تدبر سورة النساء الآية 159

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)

(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) يعنى ليس هناك أحد مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وهم اليهود والنصارى الا وسيؤمن بعيسى –عليه السلام- ايمانًا حقيقيًا، يعنى سيؤمن أنه ليس اله ولا ابن اله، ولا ثالث ثلاثة، وانما هو عبد الله ورسوله.
ومن دقة الأداء القرآني في هذه الآية الكريمة أنها تتناول جميع اليهود والنصارى ، سواء اليهود والنصاري الذين سيكونون موجودون وقت نزول المسيح في آخر الزمان، أو اليهود والنصارى قبل نزول المسيح في آخر الزمان.

بالنسبة لليهود والنصاري قبل نزول المسيح في آخر الزمان، فالضمير في قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) يعود على اليهودي والنصراني، يعنى كل يهودي أو نصراني سيؤمن بالمسيح ايمانًا حقيقيًا قبل أن يموت هو.
فاليهودي عند موته تأتيه ملائكة العذاب ويضربون وجهه ويقولون له: يا عدوّ الله، أتاك عيسي نبياً فكذبت به فيقول: آمنت أنه رسول من عند الله، ولكن هذا ايمان لا ينفع، لأنه ايمان عند معاينة الموت.
والنصراني عند موته تأتيه ملائكة العذاب، ويقولون له: إِنَّ الْمَسِيحَ الَّذِي زَعَمْتَ أَنَّهُ اللَّهُ ، وَأَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، هو عَبْدُ اللَّهِ ورسوله، فيقول: آمنت أنه عَبْدُ اللَّهِ ورسوله، ولكنه ايمان لا ينفع.
فهذا مثل ايمان فرعون، الذي قال تعالى فيه (حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)

أما اليهود والنصاري الذين سيكونون موجودون وقت نزول المسيح في آخر الزمان، فالضمير في قوله (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)يعود على المسيح، يعنى كل يهودي أو نصراني سيؤمن بالمسيح ايمانًا حقيقيًا قبل موت المسيح في آخر الزمان.
ذلك أن عيسي –عليه السلام- سينزل آخر الزمان مسلمًا، وسيصلى خلف رجل مسلم، وهو المهدي المنتظر،بالرغم من أن عيسي عليه السلام أفضل من المهدي المنتظر، لأن عيسي نبي والمهدي المنتظر رجل صالح، ولكنه –عليه السلام- سيصلى خلف المهدي ليعلن للجميع بأنه نزل متبعًا لدين الاسلام، ومتبعًا للرسول –صلى الله عليه وسلم-
ليس هذا فحسب، بل سيكسر الصليب، ليعلن بطلان عقيدة النصارى، ويقتل الخنزير ليعلن بطلان شريعة النصارى، وفي ذلك الوقت سيؤمن جميع اليهود والنصاري بالمسيح –عليه السلام- ايمانًا حقيقيًا بأنه عبد الله ورسوله.
أما من عاند وبقي على كفره، فان المسيح –عليه السلام- سيقاتله، وسيخيره بين الاسلام أو القتل، وقد أخبرنا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن من أعمال المسيح –عليه السلام- عندما ينزل في آخر الزمان، أنه سيضع الجزية، يعنى لن يقبل الجزية من غير المسلم، فالشريعة قبل المسيح اما أن تدخل في الاسلام، واما أن تدفع الجزية، أما عند نزول المسيح اما الاسلام والا القتل، فلا يكون في الأرض كلها دينا الا دين الْإِسْلَامِ

(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) يعنى وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يشهد المسيح –عليه السلام- على من أدعي انه اله أو انه ابن اله أو أنه ثالث ثلاثة، فيقول عيسي –عليه السلام- أنا لست اله، ولا ابن اله، ولا ثالث ثلاثة، انما أنا عبد لله تعالى.
كما قال تعالى في سورة المائدة (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)

نتحدث في عجالة عن نزول المسيح في آخر الزمان، روي البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد، واللفظ لأحمد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ‏:‏ (إِنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ‏، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعُ الْخَلْقِ، إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطُ الشِّعْرِ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيُفِيضُ الْمَالَ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا غَيْرَ الْإِسْلَامِ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ الْكَذَّابَ الدَّجَّالَ، وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ فِي الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِ، حَتَّى تَرْتَعَ الْأَسْوَدُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنُّمُورُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَتَلْعَبَ الْغِلْمَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا‏، ثُمَّ يَلْبَثُ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَرُبَّمَا قَالَ‏:‏ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَهُ‏)

سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
منقول من موقع وائل فوزي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *