تدبر سورة سبأ الآية ٨-٩

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.

أخبرنا ربنا عز وجل عن فريق الكفار وكيف تعاملوا مع الحق بالسخرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبرهم عن البعث بعد الموت.

{ وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلࣲ یُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِی خَلۡقࣲ جَدِیدٍ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ٧]

ثم زادوا باتهامه بالكذب والجنون.

{ أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ فِی ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلۡبَعِیدِ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ٨]

وكل هذا لإصرارهم بتكذيب الساعة والبعث والحساب والعقاب والجزاء.

لأنهم يريدون بانكار البعث راحة في نفوسهم واسكاتا لضمائرهم وطمأنينة لقلوبهم ليزدادوا فسقا وإثما دون خوف من حساب أو عقاب.

(أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ)

يتصرفون كما يتصرف الطالب البليد الذي لا يريد أن يفكر في أن هناك اختبارات وهناك رسوب ونجاح ليسكت ضميره ويأخذ راحته في اللعب واهمال دراسته ثم اذا وصلت الاختبارات ندم واكتشف انه كان يسير في طريق خاطئ.

(بَلِ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ فِی ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلۡبَعِیدِ)

وكذلك من لا يؤمن بالآخرة يعرض نفسه للعذاب وهو ضال عن الطريق المستقيم.

هم وصلوا للتكذيب بالآخرة لأنهم ابتعدوا عن التفكر والتأمل في ملكوت الله. وهذا ما بينته الآية التالية:

{ أَفَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَىٰ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَیۡهِمۡ كِسَفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّكُلِّ عَبۡدࣲ مُّنِیبࣲ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ٩]

(أَفَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَىٰ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ)

سؤال استنكاري يستنكر فيه فعل الكفار في تكذيبهم للبعث فيسألهم (أفلم يروا)؟

يروا ماذا؟

(إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض)؟

فعلا فلو أنهم رأوا كيف تتحول النطفة إلى إنسان كامل الخلقة لما أنكروا البعث.

{ أَلَمۡ یَكُ نُطۡفَةࣰ مِّن مَّنِیࣲّ یُمۡنَىٰ (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (٣٨) فَجَعَلَ مِنۡهُ ٱلزَّوۡجَیۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰۤ (٣٩) أَلَیۡسَ ذَ ٰ⁠لِكَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰۤ أَن یُحۡـِۧیَ ٱلۡمَوۡتَىٰ (٤٠) }
[سُورَةُ القِيَامَةِ: ٣٧-٤٠]

ولو أنهم رأوا كيف يصور الطفل على صورة والده أو والدته أو أقاربه لما استغربوا اعادة الخلق فقد اعاد لهم خلق أشباههم بتصويرهم في ظلمات ثلاث في خلق جديد.

{ خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰ⁠حِدَةࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ ثَمَـٰنِیَةَ أَزۡوَ ٰ⁠جࣲۚ یَخۡلُقُكُمۡ فِی بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ خَلۡقࣰا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقࣲ فِی ظُلُمَـٰتࣲ ثَلَـٰثࣲۚ ذَ ٰ⁠لِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ }
[سُورَةُ الزُّمَرِ: ٦]

ولو أنهم رأوا الأرض الميتة كيف يحييها الله بعد موتها لما أنكروا البعث.

{ وَإِن كُلࣱّ لَّمَّا جَمِیعࣱ لَّدَیۡنَا مُحۡضَرُونَ (٣٢) وَءَایَةࣱ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَیۡتَةُ أَحۡیَیۡنَـٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبࣰّا فَمِنۡهُ یَأۡكُلُونَ (٣٣) }
[سُورَةُ يسٓ: ٣٢-٣٣]

{ وَٱلَّذِی نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءَۢ بِقَدَرࣲ فَأَنشَرۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةࣰ مَّیۡتࣰاۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ تُخۡرَجُونَ }
[سُورَةُ الزُّخۡرُفِ: ١١]

ولو أنهم رأوا كيف يخرج الله من الحبة الميتة شجرة مثمرة لما أنكروا البعث.

{ وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَیۡءࣲ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرࣰا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبࣰّا مُّتَرَاكِبࣰا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانࣱ دَانِیَةࣱ وَجَنَّـٰتࣲ مِّنۡ أَعۡنَابࣲ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهٍۗ ٱنظُرُوۤا۟ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦۤ إِذَاۤ أَثۡمَرَ وَیَنۡعِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكُمۡ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ }
[سُورَةُ الأَنۡعَامِ: ٩٩]

ولو أنهم رأوا ما أمامهم وخلفهم من السماء والأرض لما كذبوا بالساعة!

{ أَفَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَىٰ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَیۡهِمۡ كِسَفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّكُلِّ عَبۡدࣲ مُّنِیبࣲ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ٩]

فلو شاء الله وهو المتحكم والملك والمالك والمدبر للسماء والأرض أن يخسف بهم الأرض كما خسف الأرض بالأولين الذين كذبوا بالرسل لخسف بهم ولا يبالي.
{ قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ یَكُونُ لِزَامَۢا }
[سُورَةُ الفُرۡقَانِ: ٧٧]

ولو شاء أن يسقط عليهم عذابا من السماء لفعل ولا يبالي. فهو القادر على يستبدلهم ولا يكونوا أمثالهم.

{ أَفَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَىٰ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَیۡهِمۡ كِسَفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّكُلِّ عَبۡدࣲ مُّنِیبࣲ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ٩]

(إن في ذلك لآية) في كل ذاك علامة دالة على وجود الله عز وجل. ونرى ذلك من خلال واقعنا ونرى كيف يفي الله بوعوده وكيف يطبق سننه على خلقه وكيف يمهل وكيف انه لا يهمل وأنه يقيم العدل ولو بعد حين.

ولكنها آية ليست للجميع وانما لا يدركها ولا يفهمها ولا يوقن بها إلا كل عبد منيب إلى ربه.

نسأل الله أن يجعلنا من عباده المنيبين

سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *