الدرس العاشر

بسم الله الرحمن الرحيم

النقطة الثانية : أمثلة على تأثير المعاصي على القلب .

وسنرى أن عوامل الشقاء تتمثل في ثلاثة :

1) عامل الاستصغار ( هذا تكلمنا عنه ) .

2)عامل النسيان .

3) عامل الزمن .

هذا الغافل الله لم يختبره في مدة قدرها دقيقتين أو ساعتين ، بل عاش هنا أياماً وشهوراً وسنيناً :

سورة الشعراء : أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207).

في ما يلي أمثلة توضح كيفية زيادة السيئات مع عوامل ( الاستصغار و النسيان والزمن ) وكيف يزيد السواد في القلب .

المثال الأول : البيت الذي في مجرى الوادي .

مازن يسكن بيتاً في مجرى الوادي وهو نائم فيه طوال ساعات الليل ، ولكن طوال هذه الفترة ، قطرات الماء لا تتوقف عن النزول ، طيلة ساعات الليل :

1) وهو نائم قطرات المطر صغيرة الحجم ، هذا هو عامل الاستصغار .

2) وعندما يكون نائماً طوال ساعات الليل ، فإنه لن يشعر بسقوط قطرات الماء الصغيرة ، هذا هو عامل النسيان .

3) قطرات المطر لم تتنزل لمدة دقائق بل لمدة ساعات طويلة ، وهذا هو عامل الزمن .

خلال هذه الساعات ، هل سيبقى حجمها الكلي ، يعني مجموعها ، هل يبقى حجماً صغيراً ؟ ، لا ، بل مع مرور الساعات تتجمع ، وتتكاثر وتزيد وتزيد وتزيد ، تتجمع على شكل أودية ، في البداية تكون أودية صغيرة قليلة ، لكن مع مرور الوقت يأتي الطوفان ، يعني هي تشكل في النهاية طوفاناً ، ما لم يحط هذا الطوفان ببيت مازن ، فإنه بإمكانه أن يفر ، بإمكانه أن يهرب ، لكن لو حاصره الطوفان ، من جميع الجهات ، وهاجمه من الباب ومن النوافذ ، وأراد في تلك اللحظة أن يفر ، فإنه لا يستطيع .

الشقي يحدث له هذا في لحظة الموت ، تكون السيئات قد تجمعت ، سيئات كثيرة ، يرتكب في كل يوم سيئات ، لكن لأنه يستصغرها سينساها ، الإنسان يقع في سخرية ، يسخر من أخيه ، وهو يرى هذه السخرية صغيرة ، يعني هي ليست كجريمة القتل ، لو قتل نفساً سيتذكر ذلك ، لو قتل نفساً بغير حق سيبقى يتذكر ذلك ولو بعد سنين ، لكن وقع في سخرية ، بعد يوم أو يومين ينساها ، هذه هي القضية .

سورة البقرة : بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)

المثال الثاني : سقوط قطرات الماء في الدلو .

حنفية ماء تقطر في دلو ، بمعدل قطرة في الدقيقة ، وقد يبدو أن هذه القطرات لا تفعل شيئاً ، لكن لو نترك هذه الحنفية تقطر ، ونعود إليها بعد شهر كامل ، لوجدنا أن الدلو مملوء ، لقد أمتلئ مع مرور الوقت :

1) عامل الاستصغار: هو تلك القطرات الصغيرة .

2) عامل النسيان : خلال هذ الشهر ونحن مع أعمالنا وأشغالنا ، فإننا لا نستحضر ذلك الدلو وتلك الحنفية ، بل ننسى ذلك ، مشغولون بأعمالنا ، نعيش النسيان .

3) عامل الزمن : نحن لم نترك الحنفية تقطر لدقيقة أو دقيقتين ، تركناها تقطر لمدة شهر كامل .
نعود إلى الدلو ، القطرات الأولى التي تتنزل على الدلو ، فإنها تحدث صوتاً في البداية ، لكن بعد عودتنا عندما نعود بعد شهر إلى الدلو ، فإن ذلك الصوت يكون قد أختفى ، ونفس الشيء يحدث في قلب الإنسان ، عندما يقع في المعاصي الأولى ، المعاصي الأولى التي يرتكبها في حياته ، وهو مكلف ، يعني في بداية التكليف ، يحس لها وقعاً في قلبه ، وهذا ما نسميه بتأنيب الضمير ، ضميره يأنبه ، لكن عندما يمتلئ قلبه بالمعاصي ، تمتلئ صحيفته بالمعصي ، فإن ذلك التأنيب يختفي ، يموت قلبه ، القلب يموت ، القلب يصبح ميتاً ، يعني كثرة المعاصي و الإصرار عليها يؤدي إلى موت القلب ، يصبح الإنسان يفعل المعاصي ولا يحس بأي شيء ، يرتكبها بكل برودة ، بكل برودة أعصاب .

سورة البقرة : بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)

المثال الثالث : بقع الأوساخ في الثوب الأبيض .

نفترض أن مازن له ثوب ، ثوب ناصع البياض ، صنع منه قميصاً ، هذا القميص يلبسه كل يوم وبشكل دائم ، ولكن بمجرد أن يقع على ثوبه شيء من الوسخ ولو شيء قليل ، فإنه يسرع إلى تنظيفه ، لذلك هذا الثوب سيظل نظيفاً ، وهذا مثل الذي يسرع إلى التوبة ، فالإنسان يقع في زلة ، مثلما وقع أبونا آدم عليه السلام ، لكن إذا كان يسرع إلى التوبة ، فإن قلبه سيظل نظيفاً ونقياً وطاهراً ، مثل ذلك الثوب تماماً ، وهذا هو أثر السرعة على التوبة .

سورة النساء : إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17).

أما الحالة الأخرى ، مازن وهو يلبس هذا القميص ، تجده لا يسرع إلى تنظيفه إذا وقع عليه شيء من الأوساخ بل ظل يلبسه سنوات وسنوات وسنوات ، دون أن يغسله ، والأوساخ تتراكم على ثوبه هذا ، هذا الثوب سيصير مع مرور الوقت مسوداً ، ويصعب غسله ، وهذه هي المشكلة ، تصور أن مازن لم يغسل ثوبه لسنوات ، ويلبسه في كل حين ، حيث ظل يلبسه خلال سنوات في الليل والنهار ، ولم يقم بغسله قط ، والأوساخ تتراكم عليه ، هذا الثوب سيسود ، وقد يصل إلى مرحلة معينة ويصعب فيها غسله ، لكن لو أنه أسرع بمجرد أن يقع عليه شيء من الوسخ ، أسرع إلى تنظيفه ، هذا الثوب سيبقى نظيفاً ، وهذه هي الحالة التي من خلالها ندرك الفرق بين التائب والمصر ، الذي يتوب بسرعة ، الذي ينيب إلى ربه بسرعة ، الذي يقلع عن الذنب بسرعة ، يظل قلبه طاهراً نظيفاً نقياً ، والذي يصر على المعاصي والسيئات ، وعدم التوبة ، مع مرور الوقت يسود قلبه ، وهذا هو الران المذكور في سورة المطففين .

سورة المطففين : كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14).

يعني ما يكسبونه من سيئات ، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم :

عن أبي هُرَيرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذَا أذنَبَ العَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَة سَوْدَاءُ، فإنْ تابَ صُقِلَ مِنْها، فإنْ عادَ عادَتْ حتى تَعْظُمَ فِي قَلْبِهِ، فذلكَ الرَّانُ الَّذي قَالَ الله: (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) “.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *