بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
بعد الآية التاسعة من سورة سبأ نكون قد تدبرنا مقدمة السورة والآن نبدأ مع موضوع السورة بداية من الآية العاشرة.
{ ۞ وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلࣰاۖ یَـٰجِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُۥ وَٱلطَّیۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِیدَ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٠]
داود عليه السلام نبي الله آتاه الله الملك فكان ملكا نبيا. وكان من المسبحين الذين ضرب الله لنا فيه مثلا في كثرة تسبيحه.
{ ۞ وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلࣰاۖ یَـٰجِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُۥ وَٱلطَّیۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِیدَ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٠]
(ولقد آتينا داود منا فضلا) وأفضال الله عليه كثيرة وأهمها فضل النبوة وتبليغ الرسالة.
(يا جبال أوبي معه والطير)
يا الله!
الجبال التي وصفها الله أنها الرواسي التي أنزلها أن لا تميد بنا الأرض.
{ وَأَلۡقَىٰ فِی ٱلۡأَرۡضِ رَوَ ٰسِیَ أَن تَمِیدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَـٰرࣰا وَسُبُلࣰا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ }
[سُورَةُ النَّحۡلِ: ١٥]
ووصفها أنها لو أنزل عليها القرآن لخشعت وتصدعت من خشية الله.
{ لَوۡ أَنزَلۡنَا هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلࣲ لَّرَأَیۡتَهُۥ خَـٰشِعࣰا مُّتَصَدِّعࣰا مِّنۡ خَشۡیَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ }
[سُورَةُ الحَشۡرِ: ٢١]
ووصفها أنها أبت أن تحمل الأمانة وأشفقت منها.
{ إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَیۡنَ أَن یَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَـٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومࣰا جَهُولࣰا }
[سُورَةُ الأَحۡزَابِ: ٧٢]
ووصفها تكاد تخر هدا إن ادعى الناس للرحمن ولدا.
{ تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَن دَعَوۡا۟ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَدࣰا (٩١) وَمَا یَنۢبَغِی لِلرَّحۡمَـٰنِ أَن یَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) }
[سُورَةُ مَرۡيَمَ: ٩٠-٩٢]
وهي المسبحة طوعا لله.
{ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِیمًا غَفُورࣰا }
[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٤٤]
وهي التي لن تبعث ولن تحاسب ولن تدخل النار إن عصت ربها.
وفوق هذا هي خاشعة مسبحة.
والطير أيضا المسبحة لله.
{ أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّیۡرُ صَـٰۤفَّـٰتࣲۖ كُلࣱّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِیحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ }
[سُورَةُ النُّورِ: ٤١]
ومع أنها لم تحمل الأمانة وليست من الثقلين فهي في تسبيح دائم..
ومع ذلك كله! أمرها ربها أن تسبح مع داود عليه السلام!!
{ ۞ وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلࣰاۖ یَـٰجِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُۥ وَٱلطَّیۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِیدَ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٠]
هل تخيلتم الآن تسبيح داود عليه السلام؟
وهو الملك والنبي والحداد الذي يأكل من عمل يده والزوج والأب والقاضي ولكنه لم ينشغل بكل هذا عن التسبيح لدرجة أن يأمر الله الجبال والطير أن تسبح معه!
ونحن ما هو عذرنا؟!
ما هي مسؤولياتنا التي زادت عن مسؤوليات داود عليه السلام؟
ما هي مشاغلنا التي فاقت مشاغل داود عليه السلام؟
هل انشغل بالملك عن ذكر ربه؟
هل انشغل بوظيفته؟
هل انشغل بشؤون اسرته؟
فما الذي يحرمنا من ذكر الله؟
{ ۞ وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلࣰاۖ یَـٰجِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُۥ وَٱلطَّیۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِیدَ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٠]
ذكر الله وتسبيحه سهل عليه عمله فألان الله له الحديد.
(فألنا له الحديد)
ذكر الله سهل عليه الحفاظ على ملكه (وشددنا ملكه)
ذكر الله سهل عليه تربية ابنه.
(ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب)
ذكر الله أعطاه أفكار لتقوية جيش مملكته.
( أَنِ ٱعۡمَلۡ سَـٰبِغَـٰتࣲ وَقَدِّرۡ فِی ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُوا۟ صَـٰلِحًاۖ إِنِّی بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ (١١))
[سُورَةُ سَبَإٍ: ١٠-١١]
(أن اعمل سابغات وقدر في السرد) كان يصنع ملابس حربية من الحديد حتى لا يصاب جنوده ويتمكنون من أعدائهم. وقدر طريقة لوضعية المسامير والحلقات لتسهيل الحركة والحفاظ عليه. وهذا بتوجيه من الله.
ذكر الله معين على العمل الصالح والعمل الصالح يوفق للذكر الكثير.
( أَنِ ٱعۡمَلۡ سَـٰبِغَـٰتࣲ وَقَدِّرۡ فِی ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُوا۟ صَـٰلِحًاۖ إِنِّی بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ)
عندما تنشغل بذكر الله يكفيك الله أمر دنياك وهو بكل ما نعمل بصير. سبحان الله العظيم.
هذه كانت مملكة داود الملك عليه السلام وهذا كان أثر تسبيحه على مملكته.
سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.