بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الذي أمرنا أن ندفع الجهل بالعلم ثم العمل به، وأمرنا بالإخلاص في العمل حتى ننال أعلى الدرجات مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا.
الخطبة الأولى:
ربنا عز وجل لا يريدنا أن نكون من الجاهلين..
(… وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ ((فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)))
[سورة اﻷنعام 35]
يريدنا الله أن نفهم الحكمة من وجودنا في الحياة، وأن نفهم الحكمة من كوننا مختلفين، يريدنا أن نُعمِل عقولنا ولا نكون من الجاهلين الذين عطلوا عقولهم وجهلوا الهدف من وجودهم، وجهلوا أحكام الله وحكمه.
واسمع لقول الله تعالى:
(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ ((إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)))
[سورة هود 46]
في الآية الله يخاطب سيدنا نوح عليه السلام ويعظه أن لا يكون من الجاهلين وهو نبي الله أرسله إلى قومه لينذرهم فهو عنده من العلم ما ليس عند قومه ومع ذلك يعظه ربه أن لا يكون من الجاهلين.
وعلاج هذا الداء العضال هو العلم والتفكر والقراءة.
فأعظم الجهل أن تجهل خالقك الذي سواك فأحسن صورتك، وتجهل الحكمة من خلقك، وتجهل أحكام الله وشرعه!
(فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
فيجب أن تعرف خالقك وقدرته في تدبير الأمور وتسيير هذا الكون العظيم حتى تعبده على بصيرة، وتعبده بيقين تام.
فأول أمر نزل على رسولنا الكريم هو:
((اقْرَأْ) بِاسْمِ رَبِّكَ (الَّذِي خَلَقَ))
[سورة العلق 1]
ركزُّوا>> لم يقل الذي أطعم، الذي هدى، الذي رزق، الذي آوى، بل قال: ((الَّذِي خَلَقَ))
فهنا دعوة من الله تعالى لنا للتأمل في خلقه، الذي يقودنا لتوحيد الله وزيادة الإيمان واليقين.
لذلك فقد حثنا ربنا على التأمل في الكون والتفكر في مخلوقاته في كثير من الآيات في القرآن الكريم، لماذا؟
حتى نُعمل عقولنا ونحرك قلوبنا فنعرف خالقنا ونتعلم شتى العلوم..
آيات الله تتجلى أمامنا في الكون المنظور، وفي كتابه المسطور.
آيات الله تعالى تتجلى أمامنا في الكون المنظور، وفي كتابه المسطور:
(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ((لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ)) *
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ ((آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) *
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ((آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) *
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)
[سورة الجاثية 3 – 6]
ركزوا على التدرج في الآيات السابقة:
((لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ))
((آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))
((آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ))
الآيات في هذا الكون الفسيح الرحب، تزيدك إيمانا أولا، ثم تزيدك يقينا، بعدها تزيد عقلك نورا وعلماً.
سبحان الله التأمل عبادة روحية تنمي العقول وهي طريق للحصول على العلم، لكن للأسف كثير من العباد لا يطبقون هذه العبادة!
يجهلون كثيرا من أوامر الله والتي في أصلها تعود الفائدة عليهم، والله غني عنا وعن عبادتنا لكننا قوم نجهل أكثر مما نعلم، قوم غافلون!
هو منهج ربانِّي حنيف، شرعه لنا وفيه شفاء لصدورنا،
، (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)
[سورة الجاثية 6]
القرآن الكريم هذه المعجزة الخالدة فيه من الأسرار الثمينة والحجج الداحضة والآيات البَيِّنة،
أما آن الأوان لنعود لكتاب ربنا؟!
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
[سورة يونس 57 – 58]
اتبعوا هذا النور وافرحوا به،
فإني أخشى أن نكون من الذين تفرقوا من بعد ما جاءتهم البينات والآيات الواضحات..
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
[سورة آل عمران 105]
نعم جاءتهم البينات من العلم والآيات، لكنهم تفرقوا واختلفوا!
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ))}
[سورة البقرة 75]
هم يعقلون ويعلمون، لكن لا يعملون!
والخلاصة:
الناسُ هَلكَى إلا العالِمونَ، والعالِمون هلكى إلا العاملونَ، والعاملون هَلكى إلا المُخلِصونَ، والمخلِصون على خطر عظيم…فلا تغتر!
الخطبة الثانية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الناسُ هَلكَى إلا العالِمونَ، والعالِمون هلكى إلا العاملونَ، والعاملون هَلكى إلا المُخلِصونَ، والمخلِصون على خطر عظيم…فلا تغتر!
