بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(5)
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) (الْيَوْمَ) يعنى من الْيَوْمَ وصاعدًا
(أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) الطَّيِّبَاتُ هو ما تستطيبه النفس السوية والفطرة السليمة.
والمعنى أن الله –تعالى- قد أحل لنا الطَّيِّبَاتُ، وهو ما تستطيبه النفس السوية والفطرة السليمة، فكل ما أحله الله –تعالى- لنا من الأطعمة فهو طعام طيب، وكل ما أحله الله لنا من الأشربة فهو شراب طيب.
(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) المقصود بالطعام هنا هو الذبائح، لأن الذبائح هي التي كانت موضع سؤال عند الصحابة، وهو الذي كانت تتناوله الآية السابقة، أما بقية الأطعمة فهي حلال سواء كانت أطعمة أهل الكتاب أو مشركين أو ملاحدة.
والمعنى أنه يجوز أكل ذبائح اليهود والنصاري، ولكن لا يجوز الأكل من ذبائح المشركين، لأن اليهود والنصاري يذكرون اسم الله عند الذبح، أما المشركون فلا.
(وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) يعنى يحل لكم تطعموهم من ذبائحكم، وهذا فيه تأليف لقلوب اليهود والنصاري، فأنتم تأكلون من طعامهم وهم يأكلون من طعامكم.
(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)
يعنى يجوز لكم الزواج من الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَيجوز لكم الزواج من الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وهم اليهود والنصاري.
ما هي المحصنة ؟
(الْمُحْصَنَاتُ) جاءت في القرآن بثلاثة معاني: المتزوجة، والحرة، والعفيفة.
المتزوجة: (فإذا أحصنَّ فإن أتين بفاحشة)
والحرة: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ)
والعفيفة: قال تعالى (محصنات غير مسافحات)
لا يمكن أن يكون المعنى المتزوجة، لأنه لا يجوز الزواج من المتزوجة.
ولا يصح أن يكون المعنى الحرة، لأنه يجوز الزواج من المؤمنة الحرة والمؤمنة الأمة، وقد خصص الله في هذه الآية المؤمنة فقال (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ)
وعليه فيكون معنى (الْمُحْصَنَاتُ) هنا هو (العفيفات)
فقوله تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)
يعنى يحل لكم أيها المسلمون الزواج من المسلمات العفيفات، ويحل لكم أيها المسلمون الزواج من الكتابيات العفيفات سواء كانت يهودية أو نصرانية.
فيجوز زواج الرجل المسلم من النصرانية أو اليهودية بشرط أن تكون عفيفة، يعنى ليست زانية.
فلا تكون على دينك وأيضًا زانية وغير عفيفة.
وهذا سؤال يتكرر كثيرًا من الشباب في الدول الأجنبية يقول أنا في بلد كذا وزنيت مع فتاة وأريد أن أتزوج منها، أو يقول أريد الزواج من فتاة ولكنها غير عذراء بسبب أنها زنت قبل أن أعرفها، فهل يجوز أن أتزوجها ؟
نقول لا يجوز لأن العفة شرط للزواج من الكتابية وهذه المرأة ليست عفيفة بدليل أنها زنت معك، أو بدليل أنها زنت قبلك.
أما اذا كانت زانية وتابت عن الزنا، توبة صحيحة صادقة فيجوز الزواج منها.
اذن الزواج من غير مسلمة له شروط:
الأول: أن تكون كتابية يعنى يهودية أو نصرانية، فلا يجوز الزواج من الملحدة التي لا تؤمن بوجود اله، ولا البوذية ولا الهندوسية.
ورد سؤال يقول: أنا متزوج من امرأة روسية منذ ستة أعوام ولي منها ولدان، وهي ترفض الدخول في الاسلام ولكنها تؤمن بوجود الله، والسؤال هو: هل زواجي منها شرعي أم لا ؟
نقول لا يكفي أنها تؤمن بوجود الله –عز وجل- فاذا كانت غير مسلمة، فيجب أن تكون كتابية يعنى مسيحية أو يهودية.
الثاني: أن تكون عفيفة وليست زانية
ومعروف أن الغرب به “فوضى جنسية” والفتاة العفيفة هناك يصعب جدًا وجودها، لدرجة أن مدينة فرنسية أقامت مسابقة لاختيار الفتاة “الطاهرة العذراء” واذا كانت هناك فتاة عفيفة غير زانية فيعتبرونها عندها مشكلة نفسية.
الثالث: ألا تكون محاربة، يعنى ليست من قوم بيننا وبينهم حرب، ولذلك حرم بعض الفقهاء الآن الزواج من اليهودية، لأنهم من قوم محاربين ومحتلين.
أمر آخر ننوه عنه، أنه يجوز ولا شك الزواج من الكتابية، بنص الآية الكريمة، ومع ذلك فقد كره الزواج من الكتابية عدد من الصحابة والأئمة، منهم عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وكرهه مالك والشافعي وغيرهم.
(إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) يعنى إِذَا أعطَيْتُمُوهُنَّ مهورهن، وعبر عن المهر بالأجر لتأكيد وجوبه.
(مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ)
(مُحْصِنِينَ) المحصن هو المتزوج، وهو من “الاحصان” وهو الحماية، كما نقول “حصن” لأنه يحمي من بداخله، كأن الزواج يحمي الرجل أو المرأة من الوقوع في المعصية.
(غَيْرَ مُسَافِحِينَ) المسافح هو الذي يزني بأكثر من امرأة، أو المرأة التي تزني بأكثر من رجل، واصله “سفح الماء”يعنى صبه واضاعته، وهذا تشبيه لمن يرتكب فاحشة الزنا بأنه يصب مائه، لأنه لا هم له الا قضاء شهوته.
(وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ)
المتخذ خدنًا هو الذي يزني بامرأة واحدة أو التي تزني برجل واحد، كما نقول عشيق أو عشيقة.
فقوله تعالى (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) أمر بأن يحصن المسلم نفسه بالزواج، وأن يبتعد عن فاحشة الزنا، سواء الزنا مع أي شخص، أو الزنا مع شخص واحد.
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
تحذير من أن يجرك الزواج من غير المسلمة الى أن يفتنك ذلك عن دينك.
وهذا للأسف يحدث أحيانًا، جاءت رسالة من شخص يقول أن صديقه تزوج من امرأة أمريكية، وأنجب منها، وبعد أربعة سنوات تحول الى المسيحية، وهناك عدة قصص مثل هذه القصة، ليست كثيرة، ولكنها موجودة، وتكون بسبب ضعف الايمان والجهل وضعف الشخصية والرغبة في الاندماج في المجتمع الذي يعيش فيه.
فيحذر الله تعالى من ذلك ويقول (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ) أي يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ بالقرآن العظيم وبالرسول ﷺ (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) أي بطل عمله، فكل أعماله حين كان مسلمًا لمدة عشر سنوات أو عشرين سنة، كل هذه الأعمال كأن لم تكن في لحظة واحدة حين ارتد عن الاسلام.
و(حَبِطَ) من “الحُباط” وهو مرض يصيب الدابة عندما تأكلُ طعامًا ليس مناسبًا لها، فمثلًا تجد الماشية تأكل برسيمًا في بدايته لم ينضج بعد، يسمونه “الرِّبة” هذا الطعام عندما تأكله البهيمة يحدث لها انتفاخًا في البطن، ويعتقد صاحبها أنها قد سمنت، ويفرح لذلك، ثم يجدها فجأة تموت.
وهذا هو حال (مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ) أي يكفر بالقرآن ويكفر بالرسول ﷺ ويدين بأي دين آخر، وهو يعتقد ان هذا مقبولًا عند الله، ولكن الحقيقة أن هذا الدين ليس مقبولًا عند الله، بل وكل عمله عندما كان مسلمًا قد بطل كأن لم يكن، ولذلك (فهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) نسأل الله العافية.
سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
منقول من موقع وائل فوزي