بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين. (ان اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)المِثْقَالَ هو الوزنأما الذَرَّة والصحيح أن المراد من الذَرَّةٍ أنها أصغر ما يدرك من الأجسام.والمعنى أن الله تعالى لا يمكن أن ينقص شيئًا من ثواب العمل الصالح مهما صغر هذا العمل، كما قال تعالى في سورة الزلزلة (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)فلو رأيت على سجادة المسجد قشة طولها سم فأخذتها فسوف تكافأ على هذا العمل.لو كنت جالسُا تأكل ومرت بك قطة فأعطيتها لقمة فستكافأ على ذلك. لو ابتسمت في وجه رجل الأمن وأنت تدخل إلى عملك صباحًا فستكافأ على ذلك.روي مسلم من حديث أَبي ذرٍّ أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال “لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ “(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) والمعنى: وَإِنْ تُوجَدْ حَسَنَةٌ.(يُضَاعِفْهَا) أي يضاعف ثوابها. كم يضاعف الله ثواب الحسنة ؟ورد أن الله تعالى يضاعف ثواب الحسنة الى عشرة أمثالها، وورد أنه تعالى يضاعفها إلى سبعمائة ضعف، وورد أنه يضاعفها إلى ما فوق ذلك لمن يشاء، قال تعالى (وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ)(وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) ويعطي مِنْ لَدُنْهُ أي من عندهإذا قيل لك أن فلان سيعطيك هدية، فإنك ستتوقع الهدية التي تتناسب مع قدرته، فإذا كان صديق لك فستتوقع أنها هدية عادية، وإذا كان غنيًا فستتوقع أنها هدية قيمة، واذا كان غنيًا جدًا فستتوقع هدية قيمة جدًا، وإن كان أميرًا أو ملكًا فستتوقع هدية تتناسب مع قدرته، فإذا قيل لك أن الأجر من عند الله تعالى، فلابد أن هذا الأجر يتناسب مع قدرته تعالى، وقدرته تعالى مطلقة وغير محدودة، ولذلك فعطاؤه تعالى غير محدود، وذلك قال تعالى (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يخوف الله تعالى الكفار بهذا الموقف من مواقف يوم القيامة، فيقول تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً)والشهيد هو الشاهد الذي سيشهد على كل أمة، وهذا الشاهد هو نبيهم الذي أرسله الله إليهم ، فيشهد هذا النبي أنه قد أبلغ قومه رسالة ربه، وأدى ما عليه من أمانة.والمعنى ماذا سيصنع الكفار، وكيف سيكون حالهم في هذا الموقف من مواقف يوم القيامة، عندما نأتي بالأنبياء، فيشهد كل نبي على أمته أنه قد أبلغ رسالة ربه.(وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً) يعنى وَجِئْنَا بِكَ يا محمد فتشهد على قومك بأنك قد أبلغتهم رسالة ربك.(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)كان يكفي أن يقول تعالى (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) لماذا قال تعالى (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) ؟قال تعالى (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) ليبين أهمية طاعة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليدل على أن معصيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفر، والذين يرون أن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع، وينكرون سنة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجاهلون أن القرآن العظيم يقول (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)يقول تعالى (يَوْمَئِذٍ) أي في يوم القيامة (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ) يعنى: يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ.وليس المقصود بالرسول هنا هو نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن المقصود جنس الرَسُول.يعنى يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ الذي أرسل اليهم.(لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) والمعنى أن تبتلعهم الأرض، أو المعنى أن يصيروا جزءًا من الأرض، وأصلها أن يكونوا هُمْ وَالْأَرْضُ سَوَاءً.يقول ابن عباس في تفسير هذا المشهد: أن الله تعالى في يوم القيامة يغفر الذنوب الكثيرة للمؤمنين، ولا يغفر تعالى للمشركين، فلا يجد المشركون أمامهم فرصة للنجاة الا أن يكذبوا ويقولوا أنهم لم يكونوا مشركين، فيقولوا كما ذكر تعالى (قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) فيختم الله تعالى على أفواههم، ويأمر جوارحهم أن تتكلم وأن تشهد عليهم، فتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وجلودهم وألسنتهم وكافة جوارحهم على كفرهم وعلى أعمالهم.فعند ذلك يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، يعنى أن تبتلعهم الأرض، أو أن يكونوا هم والأرض سواء، فيكونون جزءًا من تراب الأرض، وهذا مثل قوله تعالى في سورة النبأ (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)(وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) يعنى الحال أنهم لا يستطيعون أن يكتمون شيئًا من أعمالهم عن الله تعالى، لأن جوارحهم هي التي ستشهد عليهم.سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.منقول بتصرف من موقع الشيخ وائل فوزي