سبحان الله إبليس عاِلمٌ كبير فهو يعرف الجنة ويعرف النار ويعرف حدود الله وهو مُخلَّد على الأرض من عهد آدم عليه السلام وإلى يوم القيامة كما أخبرنا ربنا عن قصته:
(قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)
[سورة الحجر 36 – 38]
ذلك وعد الله لإبليس ولا يخلف الله الميعاد.
ومع غزارة علمه إلا أنه متكبر لا يستفيد من علمه ولا يعمل به، لذلك فقد وجبت عليه لعنة الله إلى أن تقوم الساعة
(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ)
[سورة ص 78]
فإبليس عاِلم ولكنه لا يعمل بما عَلِم!
قاعدة مهمة:
علم+تكبر=كفر وعصيان
(إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا (كِبْرٌ) مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
[سورة غافر 56]
بسبب الكبر الذي في صدورهم، فإنهم يجادلون في آيات الله بغير سلطان وبغير دليل ولا حجة واضحة!
أولئك سيبقون على كفرهم وضلالهم؛ لأن نفوسهم متكبرة مترفعة عن الحق!
لا يقبلون الحق أبدا وإن بان لهم وظهر!
وأخبرنا ربنا عن أمثال أولئك في كتابه العزيز، أخبرنا عن فرعون الذي تكبر (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)
[سورة النازعات 24]
بعد أن أراه سيدنا موسى عليه السلام الآية الكبرى، والمعجزات العظمى!
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا)
[سورة اﻹسراء 101]
فجعله الله تعالى آية وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:
(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ)
[سورة النازعات 26]
لعلهم يتذكرون ويخشون الله ربهم بهذه القصص والمواعظ.
ما جزاء المتكبرين؟وماذا سيُقال لهم؟
(فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ ((فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)))
[سورة النحل 29]
وهناك من الناس من يعلم ولا يعمل بعلمه، إما تكبرا وجحودا، وإما تهاونا وتكاسلا، ومهما كانت الأسباب فأولئك هَلكَى، كما هلك إبليس اللعين!
فاحذروا أن تكونوا مثله!
نعلم حكم الغيبة ولا نزال نتكلم عن الناس ومشاكلهم وعيوبهم وكأننا مسؤولون عنهم وعن قضاياهم الخاصة!
نعلم حكم وجود الزينة في العباءة ولا نزال نواكب أخر الموضات .
نعلم حكم اللغو ولا نزال نثرثر فيما لا فائدة منه، كلام دنيوي لا ينفع أبدا سوى إضاعة الأوقات والطاقات!
فما فائدة علمنا إذن إن كنا لا نعمل به؟!
سيكون وبالا علينا سيكون حجة علينا يوم القيامة..
الشيطان يعلم ولا يعمل!
إنه عدو لنا يريدنا أن نضل كمل ضل ويريدنا أن نكون معه في النار نُعذَب!
أخبرنا الله تعالى في ثلاث مواضع من القرآن -حسب ما وجدت- عن ((هدف الشيطان)) من طلبه بالبقاء إلى يوم القيامة وما جاء تكرار الخبر إلا لأهمية ذلك حتى نحذر منه ولا نتبعه بل ونتخذه عدوا:
1) (قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)))
[سورة اﻷعراف 14 – 16]
2) (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * ((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ)) * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ)
[سورة الحجر 36 – 43]
3) {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * ((قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ))}
[سورة ص 79 – 83]
ويؤكد الله عداوة الشيطان لنا:
((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ))
[سورة فاطر 6]
لذلك العلم مع عدم العمل دليل تكبر وانقياد خلف الشيطان.
فراجعوا حساباتكم هل تعملون بكل ما تعلمون أم أنكم تتهاونون في بعض الأحكام والشرائع؟!
مِن الناس مَن يقولون نطبق بعض الأحكام ونترك بعضها، نختار ما يرضينا وما يكون سهل على أنفسنا، ونترك ما لا تهواه أنفسنا وما تستصعبه!
لكل من يفكر بهذه الطريقة، اسمعوا ماذا قال رب العزة:
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا ((خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ((يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ)) ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
[سورة البقرة 85]
هؤلاء لهم الخزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة لهم عذاب شديد. سيذوقون الخزي والهوان في الدنيا قبل الآخرة.
ليست العبرة بصِغَر المعصية ولكن انظروا إلى عِظَم من تعصون!
أما سمعتم قصة آدم عليه السلام، ما سبب خروجه من الجنة؟
(وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * ((فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ)) لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ ((فَلَمَّا ((ذَاقَا)) الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)) ((وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)) ۖ ((وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ)) * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * ((قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)) ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ)
[سورة اﻷعراف 19 – 24]
هل عرفتم سبب خروج سيدنا آدم من الجنة؟
فقط ذاقا الشجرة، معصية واحدة فقط!
واحدة صغيرة فقط ذاقا من الشجرة ولم يأكلا كثيراً!
