تدبر سورة المائدة الآية ٥٥_٥٨

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
بعد أن نهى الله -سبحانه وتعالى- في الآية رقم (51) عن موالاة اليهود والنصاري فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) لم يتركنا الله بلا أولياء، بل بين لنا في هذه الآية من الذين تجب موالاتهم، يعنى من الذين يجب أن ننصرهم، وأن ننتصر بهم، وأن نتحالف معهم، وأن نحبهم، فيقول تعالى:
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا)
(إِنَّمَا) تفيد الحصر والقصر، يعنى لا ينبغي أن يكون لكم أولياء الا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا.

وكان الظاهر أن يقول تعالى (إِنَّمَا أولياكم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) ولكنه تعالى قال (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) اشارة الى أن ولاية الله وولاية رسوله ﷺ وولاية المؤمنين هي ولاية واحدة.

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)
قوله تعالى (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) تشمل الزكاة المفروضة والصدقة
(وَهُمْ رَاكِعُونَ) يعنى وهم خاشعون متواضعون لله، وليسوا منانين.

(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)
ثم بين – سبحانه – حسن عاقبة الذين يوالون الله ورسوله والمؤمنين، فيقول تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)
لأن مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ، فان الله تعالى سيتولاه، ومن يتولاه الله فلن يغلبه أحد.
يقول تعالى (فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)
يعنى جند الله وأنصار دين الله هُمُ الْغَالِبُونَ.

والحزب معناه الجمع من الناس يجتمعون على رأى واحد من أجل أمر حَزَبهم أي أهمهم وشغلهم.

قوله تعالى (فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) يعنى: حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ، قضية قرآنية، وهي مثل قوله تعالى في سورة الصافات (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) فحين تقع الهزيمة للجماعة المؤمنة، فهذا دليل على انهم ليسوا جند الله، لأنها لا يمكن أن تختلف قضية قرآنية مع واقع الحياة.
ولنا المثل في غزوة أحد عندما أمر الرسول ﷺ الرماة بعدم ترك مواقهم، وتحقق النصر للمؤمنين في بداية المعركة، بالرغم من ان المشركين أكثر من أربعة أضعاف المسلمين، لأنهم كانوا في هذا الجزء من المعركة “جند الله” فلما خالفوا الرماة أمر الرسول ﷺ وتركوا أماكنهم، خرجوا من جنديتهم لله تعالى ، وتحول النصر الى هزيمة.

أيضًا قوله تعالى (حِزْبَ اللَّهِ) يعنى الجماعة المؤمنة جماعة واحدة، وحِزْبُ اللَّهِ حِزْبٌ واحد، فليس عندنا في الاسلام تحزب لقومية ولا عرق ولا دولة، وليس فيه تحزب الا للإسلام، وكل تحزب الى غير الاسلام فهو ليس من الاسلام.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)

يعنى لا يجوز أن تتخذوا (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وهم اليهود والنصاري (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا) الذين يسخرون من دينكم ويتلهون به.
(هُزُوًا) يعنى سخرية، و(لعبًا) أي ملهاة وعبثُا، وأصله من لعاب الطفل.
(وَالْكُفَّارَ) لأن كفار قريش كانوا يفعلون ذلك في مكة قبل هجرة الرسول ﷺ فكانوا يسخرون من القرآن، ويسخرون من الرسول ﷺ ويسخرون من المسلمين.
فلا يجوز أن تتخذوا هؤلاء أولياء

(وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
يعني وَاتَّقُوا اللَّهَ في عدم موالاة هؤلاء، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بالله حقًا، لأن الإيمان بالله يقتضي عدم موالاة وعدم محبة من يتخذ دينكم هُزُوًا وَلَعِبًا، بل يجب أن يقابل ذلك بالبغضاء والكراهية.
فكيف تحالف أو تنصر أو تستنصر أو تحب انسان يسخر من القرآن العظيم، أو يسخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)
يذكر تعالى أحد مظاهر استهزاء هؤلاء الضالون بالدين فيقول تعالى:
(وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ)
يعنى وَإِذَا أذن المؤذن إِلَى الصَّلَاةِ.
(اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا)
فكانوا هؤلاء يقولون صياح مثل صياح البعير، ويتضاحكون لذلك، وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا.

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)
يعنى (ذَلِكَ) الاستهزاء لأنهم قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ، لأنهم لا يدركون الفرق بين الضلال والهدى

سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
منقول من موقع وائل فوزي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *