بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
التقوى هي المرحلة التي نتمنى الوصول إليها وهي مخافة الله في السر والعلن.
لكي نخشى الله لابد أن نخشى عذابه وعقابه.
ولكي نحب الله ونعبده عن محبه علينا أن نتعرف على جوده وكرمه…
ولن نقع في المعاصي إلا لو غفلنا عن اليوم الآخر أو أصابنا الريب أو الشك في حقيقة ذلك اليوم..
فما هو العلاج من الشك والريب في البعث والنشور؟
تأملوا معي..
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ((إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ)) فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)
[سورة الحج 5]
يبين لنا ربنا أن التفكر في الخلق هو الحل لمشكلة الريب في اليوم الآخر وهي مشكلة لا يستهان بها.
فالله عز وجل كثيرا ما يرفق مع ذكر الساعة واليوم الآخر عبارة (لا ريب) لعلمه السابق بأنه مشكلة كبيرة وأنها مدفونة في السرائر ولن تظهر إلا يوم تبلى السرائر.
تأملوا معي بعض الآيات التي ذكر في الساعة مع عبارة لا ريب وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.
(وَأَنَّ ((السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا)) وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)
[سورة الحج 7]
(إِنَّ ((السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا)) وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)
[سورة غافر 59]
(قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ ((يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ)) وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
[سورة الجاثية 26]
إذن الحل لمشكلة الريب تلك هو التفكر في خلقك يا إنسان.
ماذا كنت؟ تراب
تطورت بعدها خلقا من بعد خلق.
نطفة ثم تطورت إلى علقة ثم تطورت إلى مضغة ثم تطورت إلى جنين ثم إلى طفل ثم إلى شاب ثم إلى شيخ ثم عدت ترابا
فسبحان الله العظيم
كما بدأكم تعودون..
ولذلك كثيرا ما ذكر الله سبحانه قضية الخلق بعد ذكر الآخرة.
تأملوا معي هذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر..
(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ ((وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ)) * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ ((خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ)) ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)
[سورة الروم 19 – 20]
(الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ)
[سورة المؤمنون 11 – 12]
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ)
[سورة القيامة 36 – 37]
(هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ * نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)
[سورة الواقعة 56 – 59]
ولو تفكرنا في قضية اعادة الخلق لوجدنا أننا نراه يوميا حيث يخلق الله في أرحام النساء كل يوم أجنة جديدة هم في أشبه ما يكونون بوالديهم وأجدادهم وكأنهم إعادة خلق لهم.
فكما قدر الله على أن يخلق أشباههم أمامهم أفلا يقدر الله أن يخلقهم من جديد؟
(نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ)
[سورة الواقعة 57]
ولو تأملنا النطف الحية كمخلوقات غريبة لا عيون لها ولا آذان ولا شم ولكنها تسبح كالأسماك لمستقرها وكأنها تعرف الطريق مسبقا وكأنها مرت من هناك سابقا. فلا هي تتبع رائحة لأنها لا أنف لها ولا هي تتبع صوتا لأنها لا آذان لها ولا أنها تتبع طعما حيث لا فم لها ولا أنها ترى الطريق فسبحان الله العظيم.
(نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ)
[سورة الواقعة 57]
فمن الذي خلقها وهداها للطريق؟
إنه الله لا شريك له.
(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)
[سورة الواقعة 58 – 59]
وكما نرى في رحلة مسيرة النطف هناك من يموت قبل أن يصل كل منهم له أجله ووقته والمكان الذي يموت فيه وهناك من يعمرهم الله أكثر حتى يصل واحد منهم للبويضة وحتى عند وصوله فإنه لا يعود نطفة بل يتغير ويصبح خلقا جديدا اسمه البويضة المخصبة.
ألا نرى هذا السيناريو يتكرر فينا دوما؟
(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)
[سورة النحل 70]
الذي قدر أن ينفذ السيناريو الأول والثاني قادر على أن يخلقهم مرة أخرى.
(أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ۚ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)
[سورة ق 15]
كما قدر للنطف الموت فهو قدر بيننا الموت كل لأجل مسمى.
ثم يخرجنا في خلق جديد..
(نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ)
[سورة الواقعة 60 – 62]
نحتاج للمزيد من التفكر لنزداد يقينا بالبعث فتابعونا في الدرس القادم إن شاء الله.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.