توحيد الله

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما اللهم آتنا من لدنك رحمة وعلما.
موضوع حديثنا في هذا اليوم عن توحيد الألوهية :
يقول العلي القدير في محكم كتابه:

*(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُون * فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)*
[سورة يس 71 -76 ]

حين ننظر لهذه الآيات تطالعنا الضمائر والأسماء الصريحة التي تذكرنا بعظمته جل وعلا:
أنا> نا الضمير تدل على الله
خلقنا> الله الخالق
عملت> الله خلقها
ذللناها> الله ذللها
الله> الإله المعبود بحق
إنا> الله
تتحدث الآيات عن مظهر عظيم وآية من آيات الله المبثوثة في الكون ألا وهي خلق الأنعام، فالله وحده بقدرته العظيمة خلق الأنعام بأنواعها من جمال وأبقار وماعز و غزلان و…
لمن خلقتها يا رب؟ خلقها لنا نحن بني البشر؛ بل إنه بيد قدرته ذللها لنا. نعم جعلها سهلة الإنقياد تنقاد لنا لننتفع بها فنأكل لحمها ونشرب لبنها وننعم بصوفها ووبرها ونستخدمها للركوب وغيرها من المنافع التي لا تحصى. ما أعظمك يا الله وما أوفر نعمك وأفضالك علينا. إنها نعم تستوجب الشكر وتستلزم الإخلاص للمعبود الواجب الوجود.
نعم علينا أن نشكر الله عند كل مذقة لبن نشربها وعند كل قطعة لحم نأكلها وعند ركوبنا بل حتى عند رؤيتنا لهذه الأنعام. علينا أن نتذكر أن الله خلقها لنا ولو شاء لما ذللها لنا لننتفع بها فكم نرى من الحيوانات التي يصعب على الإنسان الانتفاع بها رغم أنها في حجمها أصغر من الإبل والثور العظيم فالأرنب البري لا يحصل عليه الإنسان إلا بعد عناء. هل تأملنا وفكرنا كيف لثور عظيم أن ينقاد لإنسان أضعف منه ليذبحه؟
فما أعظمك يا رب.
فهل يحق أن يعبد غير هذا المنعم العظيم وهل يصح أن يحمد غير هذا المنان الكريم.
هذا حال المنكرين هذا حال الجاحدين للنعم الذين لا يتفكرون نراهم يعبدون غير الله، ويشكرون غير الله اتخذوا الأصنام والأوثان آلهة فعبدوها من دون الله واتخذوا سادتهم وكبراءهم آلهة بل وصل بهم الأمر أن يتخذوا الدواب آلهة فمنهم من يعبد البقر وآخرين عبدوا القرود وأولئك عبدوا الفيلة بل حتى الفئران. أنى لهذه أن تنفعهم وهي لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا.وهل هذا شكر للنعم تتخذ آلهة من دون الله؟ ما الذي جعلهم يتخذونها آلهة من دون الله؟
“وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ”
اتخذوها آلهة لينصروا؟
نعم ظنوا أن النصر بالضخامة فعبدوها لضخامتها وآخرين ظنوا النصر بالجاه والسلطان فعبدوا غيرهم من البشر؟
نعم عبدوهم باتباعهم وامتثال أوامرهم وإن خالفت أمر الله وإن أدت إلى انتهاك حد من حدود الله.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ …ِ)[سورة البقرة 165] نعم فضلوا حبهم على حب الله فأطاعوهم فيما ما يأمرونهم به من الإعتداء على عباد الله أو ظلمهم أو أخذ حقوقهم.
ولكن لما فعلوا ذلك؟
ليجدوا منهم النصر والتأييد، ولأنهم يوافقونهم في أهوائهم وشهواتهم.
لنتأمل:
لو سلمنا بإمكانية ذلك لمن له جاه أو سطوة كما هو الحال عند السادة والكبراء أمثال فرعون وهامان.
فما النصر الذي سيجده عابد الصنم والوثن وعابد القرد والعجل؟
إنه اختلال في التفكر وبعد عن طريق الخير والتوفيق. فأنى لهذه أن تنصرهم؟

لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ)
الله أكبر هذا الآلهة المعبودة لا تستطيع نصرهم الله العظيم يبين لهم أنها لا تستطيع لا تستطيع لا تستطيع.
(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ۚ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ)[سورة اﻷنبياء 43]

(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) [سورة اﻷعراف 197]

لا تستطيع نصر نفسها فكيف لها أن تنصرهم .

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا)[سورة الفرقان 3]

لا تستطيع لأنها عاجزة فهي مخلوقة مثلهم.
بل إن هذه الآلهة التي يراد منها أن تنصر تحتاج لهم ليحموها، فها هم أصبحوا هم جندها الذين يحمونها من الاعتداء فالأصنام توضع في أماكن محمية من بطش الباطشين وإلا لحطمت كما حطم سيدنا إبراهيم أصنام قومه. لذا توضع في مبان عظيمة وعليها حراس وأبواب مغلقة وهذا أمر يجزم العقل السوي بسخفه فما دامت آلهة لم يجب حمايتها ألا يفترض بها أن تحمي لا أن تحمى؟
وكذا أولئك الأتباع الذين يتبعون الطغاة هم لهم جند يحرسونهم عن أيمانهم وعن شمائلهم يدافعون عنهم أو عن أفكارهم وعن طغيانهم و استغلالهم لبني البشر.
كثيرا ما نجد من يدافع عن نظام فاسد يستغل ويأكل أموال الضعفاء يعمل في مؤسسة ظلمها وفسادها ظاهر للعيان يعمل تابعا لها بل يدافع عنها ويذود عن حماها وهي تأكل أموال الضعفاء في حين يمكن أن تستغني عنه أي لحظة.
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)[سورة مريم 81 – 82]
ولذا فإن الله سبحان يطمئن رسوله ومن اتبع هديه في ختام هذه الآيات بأن لا يهتم لأمرهم ولا يصاب بحزن عليهم فالله مطلع على أمرهم سره وجهره لا يخفى عليه شيء عالم الغيب والشهادة.

سنة الله التي لن تتبدل ولا تتغير كل من يتبع غير الله لينال النصر أو العز فإن لن ينال إلا الذل والخسران.

(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ۚ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ)[سورة اﻷنبياء 43]
نعم لن ينال باتباعهم إلا ذلا وخسرانا.
وفي الآخرة ما مصيرهم؟
الخسران ولا شيء غير الخسران.فهذه الآلهة التي

(لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ)[سورة هود 22]

ربنا ارزقنا عبادة خالصة لا يشوبها شك ولا شرك، ولا تجعلنا من الأخسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *