تدبر سورة النساء الآية 131-134

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)

(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) يعنى والله تعالى يملك كل مَا فِي السَّمَوَاتِ وَكل مَا فِي الْأَرْضِ.
ما علاقة هذه الآية بالآية السابقة، يقول تعالى في الآية السابقة (‏وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) يعنى وان يتفرق الرجل وزوجته بالطلاق، فان الله سيغنى كل منهما من سعة عطائه، وقلنا أن هذه الآية مواساة من الله تعالى للمرأة وللرجل حين يقع الطلاق، لأن تجربة الطلاق من اصعب وأقصى التجارب التي يمر بها الانسان.
ثم يقول تعالى بعد هذه الآية (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) يعنى الذي وعدك بهذا العطاء يملك كل مَا فِي السَّمَوَاتِ وَكل مَا فِي الْأَرْضِ.

(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا) الوصية هي العهد بتأكيد.
(الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) عندما يذكر أهل الكتاب فالذهن ينصرف الى اليهود والنصاري، ولكن في هذا الموضع، يقول العلماء أن المقصود هم أهل جميع الكتب السماوية السابقة، سواء اليهود او النصارى أو غيرهم من الأمم، لأن الأمر بتقوى الله تعالى موجود في كل الكتب السماوية.
(وَإِيَّاكُمْ) يعنى ووصيناكم أنتم أيضًا أهل القرآن، بتقوى الله، اذن فكل الناس مخاطبون بهذه الوصية من الله تعالى بتقوى الله.
(أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)
ومعنى اتقوا الله يعنى اجعلوا بينكم وبين غضب الله وقاية وحجاب، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية وحجاب.

(وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
(وَإِنْ تَكْفُرُوا) يعنى وان تخالفوا أمر الله لكم بالتقوى ، وتكفروا بالله تعالى.
(فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
فان الله تعالى له ملك ما في السموات وله ملك ما في الأرض.

(وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)
(وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا) يعنى هو تعالى مستغن عن خلقه.
فهو تعالى لايضره الكفر ولا المعصية، كما لا ينفعه الشكر أو الطاعة، وانما يوصيكم الله بالتقوى لرحمته تعالى بكم لا لحاجته اليكم.
(حَمِيدًا) أي أن الله تعالى محموداً في ذاته، سواء حمد أو لم يحمد.

(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)
قلنا أن قوله تعالى (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) يعنى والله تعالى يملك كل مَا حوته السَّمَوَاتِ السبع، وَكل مَا فِي حوته الأرضين السبع.
(وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا)
الوكيل هو الذي توكل اليه أمورك، ثم تجلس أنت مطمئنًا مستريح البال.
فالإنسان اذا كانت عنده قضية، ووكل محاميًا شهيرًا، فانه يعود الى بيته سعيدًا مرتاح الصدر، بالرغم من أن الذي وكله بشر مثله، قد يخطئ قد ينسى قد يمرض قد يموت، أما اذا توكلت على الله تعالى فهو تعالى يكفيك عن كل وكيل، لأن الذي تتوكل عليه يملك كل مَا فِي السَّمَوَاتِ وَيملك كل مَا فِي الْأَرْضِ.

وقد كرر الله تعالى (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) ثلاثة مرات، لماذا ؟
قال المفسرون: حتى يتأكد هذا المعنى السامي في النفوس، ومع ذلك فان هذا التوكيد في المعنى جاء في كل مرة مبينًا معنى خاص
فالمرة الأولي –كما ذكرنا- جاء بعد قوله تعالى (‏وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) فهو تعالى يطمئن الزوجين الذين وقع بينهما الطلاق، بأن الله تعالى الذي وعدك بأن يغنيك من سعته يملك كل مَا فِي السَّمَوَاتِ وَكل مَا فِي الْأَرْضِ.
وفي المرة الثانية (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) يعنى الله يملك كل مَا فِي السَّمَوَاتِ وَكل مَا فِي الْأَرْضِ، ولذلك فهو غنى عنكم، وأنتم في حاجة اليه.
وفي المرة الثالثة (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) يعنى الله يملك كل مَا فِي السَّمَوَاتِ وَكل مَا فِي الْأَرْضِ، ولذلك فهو المستحق أن تتوكلوا عليه.

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)
هذه الآية تقرير لما سبق بيانه من عظيم سلطانه -تعالى- وغناه عن خلقه، وقدرته تعالى، فيقول تعالى (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ) يعنى إن يشأ الله يُمِتْكُم أَيُّهَا النَّاسُ، ويُفْنِكُم من الوجود، ويأت مكانكم بناس آخرين، بل ان يشأ أن يهلك الجنس البشري بالكامل، ويأت بجنس آخر، أكثر طاعة منكم.
(وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا) أي أن الله تعالى قادر على ذلك، وليس قادرًا فقط، ولكن (قدير) يعنى بليغ القدرة لا يعجزه شيء.
وهذا مثل قوله تعالى في سورة محمد (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)
يقول المفسرون أن هذه الآية تهديد للمشركين الذين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويقاومون دعوته، بأن الله تعالى قادر على اهلاكهم وافنائهم، كما حدث مع الأمم السابقة التي رفضت دعوة رسلهم.
والآية ليست للمشركين فقط، يقول تعالى (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ) فالخطاب لجميع النَّاسُ،
وروي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت ضرب بيده على كتف سلمان الفارسي، وقال: هم قوم هذا.يريد أبناء فارس .
وصدق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجدنا –مثلًا- أن الدور الأكبر في تدوين الحديث النبوي قام به علماء من بلاد فارس، فالذي قام بكتابة الصحاح الستة للأحاديث هم علماء من بلاد فارس، وهم الأئمة: البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة والنسائي

(مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)
يعني من كان يطلب النعيم والسعادة في ٱلدُّنْيَا، فالله تعالى هو الذي يملك أسباب السعادة والنعيم في ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ، فعندما يستقيم العبد على دين الله فانه يحقق السعادة في ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ.
أما الذي يطلب السعادة في الدنيا في غير طريق الله تعالى فهو أحمق، لأنه يطلب السعادة في الدنيا من مكان ليست فيه.
والسعادة في الدنيا ليست في المال ولا السلطة ولا الشهرة، بدليل أن أكثر الدول ارتفاعًا في مستوي المعيشة هي أعلى الدول في معدلات الانتحار.

(وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)
أي (سَمِيعًا) لأقوالكم، سواء ما جهرتم به أو ما أسررتم.
(بَصِيرًا) بأعمالكم سواء ما أظهرتم أو ما أخفيتم.

سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
منقول من موقع وائل فوزي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *