بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي أن الله تعالى حَرَّمَ على بنى اسرائيل أطعمة طيبة كان حلالًا لهم عقابًا لهم بسبب ظلمهم.
وهذا الظلم هو ظلمهم لأنفسهم بكثرة الذنوب، ومن أعظم ذنوبهم قتل أنبيائهم، كما قتلوا زكريا ويحيي ودانيال وأشعياء وغيرهم، وقتل النبي هو أعظم ذنب بعد الشرك بالله.
وأيضًا ظلمهم لغيرهم من الشعوب والأمم، لأن من عقيدتهم أنهم شعب الله المختار، وأن جميع الشعوب والأمم قد خلقت لخدمتهم، وأنهم لا يعاقبون على ظلم غيرهم من الأمم.
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) يعنى حرم الله عليهم –بسبب ذنوبهم- أطعمة كانت حلالًا لهم، وهذا التحريم لم يكن في التوراة في زمن موسى ، وانما كان ذلك من خلال أنبيائهم بعد موسى –عليه السلام-
يقول تعالى في سورة الأنعام (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)
(وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) يعنى وبسبب صدهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الكثير من الناس.
وصدهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ له صور كثيرة، وأول هذه الصور هو أنهم لم يكونوا يقبلون أن يعتنق أحد اليهودية من غيرهم، فاليهودي لا يشجع ولا يحب بل ويقاوم اذا أراد أحد أن يعتنق اليهودية، على اعتبار أنهم جنس نقي لا يريدون تلويثه بالأجناس الأخرى.
ومن صدهم عن سبيل الله تحريفهم التوراة، واخفاء صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو تغييرها
من صور الصد عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، محاولتهم لنشر الإلحاد في العالم،
من صور الصد عن سبيل الله نشر المخدرات، والرذائل والإباحية والشذوذ في العالم، ولذلك فان أكبر شركات انتاج الأفلام الإباحية في العالم يمتلكها يهود
يقول تعالى (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ)
يعنى حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ الأطعمة الطيبة –كذلك- بسبب تعاملهم بالربا، والربا هو انتاج يهودي، بالرغم من نصوص التوراة تحرم التعامل بالربا، ولذلك قال تعالى (وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) يعنى تحريم الربا موجود في التوراة، ولكنهم حرفوا هذه النصوص، فجعلوا التعامل بالربا محرم فيما بينهم، وجائز اذا كان مع غير اليهودي.
في سفر تثنية الاشتراع وهو بالطبع نص محرف، من ضمن نصوصهم المحرفة (لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة أو ربا شيء ما مما يقرض بربا، للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا)
(وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) يعنى وبسبب استيلائهم على أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، سواء بالغش أو القمار
وهذا أمر له صور كثيرة جدًا الآن، فمثلًا ما يطلق عليه اليانصيب الالكتروني، وهي أكبر صالة قمار في العالم، هذه صناعة يهودية.
(وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) يعنى الى جانب هذا العقاب الدنيوي، والذي جعله الله تعالى حتى يتذكروا ذنوبهم، أعد الله لهم يوم القيامة عَذَابًا أَلِيمًا موجعًا.
(لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
يستثنى الله –سبحانه وتعالى- من اليهود الذين ذكرهم الله تعالى في بداية الآيات فقال (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ)
يقول تعالى (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ)
رسوخ الشيء هو ثباته وتمكنه، يقال “شجرة راسخة” يعنى ثابتة قوية لا تزحزحها الريح ولا العواصف.
والمعنى: المتقنون والمتمكنون من العلم من أهل الكتاب، والمتمكنون من العلم بالتوراة، من أهل الكتاب.
روي عن أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ: “مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ وَصَدَقَ لِسَانُهُ وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ، وَمَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ، فَهُوَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ”
وهذا الحديث نأخذ منه أن الرسوخ في العلم يعنى العلم مع العمل، فلا يمكن أن يكون الرسوخ في العلم مجرد العلم فقط، بل لا بد مع العلم النافع العمل بهذا العلم.
(وَالْمُؤْمِنُونَ)
يعنى وَالْمُؤْمِنُونَ من أهل الكتاب ايمانًا فطريًا سليمًا، حتى وان لم يكونوا من الراسخين في العلم، مثل الغلام اليهودي الذي كان يخدم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أسلم.
(يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) هَؤُلَاء يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وهو القرآن العظيم.
(وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) أي وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من كتب سماوية
(وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) واقامة الصلاة يعنى أداء الصلوات الخمس في أوقاتها وبكامل أركانها وشروطها وخشوعها
(وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)
(وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ايمانًا حقيقيًا، ويؤمنون بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب وجنة ونار.
(أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا)أي سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا يوم القيامة.
وعندما نقرأ الآية نجد أن الأعمال التعبدية وهي اقامة الصلاة وايتاء الزكاة موضوعة بين قوسي الايمان
فقوله تعالى (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) تبين فضل العلم، وأهمية العلم، فالفرقة التي نجت من اليهود، نجت فضل رسوخها في العلم، ثم عملت بما عندها من العلم.
وما احوجنا الى توجيه هذه الآية في هذا الزمان الذي نحن فيه، والذي كثرت فيه الفتن وكثرت فيه الشبهات، وليس هناك نجاة من الفتن التي تحيط بالإنسان الا بالعلم النافع، والعمل به.
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع، وأن يرزقنا مع العلم العمل، وأن يرزقنا مع العمل الإخلاص، وان يرزقنا مع الإخلاص القبول.
سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
منقول من موقع وائل فوزي