمشركين الذين يحاربون المسلمين، فمن تاب منهم ودخل في الاسلام، فان الاسلام يجب ما قبله ولا يقام عليه الحد فيما أصاب قبل الاسلام.
أما بالنسبة للمسلم فان الآية تعطي لولى الأمر أن يعفو عن المحارب ان تبينت توبته قبل القبض عليه.

سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
منقول من موقع وائل فوزي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *