بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين. الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) يقول تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)وكلمة (قَوَّامُونَ) صيغة مبالغة من القيام.والمعنى أن الرجال يقومون على شئون النساء بالحفظ والرعاية والنفقة، وغير ذلك مما تقتضيه مصلحتهن.ولكن هل القوامة تعنى القيادة والرياسة ؟ نقول نعم قوامة الرجل تعنى أنه قائد ورئيس هذه المؤسسة وهو بيت الزوجية. لكن هذه القوامة وهذه القيادة لا تعنى القهر والاستبداد بالرأي، بل قوامة الرجل تكليف وليس تشريف. قال تعالى (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) ولم يقل (الأزواج قَوَّامُونَ عَلَى الزوجات) اشارة الى أن القوامة تشمل مطلق الرجال ومطلق النساء، فالأب له قوامة على بناته، والأخ له قوامة على أخواته، في بعض البيوت يسحبون هذه القوامة من الأخ، وهذا خطأ ثم ذكر – سبحانه – سببين لهذه القوامة:السبب الأول (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)السبب الثاني (بِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)السبب الأول (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعنى بسبب أن الرجال أفضل وأكثر قدرة من النساء على قيادة الأسرةولم يقل تعالى “بما فضل الرجال على النساء”أو “بما فضلهم عليهن” وانما قال (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعنى الرجل أفضل من المرأة في ناحية، وهي أفضل منه في ناحية أخرى، فالرجل أفضل من المرأة –مثلًا- في قيادة الأسرة، وأفضل منها في تحمل المسئولية والأعمال الشاقة، والمرأة أفضل من الرجل–مثلًا- في رعاية الأبناء، فمجموع هذه الفوارق بين الرجل والمرأة، تجعل القوامة للرجل.السبب الثاني (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) أي وبسبب أن الرجل هو المسئول عن الانفاق على زوجته وعلى أسرته.سؤال يتكرر كثيرًا: اذا كانت المرأة تعمل وتنفق مثل زوجها، أو كانت هي التي تنفق، ولا ينفق الرجل، هل تسقط قوامة الرجل ؟نقول: اذا كان الرجل لا ينفق على زوجته، فمن حقها طلب الطلاق من زوجها، ولكن عدم انفاقه لا يسقط قوامته على زوجته، لأن الله تعالى ذكر سببين للقوامة فقال تعالى (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ولم يذكر سبب واحد وهو النفقةثم يبين تعالى أحوال النساء، ويبين كيفية التعامل مع كل صنف ، فقسم تعالى النساء إلى قسمين: قسم صالحات، وقسم غير صالحاتفقال تعالى عن القسم الأول (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) القنوت هي الطاعة، والمعنى أن الصَّالِحَاتُ من صفاتهن أنهن (قَانِتَاتٌ) أي خاضعات مطيعات لله تعالى، ومطيعات لأزواجهن.ثم قال تعالى (حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) أي أن من صفاتهن أيضًا، أنهن حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ، أي حافظات لما يجب عليهن حفظه في حال غياب الزوج، فعندما يكون زوجها غير موجود فكأنه موجود، سواء أنها تحافظ على نفسها من الفاحشة، وتحافظ على أولاده بحسن التربية، وتحافظ على أمواله من التبذير، وتحافظ على ما بينها وبينه من أسرار.عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال”خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ” ثم تلا الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الآية الكريمة .وقوله تعالى (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) أي أن هذا الحفظ من الزوجة بسبب حفظ الله لها واعانته لها، فهو تعالى الذي جعلها كذلك.كأن الله تعالى يذكرك بأنك اذا رزقت بزوجة صالحة تحسن عشرتها لك، وتحسن تبعلها لك، فهذه نعمة ينبغي أن تشكر الله عليها ، لأن الله تعالى هو الذي صيرها لك كذلك وكان يمكن أن يبتليك الله بزوجة سيئة العشرة، وكان من دعاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- “وأعوذ بالله من زوجة تُشَيِّبُنِي قَبْلَ الْمَشِيبِ”أيضًا (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) أي بِمَا حَفِظَ الزوج اللَّهُ، فالجزاء من جنس العمل، فاذا حفظ الزوج غيب زوجته، حفظت الزوجة غيبة زوجها.هذا هو القسم الأول من النساء، أما القسم الثاني فيقول تعالى (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أصل النشوز هو الارتفاع، فكانت العرب تقول أرض ناشز، وهي الأرض المرتفعة في وسط الأرض المنبسطة، وكما نقول هذه النغمة نشاز، يعنى ارتفعت عن مستوي النغم الذي معها، فالزوجة الناشز هي التي تتعالى على طاعة زوجها فقوله تعالى (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) يعنى الزوجات اللَّاتِي تخافون عدم طاعتهن لأزواجهن وسوء عشرتهنوقوله تعالى (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ) يعنى أن يبدأ الزوج بعلاج عيوب زوجته بمجرد أن تظهر امارات هذه العيوب، فلا يتركها حتى تستشري وتشتد.أغلب المشاكل الزوجية تكون بسبب أن أحد الطرفين صبر كثيرًا على الطرف الثاني، ولم يبادر الى محاولة الاصلاح بمجرد ظهور المشكلة.(فَعِظُوهُنَّ) أي يتحدث معها تقصيرها معه، عن الثواب العظيم لطاعة الزوج، وسوء عاقبة النشوز ومعصية الزوج، وقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- “لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها”.ونلاحظ أن الله تعالى لم يقل فانصحوهن، وانما قال (فَعِظُوهُنَّ) لأن الموعظة تعنى النصيحة بتودد، كما قال تعالي حكاية عن لقمان (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)يعنى ان لم تنفع الموعظة، فيلجأ للخطوة التالية وهي الهجر في المضجع، والمضجع هو مكان النوم، لأنه المكان الذي يضطجع فيه الانسان. أن ينام معها في نفس الفراش ولكن يوليها ظهره ولا يجامعها. وقوله تعالى (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) حتى يكون هذا الأمر بين الرجل وزوجته فقط، لأن أي خلاف اذا ظل محصورًا فقط بين الرجل وزوجته فسينتهي سريعًا وفي أقرب وقت، أما اذا تدخلت عناصر من الخارج فان هذه العناصر ستورث عنادًا في المرأة وعنادًا في الرجل.واذا كان في الفراش فقط فهو أفضل، حتى لا يشعر الأبناء بوجود خلاف بين الأب والأم ويتأثرون بذلك.(وَاضْرِبُوهُنَّ) يعنى ان لم تنفع الموعظة ولم ينفع الهجران فاضْرِبُوهُنَّ، وقد وصف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الضرب في حديثه في خطبة الوداع بأنه ضربًا غير مبرح، وقال العلماء أن الضرب الغير مبرح هو الضرب الذي لا يكون شديدًا ولا يكون مهينًا، لا يكون شديدًا يعنى لا يكون مؤلمًا، ولا يكون مهينًا فلا يلطمها على وجهها أو يضربها بقدمه مثلًا.و في قصة سيدنا أيوب عندما حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة، قال له الله تعالى (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ) والضغث هو الحزمة من الحشيش يكون فيها مائة عود، ويضربها ضربة واحدة فكأنه ضربها مائة ضربة وبر بقسمه. وفي رواية عن عائشة أن النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: “أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته أول النهار، ثم يجامعها آخره؟”ولذلك روي أن النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يضرب امرأة قطهناك من لا يعجبه هذا الأمر في القرآن الكريم، فيحاول أن يصرف كلمة الضرب عن المعنى المعروف للضرب، ويقول أن الضرب في اللغة العربية يعنى الهجران والتجاهل، ويأتي بأمثلة من القرآن على ذلك، ونرد عليه ونقول أن هناك آيات في القرآن جاءت بمعنى الضرب المعروف، واذا كان هذا الكلام صحيحًا، فما معنى قول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- “فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ”اذن المقصود بالضرب في الآية هو الضرب المعروف، ولكن هذا الضرب لا يقصد به لا الانتقام ولا الإيلام ولا الإهانة، ولكن يكون فقط اذا رأي الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه.(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)البغي هو الظلموالمعنى:فَإِنْ رجعن عن النشوز وسوء العشرة الى الطاعة، فلا تظلموهن بأي طريق من طرق الظلم.(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)يعنى اياك وظلم الزوجة، وتذكر أن قدرة الله عليك أعظم من قدرتك على زوجتك، ولذلك قال تعالى (عَلِيًّا كَبِيرًا) يعنى هو تعالى أعلى منك وأكبر منك، وقادر على أن يقتص لها منك.(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)بعد الخطوة الأولى وهي الموعظة، والخطة الثانية وهي الهجران، والخطوة الثالثة وهي الضرب، تأتي الخطوة الرابعة وقبل الأخيرة، وهي (حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) أما الخطوة الخامسة والأخيرة، فهي الطلاق، يقول تعالى في الآية (130) من سورة النساء (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ)هذه هي الخطوة الرابعة وقبل الأخيرة، لأن بعد الموعظة والهجران والضرب يأتي الحل الرابع وقبل الأخير، يقول تعالى(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا).وأصل الشقاق أن كل واحد من الزوجين صار في شق وجانب غير الذى فيه الآخر .والمعنى (وَإِنْ خِفْتُمْ) أن يصل الخلاف بين الزوجين الى حد الطلاق(فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)(حَكَمًا) يعنى رجلًا صالحًا عاقلًا حكيمًا(مِنْ أَهْلِهِ) أي من أقارب الزوج(وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) أي من أقارب الزوجة.اذا لم يوجد أحد من الأقارب يمكن أن يقوم بهذا الدور، فيمكن أن يكون من غير الأقارب، ولكن يفضل من الأقارب، لأن القريب تسكن اليه النفس أكثر من غيره.(إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) ان كان الزوجان يريدان الاصلاح بنية صادقة، واذا كان الحكمان يريدان الاصلاح، فان الله سيوفق بين الزوجين.(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) العليم هو الذي يعلم ظواهر الأمور والخبير هو الذي يعلم بواطن الأمورسبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.