تدبر سورة الحج 17-29

بسم الله الرحمن الرحيم. وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا علما وحكمة من لدنه إنه هو العليم الحكيم . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي . رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
[سورة الحج 17]

يبين الله لنا في هذه الآية البينة أن من يملك الحكم على الناس هو الله وحده وليس ذلك إلا لله سواء مؤمنين أو يهود أو نصارى أو صابئين أو مجوس أو مشركين جميع هؤلاء وحده الله الذي يفصل بينهم يوم القيامة لأنه وحده الشهيد عليهم يعلم سرهم ونجواهم ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, لا يحق لإنسان أن يحكم على إنسان آخر بأنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار أبدا ولو كان على غير الإسلام أقصد كشخص وليس كدين لأنك لا تعلم ربما هداه الله قبل موته أو أنه يخفي إيمانه خوفا على نفسه من القتل أو الأذى لذلك من باب أولى أنك أيها الحاج لبيت الله الحرام أن لا تفعل ذلك مع الحجاج وهم كلهم مسلمون.
بمعنى لا تزكي أحدا على الله ولا تحكم على أحد بأنه من أهل النار وهذا يكثر في الحجيج وهذا واقع ويحدث بكثرة.
الحجاج ليسوا جميعا على فقه واحد وليسوا بمستوى علمي واحد في أمور دينهم فتجد المخالفات كثيرة حولك من شعوب عربية وأعجمية وكذلك من ذات شعبك فلا تسخر منهم ولا تحكم عليهم بعدم قبول أعمالهم .هذا من شأن الله وحده

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩)
[سورة الحج 18]

لن تكون الوحيد الذي يسجد لله ولكن كل من في السموات وكل من في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر
والدواب وكثير من الناس, فاستحضر هذا دائما فهو يشعرك بعظمة الله الخالق وتذكر أن الله غني عن العالمين وتذكر أن كثير من الناس يسجدون لله وكثير منهم حق عليهم العذاب وهذا كاف ليحرك عندك الخوف ليتماشى مع الرجاء وهذا من صفات المتقين .

إن رأيت المخالفين انصحهم إن استطعت بالحكمة والموعظة الحسنة ولكن لا تحكم عليهم فهذا أشد عند الله لأنك بهذا الحكم تتدخل في حكمه وتتأله عليه وتذكر كثير من الناس يسجدون لله وكثير حق عليهم العذاب فلا تأمن أن لا تكون منهم
ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء لن يتمكن أحد في الكون أن يكرمك ويعلي قدرك إن أراد هو أن يهينك فهو الذي يفعل ما يشاء فتجنب أن تقوم بعمل يجعلك عرضة لأن يهينك الله.

(هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)
[سورة الحج 19 – 22]

لا تكن خصما لأحد وتختصمون في ربكم بغير علم ولا تقرر عن ربك ولا تحكم على أحد وإن كان يهوديا أو نصرانيا أو صابئيا أو مجوسيا . لأنه بعدها يبين أن أحد الخصمين مصيره إلى النار والآخر إلى الجنة فلا تعلم أيهما أنت؟!
لا تتأله على الله!
انتبه ستجد الناس أشكال وألوان وطقوس فلا تحكم عليهم, والله لا أجد وصفا للنار أشد علي من الوصف الذي في سورة الحج تدبرها مرة ثانية

(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ)
[سورة الحج 23-24]

فإن آمنت بقلبك ووقر فيه خالصا وصدقته بالعمل الصالح وآمنت بكل البينات وعملت بجميع الأوامر و انتهيت عن جميع النواهي فان الله يعد المؤمنين العاملين بالعمل الصالح وعودا جميلة جدا جنات من تحتها الأنهار و أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم حرير و نعيم خالد . اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ)
[سورة الحج 24]

هدوا إلى الطيب من القول لأنهم كانوا لا يتكلمون إلا بالقول الطيب, راقب لسانك أيها الحاج قد تتعرض لدفع الناس لك أو الدوس على قدمك أو الجلوس في مكان حجزته للصلاة ووو……
تذكر!
(وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ).

راقب نفسك وتذكر
(إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)
اتبع أمر ربك لعله يهديك ويزيدك هدى إلى صراط الحميد

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)
[سورة الحج 25]

بعد أن هيأ رب العالمين ضيوفه الحجاج من الناحية النفسية .الآن يوجه خطابه لمن كلفهم بضيافتهم فمن يصد الناس عن المسجد الحرام فهو كافر بآيات الله يأمر الله في هذه الآيات أهل مكة بأن لا يصدوا أي مسلم عن زيارة بيته الحرام ولا يحق لأحد يمتلك مفاتيح مكة أن يمنع أي شعب من زيارة بيت الله فالمسجد الحرام ملك لله هو بيته وهو الوحيد من يقرر من يزوره ممن لا يزوره فقد جعله للناس ولا يحق لأهل مكة والقائمين على المسجد الحرام منع الزوار سواء المعتكفين فيه أم الغير عاكفين فهذا المسجد لا يغلق أبدا هو للجميع ، جميع المسلمين ليلا و نهارا ومن يفعل غير هذا ويحيد عن الحق بظلم فيمنع أي إنسان من الحج يذيقه بظلمه لنفسه عذاب أليم.

(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)
[سورة الحج 26]

يذكرنا رب العزة بقصة البيت العتيق أنه هو الذي بين لسيدنا ابراهيم مكان البيت بعد أن كانت قواعده غير مرئية
وأنه أمره بأن لا يشرك به شيئا . وهذه نقطة جميل أن نتوقف عندها, نبي الله ابراهيم خليل الرحمن (.واتخذ ابراهيم خليلا .) وهو أمة بنفسه في عبادة ربه ولكن لم يمنع ذلك من أن يذكره ربه وينصحه أن لا يشرك به شيئا مع أنه مستبعد ولكن فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
لذلك جميل أن نتناصح دوما حتى وإن كانت معصيتنا مستبعدة لأنها ذكر والذكر يعين على الطاعة وأمره أن يطهر بيته للطائفين والعاكفين والركع السجود إذن من مهمات من بأيديهم البيت العتيق العناية به وتنظيفه وتطهيره لزواره

(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)
[سورة الحج 27]

ومن مهماتهم أيضا الإشراف على موسم الحج من جميع النواحي التنظيمية. عندما أذن ابراهيم عليه السلام كان ذلك أحد الإجراءات في الإهتمام بموسم الحج وهو الإعلان عنه طبعا هو أذان واحد من زمنه إلى الآن لا يعاد ولكن ترمز للتجهيزات للحجيج

(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)
[سورة الحج 28]

هؤلاء الحجاج الذين يأتون من كل فج عميق حتى ولو كانت دوابهم ضامرة ضعيفة فهم يأتوا لأهداف. الآن يأتون أيضا على دواب ووسائل نقل كل بحسب استطاعته ومنهم من يأتي بوسائل نقل ضعيفة همهم الوصول لبيت الله الحرام. يأتوا ليشهدوا منافع لهم . بعضهم يأتي للحج ومنافع أخرى معها مثل العمل أو العلاج أو السياحة أو التجارة أو…
وأيضا للحج ليذكروا اسم الله في أيام معدودات ولكي يحمدوا الله ويشكروه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ليأكلوا منها قسما ويتصدقوا بالباقي للبؤساء والفقراء, ونشكر الله على الأنعام أن سخرها لنا سبحان الله و على أن جعلها وديعة أليفة نسوقها سوقا ونستفيد من شعورها وجلودها ولحومها وألبانها وشحومها وأمعاؤها وأكبادها وكل أحشاؤها . نشكره بالهدي المقدم الأضحية سبحان الله بأن نذكر اسم الله عليها نأكل بقدر ونتصدق شكرا لله عليها

(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)
[سورة الحج 29]

لينهوا بذلك إحرامهم ويتحللوا منه ويزيلوا أوساخهم وليوفوا نذورهم ثم ليطوفوا بالبيت العتيق .وهو طواف الإفاضة

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *