سورة قريش

بِسْم الله الرحمن الرحيم
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحْلُل عقدة من لساني يفقهوا قولي اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

سورة قريش سورة عظيمة فمع أن آياتها قصيرة إلا أنها تحوي ما يمكنه أن يحكم دولا وقرى بأمان وإكتفاء أو العكس بأن يشتتها في بنشر الخوف والمجاعات.

فنسأل الله عز وجل أن يعلمنا ويرزقنا تدبرها والعمل بما جاء فيها

(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)
[قريش الآية: 1-2]

((لإيلاف)) ((إيلافهم))

ماذا نفهم من هاتين الكلمتين؟

الكلمتين تأتيان من ألف وألفوا الشيء أي من الألفة والتعود على الشيء.

الله عزوجل يعطينا نعم فنألفها ومن شدة الألفة فإننا لا نستشعر بأنها نعم وفي الحقيقة هي نعم.

مثال على ذلك:

نعمة الأمن
هي نعمة أليس كذلك؟
أكيد هي نعمة ولكن أكثر الناس لا يستشعرونها. لماذا؟

لأنهم ألفوها وتعودوا عليها فيتوهمون أنه لابد من أن هذه النعمة تبقى ولا تزول.
و نسوا أن الله قادر في أية لحظة أن يسلب هذه النعمة ثم نجد الناس بعدها يستشعرون أن نعمة الأمن لا تقدر بثمن.

مثال اخر:

نعمة الإطعام من الجوع أيضا هي نعمة نجد مثلا أن الإنسان اليوم يجد ما يأكله وغدا وبعد غد وهكذا وإذا خرج من بيته يجد المطاعم والأسواق مليئة بالأطعمة
فالله تعالى قادر على أن يسحب هذه النعمة في أي وقت شاء فنجد نفس الإنسان الذي ألف على وجود الطعام فجأة لا يجد ما يأكله في بيته فإذا خرج إلى الأسواق لا يجد شيء من الأطعمة
فالإنسان يألف هذه النعم ويشعر أنها أمر طبيعي ولا يتخيل أبدا أنها تزول ولكن في الحقيقة هي معرضة للزوال بأمر من ملك الملوك.

(الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)
[ قريش الآية: ٤]

(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)
[قريش الآية: ١-٢]

هذه الألفة بحد ذاتها نعمة من الله أن يعودنا الله على شيء فنألفه فهي نعمةً.

مثال اخر:

معك سيارة وكل يوم تشغلها فتشتغل وتمر عليها سنين على وهي على هذه الحالة ثم يأتي يوم تشغلها ولا تشتغل.

كيف ستحس ساعتها؟

أكيد ستحس بالإرتباك والتوتر وكيف ستكون حياتك بدون هذه السيارة وأنت قد ألفت من قبل على عملها
فَلَو تفكرنا في هذه الألفة أنها نعمة عظيمة من الله فعلينا أن نشكره على ذلك
الغافل يراها أمرا طبيعيا فمن الطبيعي أن نعيش الأمن ومن الطبيعي أن نعيش الإطعام من الجوع ومن الطبيعي أن نعيش بالصحة
والله تعالى يخبرنا بسلبها أن هذا ليس من الطبيعة عليك أن تشكر أيها الإنسان لأزيدك وإن كفرت فإني قادر على أن أسحب منك هذه النعمة.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
[ إبراهيم الآية: ٧]

فإذا ألفنا النعمة لا نقف عندها فقط للتمتع بها بل علينا أن نذكر النعمة ونستشعرها والشكر الحقيقي يكون بذكر النعمة أنها من الله واستخدامها في طاعة الله.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ)
[ فاطر الآية: ٣]

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)
[ البقرة الآية: ١٥٢]

(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)

فماذا ألفوا؟

(إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)
[قريش الآية: ٢]

فالله عز وجل سخر لقريش هاتين الرحلتين وأعطاهم الأمن فيهما ويرجعهم سالمين وجعل لهم الأمن في مكة والطعام الغير منقطع . هي نعمة فكيف يكون شكرها؟

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ)
[قريش الآية: ٣]

الله عز وجل يوجهنا إلى العبادة الحق لكي يحفظ الله لنا هذه النعمة فإن لم نشكره بذكر هذه النعمة فإنه قادر على أن يحول هذا النعمة إلى ضر بسلب هاتين النعمتين .

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ((آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ))

[ النحل الآية: ١١٢]

كانت آمنة ربما سنين
كانت مطمئنة ربما سنين
والرزق يأتيها من كل مكان ربما سنين
لكن هذا القرية هل استشعرت فضل الله عليها أم لم تستشعر؟

هم ألفوا هذه النعم ولم يذكروها فكانت النتيجة..

((فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ))
[ النحل الآية: ١١٢]

فنتيجة كفرهم أن أصابهم ضر العذاب هذا كله بسبب كفرهم بأنعم الله.

(وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ((لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))

هذه القرية هل فهمت سورة قريش؟ هل طبقتها؟

سبحان الله كما قلنا في بداية الدرس أن سورة قريش سورة قصيرة جدا هي سطرين ونصف تقريبا ولكنها تحكم دول وقرى .

نجد كم من دول الآن تعيش في مشاكل وعذاب والخوف وجوع بعد أن كانت تنعم بنعمة الأمن والإطعام من الجوع؟

لم يطبقوا أمر الله

((فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ))

((فليعبدوا))

لم يقل فليعصوا
تريد أن تدوم وتستمر النعمة عليك؟

اعبد رب البيت .

لكن نجد أكثر القرى عبدت ام كفرت؟

كفرت بالنعمة جحدتها ولم تذكر أنها من الله لأنها ألفت النعمة ونسيت.

ولم يستشعروا بأن الله قادر على أن يسحبها في أي وقت فنجدهم يتسآلون كيف حصل هذا وكنا في أمن وسلام وكان معنا حكومة وجيوش؟ والله تعالى يريهم أن ذلك لا ينفع أمام قانون الخالق فإذا جاء بأس الله وعذابه بعد المعصية فلا أحد يستطيع أن يرده.

(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
[البقرة الآية: ١٥٥]

فالمطلوب

((فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ))

فنعمة الأمن والإطعام من الجوع من أعظم النعم فَلَو أعطانا هاتين النعمتين لكان كافيا أن يعبد ولا يعصى وأن يستمسك بكلامه.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

نعوذ بالله أن نكون من الغافلين ونسأل الله عز وجل أن نكون من الذين عبدوا الله حق العبادة وأن يجعلنا من الشاكرين لأنعمه.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *