تدبر سورة النساء 43

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) قوله تعالى (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) تحمل معنيين: المعنى الأول: لا تدخلوا في الصلاة، والمعنى الآخر: لَا تَقْرَبُوا مكان الصَّلَاةَ وهو المساجد.(وَأَنْتُمْ سُكَارَى) وَأَنْتُمْ شاربين للخمر. فالوقت الذي يمكن فيه شرب الخمر يقصر هكذا، لأن الوقت من صلاة الظهر الى العصر قصير، ومن العصر الى المغرب قصير، ومن المغرب الى العشاء قصير جدًا، فلا يكون هناك وقت الا بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العشاء، وبعد صلاة الصبح ليس وقت لشرب الخمر، بل وقت العمل، فلا يكون هناك فرصة الا بعد صلاة العشاء، وكان أغلب الصحابة يقومون الليل، وبذلك لا يكون هناك وقت تقريبًا لشرب الخمر في أي وقت من ليل أو نهار.وفي نفس الوقت تذم الآية حال السكران، فيقول تعالى (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) فهي تصف هذا السكران بأنه لا يدرك ما يقوله، مثله مثل الذي هناك خبل في عقله. (حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) وقد لا يكون المصلى شاربًا للخمر وهو لا يعلم ما يقول في صلاته(وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغۡتَسِلُواْۚ)يعنى ولا تقربوا الصلاة كذلك وأنتم في حال الجنابةالجنابة هو نزول المني، أو هو الجماع وان لم ينزل المني، وسواء كان رجل او امرأة.وقد قلنا أن المقصود بالصلاة هو أداء الصلاة، وموضع الصلاة وهو المسجد.فيكون المعنى لا يحل لكم الصلاة وأنتم في حال الجنابة، ولا يحل لكم كذلك دخول المسجد وأنتم جنب، حتى تَغۡتَسِلُواْۚ، والاغتسال هو تعميم الجسد بالماء.(إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) يعنى الاستثناء في دخول المسجد حال الجنابة هو أن تمر في المسجد من باب الى باب دون المكوث فيه.وهذا التفسير فهمه العلماء من سبب نزول الآية، فقد روي في سبب نزول الآية أن بعض الأنصار كانت أبوابهم الى المسجد، فاذا أجنب أحدهم وليس عنده ماء، وأراد أن يخرج ليحضر الماء، فلا يجدون ممرًا الا في المسجد.قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في مرض موته “سدوا كل خوخة فى المسجد إلا خوخة أبى بكر” والخوخة هو الباب الصغير.اذن فقوله تعالى (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغۡتَسِلُواْۚ)يعنى لا يجوز للجنب الصلاة ولا دخول المسجد حتى يغتسل، الا اذا مر في المسجد من باب الى باب دون المكوث فيه. يقول تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)هذا النص يشتمل على الأعذار التي تبيح التيمم غالبًا فيقول تعالى: (وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ) يعنى يجوز التيمم اذا كنت مريضًا، واستعمال الماء يضرك، أو أن استعمال الماء يأتيك بالمرض. (أَوۡعَلَىٰ سَفَرٍ) يعنى يجوز التيمم كذلك اذا كنتم في حال السفر، وليس معكم ما يكفي من الماء حتى تغتسلوا به، لأن المسافر في ذلك الوقت يحمل معه من الماء ما يكفيه ويكفي دابته فقط.(أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ) الغائط هو كناية عن عملية التبرز والغائط هو المكان المنخفض من الأرض، كما نقول “هذا المكان غويط” لأن من كان يريد التبرز في ذلك الوقت كان يتواري عن أعين الناس، فيختبأ خلف شجرة أو شيء أو يذهب الى مكان منخفض فلا يراه الناس.وقد ذكر تعالى التبرز كمثال على الحدث الأصغر، والمقصود هو أي نوع من أنواع الحدث الأصغر، مثل التبول وخروج الريح والاغماء والنوم العميق وسيلان الدم وغسل الميت وأكل لحم الإبل.ومن سمو الخطاب القرآن أن الله تعالى أسند هذا الأمر الى واحد مبهم من المخاطبين، فلم يقل تعالى “أو جئتم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ”(أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ) كما ذكر تعالى مثالًا للحدث الأصغر، ذكر مثالًا للحدث الأكبر، فقال تعالى (أَوۡلَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ) والمعنى أو جامعتم ٱلنِّسَآءَ، فكُنِّىَ بالملامسة عن الجماع، وهذا من أدب الخطاب القرآني.والمعنى: يجوز لكم التيمم كذلك اذا جامعتم ٱلنِّسَآءَ ولم تجدوا ماءا.وكذلك يجوز التيمم في جميع أحوال الحدث الأكبر، وهي غير الجماع: الحيض والنفاس(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)يعنى في جميع الحالات السابقة أن لم تجدوا ماءًا (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) يعنى يجوز لكم التيمم بدلًا من الوضوء.والتيمم لغة: هو القصد، يقال تيممت الشى أى قصدته .والصعيد هو وجه الأرض(طَيِّبٗا) أي طاهرًا.فالذي يجوز التيمم به، وهو الصعيد الطاهر، أي وجه الأرض الطاهر.قال الشافعية والحنابلة أنه لا يجوز التيمم بغير التراب.وقال الحنفية والمالكية أنه يجوز التيمم بأي جزء من أجزاء الأرض، سواء كان تراب أو طين أو رمل أو حصى أو صخرة أو رخام، أو الحشيش أو الجليديباع الأن ما يطلق عليه “علبة التيمم” عبارة عن علبة فيها أسفنجة مشبعة بتراب معقم، وهذا يجوز التيمم به، ولكنه فيه تكلف، اذا كان عندك مريض يحتاج الى التيمم، يمكن أن تجهز له علبة من الكرتون فيها بعض الرمل ويستخدمها في التيمم، او تيمم مستخدمًا قطعة من الحجر أو الرخام.(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) هذا بيان لكيفية التيمم.وهو أن تضرب بيدك على الأرض –ضربة خفيفة- ويمكن أن تنفخ فيهما اذا علق فيهما تراب، ثم تمسح وجهك -كما في الوضوء- ثم تمسح اليدين الى المرفقين.ويمكن أن تكون ضربتين: ضربة للوجه وضربة لليدين.وقال المالكية المسح للكفين فقط وليس الى المرفقين.ويجب مراعاة الترتيب فنبدأ بمسح الوجه ثم اليدينويمكن أن نقول قبل التيمم “بسم الله” كما في الوضوء، ويمكن أن تقول بعد الانتهاء ” أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين”(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) فالله تعالى لا يختار لعباده الا السهل اليسير.سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.منقول من موقع وائل فوزي بتصرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *