بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن اليهود، ومخالفتهم أوامر الله تعالى، يخاطب الله تعالى المؤمنين، ويقول لهم كونوا على العكس من ذلك، فيقول تعالى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ)
والتقوى هي أن تجعل بينك وبين مايؤذيك وقاية وحجاب.
فكيف يقول تعالى (اتَّقُوا اللَّهَ) وهو يريد منك أن تكون في معيته وأن تلتحم بمنهجه ؟
نقول معنى (اتَّقُوا اللَّهَ) يعنى اجعلوا بينكم وبين غضب الله وعذابه وناره وقاية وحجاب، وهذا يكون بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
(وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)
الابتغاء هو طلب الشيء بشدة.
والوسيلة هي القرب، كما نقول توسلت الى فلان بكذا، يعنى تقربت اليه بكذا.
ولذلك أطْلِق على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة الرَسُول ﷺ “الوَسِيلَةَ” وفي الحديث الصحيح “إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ”
فجعل تعالى أعلى منزلة في الجنة اسمها “الوَسِيلَةَ”
اذن “الوَسِيلَةَ” هي القرب
فقوله تعالى (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) يعنى واطلبوا طلبًا شديدًا القرب من الله تعالى.
والقرب من الله تعالى يكون بالعمل بما يرضيه.
يقول تعالى في الحديث القدسي (ما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ)
(وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
الجهاد من الوسائل التي يتقرب بها الى الله تعالى، ولكن ذكرت للاهتمام بها، من باب ذكر الخاص بعد العام
والجهاد فِي سبيل الله يشمل جهاد أعداء الله بالسلاح حتى تكون كلمة الله هي العليا، وجهاد أعداء الله بالقلم والكلمة ، ويشمل جهاد النفس بفعل المأمورات واجتناب المنهيات.
(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يعنى رجاء أن تفوزوا بالفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
أصلها فلح الأرض أي شقها، لأن الفلاح أو المزارع يضع بذرة صغيرة، فتأتي له بشجرة فيها أطنان من الثمار.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(36)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى إِنَّ الَّذِينَ أنكروا وجود الله تعالى، أو كفروا بالقرآن العظيم، يعنى أنكروا انه كتاب منزل من عند الله تعالى، أو كفروا بالرسول ﷺ يعنى أنكروا نبوته ﷺ
(لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) يعنى لو افترضنا أنهم يملكون جميع ما في الْأَرْضِ، وقوله تعالى (جَمِيعًا) للتأكيد.
(وَمِثْلَهُ مَعَهُ) يعنى وضعفه معه.
(لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ليخلصوا أنفسهم مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
(مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) ما تقبله الله منهم عوضًا عن عذابهم وعقابهم.
لأن جميع ما في الأرض أصبح كالعملة منتهية الصلاحية
(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وَلَهُمْ عَذَابٌ مؤلم موجع
(يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)
قال المفسرون: أن النار لفورانها وشدتها تدفهم الى حوافها، فيتطلعون الى أن يخرجوا منها، فتستقبلهم ملائكة العذاب ويضربونهم بمقامع من حديد، ويردوهم الى النار مرة أخرى .
وهذا في حد ذاته عذاب آخر أن تستشرف نفوسهم للخروج من النار، ثم يعودون اليها مرة أخرى .
هذا مثل قوله تعالى في سورة السجدة (كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا)
وكما قال تعالى في سورة الحج (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)
(وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) أي عَذَابٌ مستمر دائم لا ينقطع.
كما نقول مقيم في هذا المكان
سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
منقول من موقع وائل فوزي