يااااا الله…
هنا ربنا يربينا من خلال قصة سيدنا آدم وزوجته حواء عليهما السلام، بأنكم يا عباد الله اجتنبوا صغائر الذنوب فضلا عن كبائرها، اجتنبوا البسيط منها والذي ترونه هينا حتى لا تقعوا فيما هو أكبر!
اجتنبوا ما تُسمونه صغيرة فقط، مرة واحدة فقط!
الآن حتى كبائر الذنوب يسمونها بمسميات تخفف من هولها!
قالوا عن الكذب:
مزاح!
كذبة بيضة!
كذبة إبريل!
قالوا عن الربا بيع!
قالوا عن الزنا زواج مؤقت!
قالوا عن السرقة استعارة!
…وغيره الكثير!
(…وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)
إلى متى سنبقى؟ هل تضمنون أنكم ستعيشون لتتوبوا؟!
تخيل الآن لو أتيت لك بكوب حليب ووضعت فيه قطرة دم صغيرة، واحدة فقط!
هل ستشربه؟
بالطبع الكل سيرفض شربه لأنه ملوث بقطرة واحدة صغيرة من الدم!
فكيف ترضى أن يكون في صحيفتك نقطة واحدة فقط صغيرة من معصية لم تتب منها، و كنت مصرا عليها ولم تتركها!
هل سيقبل الله صحيفتك تلك؟
إذا أنت لم تقبل كوب حليب به قطرة دم، فكيف تُقَدم لله صحيفة به معصية واحدة تتعمد ارتكابها دائما بلا توبة؟
تعالى الله عن هذا المثال علوا كبيرا لكن هو فقط لتقريب الصورة.
واسمعوا لقول الله تعالى:
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ((فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)) فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا)
[سورة الكهف 103 – 106]
يظنون أنهم يحسنون صنعا وما يفعلونه صواب لكنه خلاف ذلك!
((فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ))
ما الذي أحبط أعمالهم؟ما السبب؟
{…كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ…}
آيات بينات واضحات تدل على وحدانية الله لكنهم كفروا بها، وكفروا أيضا بلقاء الله يوم البعث والنشور.
فما كانت النتيجة؟
1)فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
2)فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا
3)ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ
ويُفَصِّل الله السبب مرة أخرى بقوله:
(…بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا)
فالكافرين بالله تعالى أو بشيء من أركان الإيمان لا تنفعهم أعمالهم الصالحة وإن كانت كالجبال الضخمة فسوف يحبطها ربي ويجعلها دكا…
(وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)
[سورة الفرقان 23]
لماذا ذهب العمل الصالح هباء منثورا؟
تعالوا سأُخبركم المزيد من كتاب ربي فأعيروني آذاناً صاغية…
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)
[سورة محمد 8 – 9]
فقط كرهوا ما أنزل الله فذهب عملهم هباء منثورا، قد يقولون بأنهم مسلمون ولكنهم يكرهون ما أنزل الله في القرآن من أحكام كحرمة شرب الخمر، وحرمة الزنى، وحرمة سوء الظن، وحرمة الربا، وحرمة الميتة ولحم الخنزير…
يكرهون أحكام الزكاة، وآداب الإستئذان، والجهاد في سبيل الله، يكرهون الأمر بِبر الوالدين، وإقامة الصلاة…
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)
وبما أنهم كرهوا أحكام الله فإما أنهم يعبدوا الله جبراً ورياءً لا حبًا ولا إخلاصاً، وإما أن يتركوها ولا يطبقوها!
والنتيجة>> (فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)
ذهبت أعمالهم هباءً منثوراً.
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)
[سورة محمد 28]
اتبعوا ما أسخط الله من أعمال ومعاصي فحبطت أعمالهم!
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
[سورة اﻷعراف 147]
كذّبوا بآيات الله وكذبوا بيوم القيامة فحبطت أعمالهم جميعا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)
[سورة الحجرات 2]
الله تعالى حذر المؤمنين من رفع أصواتهم على صوت النبي لماذا؟
حتى لا تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون..
تخيلوا فقط رفع الصوت على النبي كفيل بأن تُحبَط أعمالنا دون أن نشعر؛ لذلك يجب أن لا نستهين بأي معصية ولا نقول صغيرة فقط، مرة واحدة فقط!
(…وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)
ولا نقول أكثر الناس تفعل ذلك!
فالله تعالى قال:
(وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
(وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)
(فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)
(ِوَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)
(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)
فبعد هذا اليقين هل ستفعل ما يفعله أكثر الناس؟!
وهل ستتبع أكثر الناس؟
وهل سَتُبرِر فعلك للمعصية الواحدة بوجود حسنات وطاعات أخرى؟!