تدبر سورة سبأ الآية ١٥_٢٠

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.

نتدبر في هذا الدرس أثر الإعراض عن الله على الممالك وبالأخص مملكة سبأ.

مملكة سبأ كانت آية من الجمال كما يصفها ربنا عندما كان شعبها شعب طيب. شعب يطيع الله. شعب لا يعرض عن الله وآيات الله.

{ لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإࣲ فِی مَسۡكَنِهِمۡ ءَایَةࣱۖ جَنَّتَانِ عَن یَمِینࣲ وَشِمَالࣲۖ كُلُوا۟ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لَهُۥۚ بَلۡدَةࣱ طَیِّبَةࣱ وَرَبٌّ غَفُورࣱ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٥]

(جنتان عن يمين وشمال) تحيط بها الجنات سبحان الله وعندما يسمي الأراضي بالجنات فهذا يبين لنا خصوبتها وجمالها وكثرة زروعها. فنحن أيضا قد نرى المزارع والحدائق ولكن لا نسميها جنات ولكن قد نرى أرضا تبهرنا فنقول عنها جنة الله في أرضه. أليس كذلك؟

هذه سبأ كانت لها جنتان في أرض الله عن يمين وشمال مليئة بالثمار (كلوا من رزق ربكم واشكروا له)

فبالشكر تدوم النعم وتزداد.

{ وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَىِٕن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَىِٕن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدࣱ }
[سُورَةُ إِبۡرَاهِيمَ: ٧]

وهذه قاعدة مطبقة في كل زمان ومكان.

{ لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإࣲ فِی مَسۡكَنِهِمۡ ءَایَةࣱۖ جَنَّتَانِ عَن یَمِینࣲ وَشِمَالࣲۖ كُلُوا۟ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لَهُۥۚ بَلۡدَةࣱ طَیِّبَةࣱ وَرَبٌّ غَفُورࣱ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٥]

(بلدة طيبة) توصف البلدة أنها طيبة بطيب أرضها وطيب أهلها كانوا مع الله. فهل كانوا معصومين عن الخطأ؟
لا!
ولكنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم.

{ وَٱلَّذِینَ إِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُوا۟ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُوا۟ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ یُصِرُّوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلُوا۟ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٣٥]

ولذلك ختم الآية ب (ورب غفور)

يغفر للمستغفرين.

كانوا مع الله فكان الله معهم

ثم ظلم أهل هذه القرية أنفسهم بالإعراض عن الله وعن الذكر.

{ فَأَعۡرَضُوا۟ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ سَیۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَـٰهُم بِجَنَّتَیۡهِمۡ جَنَّتَیۡنِ ذَوَاتَیۡ أُكُلٍ خَمۡطࣲ وَأَثۡلࣲ وَشَیۡءࣲ مِّن سِدۡرࣲ قَلِیلࣲ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٦]

لذلك قال الله تعالى في بداية الآية أن قصة سبأ آية من آيات الله.

(لقد كان لسبإ في مسكنهم آية)

لأن آيات الله تحققت فيها وقوانين الله نفذت عليها.
من كان مع الله كان الله معه. ومن أعرض نزلت به العقوبة.

{ فَأَعۡرَضُوا۟ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ سَیۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَـٰهُم بِجَنَّتَیۡهِمۡ جَنَّتَیۡنِ ذَوَاتَیۡ أُكُلٍ خَمۡطࣲ وَأَثۡلࣲ وَشَیۡءࣲ مِّن سِدۡرࣲ قَلِیلࣲ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٦]

قوم سبأ بعد أن كانوا في راحة ونعيم مادي ومعنوي اختاروا طريق الشقاء أولا بالإعراض عن الذكر وشقاءها المعنوي أشد.

{ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِیۤ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِیرࣰا (١٢٥) قَالَ كَذَ ٰ⁠لِكَ أَتَتۡكَ ءَایَـٰتُنَا فَنَسِیتَهَاۖ وَكَذَ ٰ⁠لِكَ ٱلۡیَوۡمَ تُنسَىٰ (١٢٦) وَكَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِی مَنۡ أَسۡرَفَ وَلَمۡ یُؤۡمِنۢ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِۦۚ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰۤ (١٢٧) أَفَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلنُّهَىٰ (١٢٨) }
[سُورَةُ طه: ١٢٤-١٢٨]

(فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم)

كان لهم سد كبير اسمه سد مأرب يخزن فيه مياه الأمطار. ولكنه ملك لله و في ملك الله فأمر الله أن ينهار هذا السد فكان طوفانا قضى على الجنتين ولم يبق فيها إلا:
(وَبَدَّلۡنَـٰهُم بِجَنَّتَیۡهِمۡ جَنَّتَیۡنِ ذَوَاتَیۡ أُكُلٍ خَمۡطࣲ وَأَثۡلࣲ وَشَیۡءࣲ مِّن سِدۡرࣲ قَلِیلࣲ)

والخمط والأثل أشجار تثمر ثمرا مرا لا يؤكل.
والسدر هو شجرة النبق.

وحتى هذا السدر الذي يؤكل ثمره قال عنه (وشيء من سدر قليل)

سبحان الله!
أين الجنات؟
أين الثمار التي قال لهم الله (كلوا من رزق ربكم)

ذهبت بسبب الإعراض عن الذكر.

{ ذَ ٰ⁠لِكَ جَزَیۡنَـٰهُم بِمَا كَفَرُوا۟ۖ وَهَلۡ نُجَـٰزِیۤ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٧]

والكفور هو كثير الجحود بنعم الله. لا يشكرها ولا ينسبها إلى الله.

هل هذه هي العقوبة الوحيدة؟
لا!

حرموا من نعمة الأمن والأمان فقد كانوا يستطيعون السفر إلى القرى التي باركها الله ليالي وأياما آمنين. حيث كانت القرى متقاربة ولا مجال لتكاثر قطاع الطرق.

{ وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا قُرࣰى ظَـٰهِرَةࣰ وَقَدَّرۡنَا فِیهَا ٱلسَّیۡرَۖ سِیرُوا۟ فِیهَا لَیَالِیَ وَأَیَّامًا ءَامِنِینَ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٨]

ولكنهم جحدوا هذه النعمة ورفضوها لأن السفر أصبح متاحا للجميع والأغنياء التجار المترفين لم يعجبهم هذا يريدون أن يسافروا وحدهم لجلب البضائع وبيعها حتى يتمكنوا من احتكارها وبيعها بأغلى الأثمان.

{ فَقَالُوا۟ رَبَّنَا بَـٰعِدۡ بَیۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَ وَمَزَّقۡنَـٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٩]

فعاقبهم الله لأن المترفين دوما هم من يقودون الشعوب ويحولونهم عن الطريق المستقيم بأساليبهم فيستحقون جميعا العذاب التابع والمتبوع.

{ وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَیۡهِمۡ إِبۡلِیسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِیقࣰا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ٢٠]

ولو قارنا في زماننا هذا لوجدنا حقا أن التجار المترفين هم من أفسدوا النساء والفتيات بالملابس التي يبيعونها لهم وهم من أفسدوا الأطفال بالألعاب التي يوفرونها لهم وهم من أفسد الرجال بإشغالهم عن دينهم وأسرهم بشتى الملهيات وخاصة فتنة النساء اللواتي نجحوا في إفسادهن.

ولذلك عندما يأتي العذاب يأتي للجميع. المترفين لإفسادهم والشعوب لفسادهم.

نسأل الله أن نعود إلى الطريق المستقيم.

سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *