بسم الله الرحمن الرحيم. وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا علما وحكمة من لدنه إنه هو العليم الحكيم . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي . رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)
[سورة الحج 5]
الحج إخوتي تذكير بالحشر وكم هو يسير جدا على الله.
“ذلك حشر علينا يسير”
منذ أن أذن إبراهيم في الحج والناس يأتون للحج من جميع أنحاء الأرض بأذان واحد فقط منذ آلاف السنين ولم يعاد هذا الأذان هو واحد فقط ومازالت البشرية تأتي للحج.
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)
[سورة الحج 27]
هذا أذان واحد فقط وكذلك يوم الحشر نفخة واحدة فقط لبعث البشرية جمعاء
(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ)
[سورة الحاقة 13]
واحدة فقط كافية كما كان أذان واحد كاف لحشر الحجاج لآلاف السنين. سبحان الله هذه الآية هي دعوة للتفكر لكل من يكذب بالبعث سواء تكذيب قولي أم تكذيب بالأعمال, أكثر المسلمين لا يكذبون البعث بألسنتهم ولكن يكذبونه بأفعالهم وأعمالهم وعدم استعدادهم لهذا اليوم. لذلك ينبههم في سورة الحج إن كنتم في ريب، إن كان في قلوبكم ريب أو شك من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة.
من هم المرتابون دوما والمذبذبون في إيمانهم ؟ هم المنافقون.
هل المنافقون يحجون ؟ نعم يحجون ولا يشعرون أنهم منافقون لذلك أيضا يوجه الله لهم النصيحة والذكر ودعوة التأمل هذه لتكون فرصة لهم لعلهم يهتدون, يدعوهم للتفكر في خلقهم في بطون أمهاتهم و مراحل نموهم خارج الرحم.
طفولة ،بلوغ الأشد، ثم يردون إلى أرذل العمر.
وسبحان الله الطفل لا يعلم شيئا والإنسان يرد إلى أن يصبح من بعد علم لا يعلم شيئا كالطفل تماما, ثم لتقريب الصورة يذكرنا بأن خلقنا يشبه النباتات.
البويضة الملحقة يبذرها الله في بطانة الرحم كما يحرث الناس البذور في باطن الأرض,ثم يفلقها الله ليخرجها نبتة ضعيفة جدا لا تستطيع لنفسها حولا ولا قوة فينزل عليها الماء لتهتز الأرض ويشق لها طريق الخروج ثم يخرج من كل زوج بهيج ذكر وأنثى, كذلك البويضة الملقحة تبدأ بالإنقسامات في الخلايا حتى تتكون الأعضاء والجوارح كلها ثم ينزل ماء الرحم ويهتز بعدها في انقباضات شديدة لأن الطفل يكون ضعيفا لا يملك لنفسه حولا ولا قوة إلا بالله فيشق له الطريق للخروج فيخرج من كل زوج بهيج. وكما أن الإنسان يمر بمراحل ضعف ثم قوة ثم ضعف. أيضا يمر النبات بمراحل ضعف ثم قوة ثم ضعف.
الإنسان قد يموت في أي مرحلة من مراحل نموه كذلك النبات قد يموت في أي مرحلة من مراحل نموه , والكلام يطول في التشابهات بين الإنسان في الخلق والبعث أيضا وهذه دعوة للتأمل والتفكر فيها.
الانسان لا يبقى منه الا بذرة بعد تحلله وهي خلايا عجب الذنب مبذورة في الأرض ثم ينزل عليها الماء فتهتز الأرض وتنشق ويخرج الناس يوم الخروج مثل النبات تماما.
(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ)
[سورة الزخرف 11]
ليس مثل التفكر والتأمل ما يوصل القلب إلى اليقين والإيمان الخالص.
(وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)
[سورة اﻷنعام 75]
أرشده الله للتأمل ليكون من الموقنين.
(ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)
[سورة الحج 6 – 7]
بالتفكر تصل إلى اليقين بدلا من حالة الإرتياب والوصول إلى أن الله هو الحق وأنه على كل شيء قدير
التفكر بالبعث والساعة مهم جدا قبل الذهاب للحج كنوع من الإستعداد النفسي والإيماني لأداء هذه الفريضة
كما أنها فرصة لمن مازال في مرحلة الإرتياب أن يرتقي إلى الإيمان الحق حتى يتقبل الله منه لأنه يتقبل الأعمال من المتقين فقط.
(إنما يتقبل الله من المتقين)
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
[سورة المائدة 27]
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ)
[سورة الحج 8]
هذه الآية الكريمة ليست تكرارا لما قبلها كما قد يتوهم البعض ولكنها تحمل معنى اضافيا.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ)
[سورة الحج 3]
الآية 3 تبين أن من يجادل في الله بغير علم هو في الواقع يتبع الشيطان المتمرد. أما الآية 8 فتبين أن من يجادل في الله بغير علم هو في الواقع أيضا يجادل بغير هدى ولا كتاب منير ويقصد به من يجادل في الأحكام بدون دليل من القرآن ولا هدى الرسول , الجدال في الحج مذموم ومن يفعله يصبح عاصيا متمردا على أمر الله, وخاصة إن كان بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
سورة الحج, الآية 8:(ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير)
هو يجادل بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير ليعرض ويضل عن سبيل الله, تجده يفتي هذا ويفتي ذاك بفتاوى لا علاقة لها بالدين فيشق على الناس اتباع الدين ويجعلهم يصدون عنه.
يشقون على الناس بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير ليعرض الناس عن الدين ويضلونهم عن السبيل
هؤلاء المدعين أنهم أهل للفتوى لهم نوعان من العذاب توعدهم الله بهما
(ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ)
[سورة الحج 9]
عذاب الخزي في الدنيا وعذاب الحريق في الآخرة يتعرضون للخزي هنا في الدنيا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد وعذاب النار يوم القيامة
(ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
[سورة الحج 10]
لا يظلم الله أحدا ربنا عادل والناس هم من يظلمون أنفسهم بما قدمت أيديهم, لذلك الحذر كل الحذر من التجرؤ بإعطاء الفتوى بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
[سورة الحج 11]
كثير من الناس يعبدون الله على حرف أي بشرط أو لتحقيق مصلحة دنيوية فان أصابه الخير اطمأن أن ما حصل له نتيجة عبادته وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه وعاد إلى غيه
(فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)
[سورة الفجر 15 – 16]
يظن الغافل أن النعمة هي تكريم من الله ينظر إليها بهذا المنظار ويصر على أنها مكافأة من الله على ما فعل في الدنيا . انتبهوا ليست الدنيا دار جزاء ولا يعمينكم الشيطان عن كلمة ابتلاه في الآية فالنعم ابتلاء وليست جزاء يبلوكم بها ليرى اتشكرون أم تكفرون ولكن أكثر الناس يقولون ربي أكرمن وإذا ما ابتلاه فقدر عليه الرزق لا يرى كلمة ابتلاه ولكن يقول ربي أهانن سبحان الله أين هم من قول نبي الله سليمان.
(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)
[سورة النمل 40]
ليبلوني ءأشكر أم أكفر لا يعميكم الشيطان عن كلمة يبلوكم أي يختبركم الدنيا دار اختبار فقط والآخرة دار جزاء فقط
انتبهوا.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك