النقطة السابعة : مفاجآت يوم القيامة .
ويوم القيامة يوم المفاجآت ، يعني الناس سيفاجؤن يوم القيامة ، سيفاجؤن عندما يرون مازن يرافق النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن إفترض أن الله سبحانه وتعالى بين لهم اللحظات الأخيرة التي كان يعيشها مازن قبل موته ، اللحظات الأخيرة في حياته قبل أن يأتيه ملك الموت ، أطلعوا على واقعة توبته ، وكيف أنه بدأ مباشرة بتصفية ملفاته السوداء ، حينها تزول المفاجأة والغرابة ، فيوم القيامة يوم مفاجآت ، لأننا نحن نتعامل بالظاهر ، أما الحقيقة المطلقة فلا يعلمها إلا الله .
سورة الطارق : يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)
والعكس صحيح ، ففي مثال آخر ، هذا شخص آخر، قد يكون مازن معروفاً بالصلاح ، معروفاً بالتقوى وأداء الصلاة وفعل الخير ، وقد يكون معروفاً بالإنفاق وفعل الصالحات والقيام بالمشاريع الخيرية ، وقد يكون إماماً وخطيباً ، وقد يكون واعضاً أو مرشداً ، وقد يكون عالماً ، والناس عندما يعلمون شخصاً هكذا مواصفاته ، هكذا خصاله ، هكذا مظهره ، عندما يسمعون بنبأ موته فإنهم يتأسفون على موته ولا يقولون استرحنا منه ، وفي جنازته يحضر جمع غفير من الناس ، وفي يوم القيامة إن مات هذا مصراً ، إن مات على النفاق ، إن مات على الشرك الخفي ، إن مات على الرياء ، فإنه يوم القيامة يرافق المنافقين ، والناس سيفاجئون ، لكن إذا بين الله تعالى لهم أنه كان مرائياً ، كان ينفق رياء ، كان يتصدق رياء ، كان يعمل أعمالاً جليلة رياء ، ليقال أنه كان صالحاً ، أو يعمل في الخفاء معاصي لم يكن الناس يطلعون عليها ، في الخفاء كان يرتكب معاصي ولم يكن الناس يطلعون عليها ، لأنهم كانوا بعيدون عنه ، عندما يبين لهم هذا فإن الغرابة تزول .
سورة الطارق : يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)
الذي تاب توبة نصوحاً وكفر الله عنه سيئاته ، فإن عدد المعاصي التي تبقى في صحيفة سيئاته تساوي صفر ، أي لا يبقى لديه ولا حتى سيئة واحدة ، لأنه تاب توبة نصوحاً ، الله كفر عنه كل سيئاته ، الله غطى كل سيئاته ، غطاها تغطية كاملة ، وبالتالي صحيفته تكون يوم القيامة صحيفة بيضاء ، تكون بيضاء نقية ، ولا يكون فيها أي نقطة من السواد ، بياض الصفحة يلتقي مع بياض الوجه ، بياض صفحته يلتقي مع بياض وجهه .
سورة آل عمران : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ … (106)
وما دامت صحيفته بيضاء فإنه لا يلقى أي حرج من إطلاع الناس على صحيفته البيضاء ، وعندما تكون صحيفته بيضاء نقية إنه لا يجد أي حرج من إطلاع أي أحد على صحيفته .
سورة الحاقة : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
هذا مثل الطالب أو التلميذ عندما يتسلم دفتره الذي يسجل فيه العلامات ( الشهادة الدراسة ) ، وتكون العلامات كلها جيدة ، العلامات التي حاز عليها كلها جيدة ، ولا توجد بدفتره نقطة سلبية واحدة ، فإنه لا يجد حرج من إطلاع زملائه على دفتره .
سورة الحاقة : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24).
وما دام تاب توبة نصوحاً ، فإنه يأتي يوم القيامة بصحيفته البيضاء النقية التي فيها الحسنات فقط ، وليس فيها أي سيئة ، يأتي فقط بالحسنات فقط وفقط وفقط ، وليس معها أي سيئة ، ولا حتى سيئة واحدة ، ذلك لأنه في الدنيا تاب توبة نصوحاً ، حيث أن كل السيئات كفرت وغطيت ومحيت ، نسفت إلى غير رجعة ، وحسابه يوم القيامة يسير .
سورة الانشقاق : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)
والحساب اليسير هو أن الله بقدر حسناته في صحيفته يقدر له درجته في الجنة ، لأن الله يعدل بين السعداء في درجات الجنة ، مثلما يعدل بين الأشقياء في دركات النار ، فهناك عدل مطلق .
يعني الآن على سبيل المثال ، الذين يصعدون الطائرة ، ليس كلهم يجلسون في درجة رجال الأعمال ، بل هناك درجة اقتصادية ، فهناك درجات ، وكذلك الفنادق ليس كلها بنفس عدد النجوم ، فعدد النجوم يتفاوت بين فندق وآخر ، هذا كله في الدنيا ، فما بالك بالجنة .
سورة آل عمران : هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)
سورة يونس : إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)
بالقسط يعني بالعدل
إذن بمقدار تلك الحسنات التي أتي بها ، الله تعالى يقدر له بها درجته المناسبة له في الجنة ، وإنما قلنا يأتي بالحسنات فقط .
سورة النمل : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
بحجم أو بمقدار تلك الحسنات التي أتى بها ، الله تعالى يقدر له درجته في الجنة ، لأن الله تعالى يعدل بين السعداء في درجات الجنة ، مثلما يعدل بين الأشقياء في دركات جهنم .
سورة يونس : وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)
حتى بين الأشقياء ، ليسوا في دركة واحدة ، الأشقياء يتفاوتون في الأوزار ، يتفاوتون في حجم الأوزار والسيئات ، لا يأتون بحجم واحد .
وهذا الذي تاب توبة نصوحاً ، بعد أن يعرف درجته المناسبة له في الجنة ، فإنه يرافق النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه المرافقة جاءت في سورة التحريم ، وذلك في سياق التوبة النصوح .
سورة التحريم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8).
نهاية المحاضرة الخامسة