الدرس السادس

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

تحدثنا في الدروس الماضية عن أقفال الضغائن وأقفال الكبر وأقفال الذنوب والمعاصي.

واليوم باذن الله نتحدث عن قفل التزكية. وأقصد تزكية النفس بأن يزكي الإنسان نفسه ويعتبر نفسه من الصالحين ويضمن لنفسه الجنة بنسبة ١٠٠% أو أن يزكي غيره ويضمن لهم الجنة ويحكم لهم بالجنة.

والموضوع خطير حقيقة استمعوا لقول الله عز وجل:

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)
[سورة النساء 49 – 50]

التزكية هي كذب على الله تخيلوا !

وهل تعلمون ماذا يحدث لمن يكذب على الله؟!

(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ)
[سورة الزمر 60]

يا الله! هل استوعبتم خطورة الموضوع؟
أن أزكي نفسي أو غيري يجعلني ممن تسود وجوههم يوم القيامة!

ذلك لأنني أتألى على الله وأقرر عنه وأشرك نفسي في حكمه.

وهل تعلمون أن أكثر من يزكي نفسه أو غيره هم ممن يجتنبون كبائر الإثم والفواحش لأنهم بذلك يظنون أنهم قد ضمنوا الجنة لأنهم ضمنوا قبول أعمالهم الصالحة.

(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ)
[سورة النجم 32]

هو أعلم بمن اتقى وهو من يتقبل من المتقين (قال إنما يتقبل الله من المتقين)
فلا يكفي أن تكون مجتنبا للكبائر والفواحش لأنك ما زلت لا تضمن قبول أعمالك ولا تضمن أنك عند الله من المتقين.

والمتقى الحق يكون دوما بين خوف وطمع. خوف أن لا يتقبله الله وطمع في رحمته ولا يزكي نفسه ولا يضمن لنفسه الجنة.

وهناك نوع آخر من التزكية وهو التزكية الجماعية سواء المنتمية لبلد أو عرق أو مذهب أو فرقة.

فيقال لن يدخل الجنة إلا من كان من (المذهب/الفرقة/الشعب) الفلاني والبقية في النار. طبعا هنا يقصد نفسه وكل من ينتمي إليهم.

وهذا ما قاله أهل الكتاب من قبلهم.

(وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
[سورة البقرة 111 – 112]

فكل من يقول ذلك يأتي بالبرهان إن كان من الصادقين.
ويأتي رد رب العالمين والذي لا يشرك في حكمه أحدا أنه من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ثم التزكية للعلماء لدرجة التقديس وضمان الجنة لهم وضمان أنهم عند الله من الصالحين. وإنما الصحيح وهو ما يعلمونا إياه العلماء أن لا نقول فلان من الصالحين وإنما نقول (نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله أحدا) وأن لا نقول فلان من أهل الجنة وإنما ندعو له بالمغفرة والرحمة وأن يدخله الله الجنة. وتذكروا أن من يزكي يكون كاذبا على الله.

فكيف نريد لقلوبنا أن تتدبر ونحن عند الله من الكاذبين؟

وكذلك تزكيتنا لأنفسنا تمنعنا من تدبر آيات العذاب لأننا نشعر أنها لا تعنينا فنحن من أهل الجنة ولن نتعذب فلا نستشعرها ويسبب خلالا كبيرا في التوازن بين الخوف والرجاء.
وحتى عند المرور على آيات الجنة نقرأها بلا شوق ولا دعاء لأنها بالنسبة لما وكأنها ملكنا منذ القدم ومعلومات قديمة. فلا نتلذذ بوصفها.

كما أن التزكية للنفس ولمن أنتمي إليهم عندما تزداد توصل الإنسان لتكفير غيره ظنا بأن الجنة لهم ولا تسع غيرهم.

أيضا هناك من يغذي شعور التزكية لديهم من شياطين الجن بمزيد من التزكية بأن يجعلوهم يرون أمور خارقة تحصل لهم بسحر أعينهم أو يجعلوهم يسمعون أو يحلمون أمورا ترفع عندهم شعور الضمان بالجنة ليوقفوهم عن مزيد من العمل تدريجيا بعد أن يكسبوا ثقتهم وبعد مدة يبدأوا بادخالهم في المعاصي بحجج غريبة ثم يدخلوا عالم السحر وينقلبوا عن دينهم وتقواهم وهم لا يشعرون.

وقد يوهموهم أنهم ليسوا من الجن وأنهم خلق آخر نوراني أو أنهم من الملائكة ليخربوا دينهم تدريجيا.
فيطيعوهم في معصية الله وهم لا يعلمون أنهم من الجن.

تأملوا معي..

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَٰؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ ۖ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ۖ ((أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ))
[سورة سبأ 40 – 41]

الموضوع خطير ومنتشر وقد أعرض نفسي للخطر بنشره ولكن أسأل الله أن يحفظني.

من جانب آخر في الحقيقة المؤمن الحق يقدم أعماله الصالحة وهو على خوف ووجل أن لا يتقبل الله منه تأملوا قوله تعالى:

(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)
[سورة المؤمنون 60 – 61]

فالوجل عند عمل الصالحات وعدم ضمان قبولها يؤدي للمسارعة بفعل المزيد.

أساسا يقدمون العمل على خوف. خوفا من النار لأنهم لا يضمنون لأنفسهم الجنة.

هؤلاء هم الذين يمدحهم الله وليس من يزكون أنفسهم ويضمنون لأنفسهم الجنة تأملوا قوله تعالى:

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)
[سورة اﻹنسان 8 – 10]

ونجد أيضا في أدعية أولو الألباب وعباد الرحمن أنهم يدعون الله أن ينجيهم من النار ولا يدعون لأنفسهم بالجنة من شدة خوفهم وعدم تزكيتهم لأنفسهم رغم أن الله يمدحهم ويمدح أعمالهم تأملوا:

(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)
[سورة الفرقان 65 – 66]

هؤلاء هم عباد الرحمن في سورة الرحمن فصل الله أعمالهم وصفاتهم وهذا دعاؤهم ولم يدعوا لأنفسهم بالجنة ولكن الله عز وجل جزاهم الغرفة بما صبروا.

وكذلك تأملوا دعاء أولو الألباب أول دعاء لهم هو أن يقيهم النار وحتى عندما دعوا بالجنة لم يقولوها صراحة ولكن قالوا (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) و بعدها مباشرة عاد الخوف (ولا تخزنا يوم القيامة)

تأملوا الموقف إخوتي.

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)
[سورة آل عمران 191 – 194]

خوف ثم رجاء
ثم خوف ثم رجاء

متوازنين وخوفهم سبق رجاؤهم.

أين نحن منهم ؟!!!
وقد سبق رجاؤنا خوفنا بل أصبح الخوف إدعاء نقوله بألسنتنا وقلوبنا في ضمان وأمان!!!

ولا يعني هذا أن لا ندعو بالجنة ولكن يبين الله لنا أن هؤلاء الذين امتدحهم كانوا يعيشون في خوف وطمع ونحن نعيش في طمع فقط.

(وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ)
[سورة الشعراء 82 – 87]

خوف ورجاء وخوفه سبق رجاءه واتبع رجاءه بخوفه.

إبراهيم عليه السلام لم يضمن لنفسه أن يكون مسلما!!
فدعا ربه أن يجعله مسلما له.
متى هذا؟ عندما كان فتى؟
لا
عندما رزقه الله على الكبر اسماعيل؟
لا

عندما كبر اسماعيل؟
لا
بل عندما بنى الكعبة هو واسماعيل عليهما السلام !!
ونحن ليس فقط ضمنا لأنفسنا الإسلام الحق بل ضمنا لأنفسنا الجنة!!!

استمعوا لقوله تعالى:

(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
[سورة البقرة 128]

ابراهيم عليه السلام لم يضمن قبول عمله
بنى الكعبة المشرفة . عمل عظيم قام به هو وابنه فقط ولكن لم يضمن لنفسه قبول عمله فدعا ربه:

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
[سورة البقرة 127]

بل أنه لم يضمن لنفسه الثبات على الدين!!!
فدعا ربه أن لا يعبد الأصنام !!!
تأملوا دعاءه:

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)
[سورة إبراهيم 35]

تأملوا حال الذين يزكون أنفسهم
وركزوا على أن هؤلاء يعترفون بوجود الله ويدعونه

(لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ *أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً *وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي ((إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى))*ٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ)
[سورة فصلت 49 – 51]

ضمن أنه له للحسنى مع أنه في شك من الآخرة.

بل وقد يفسر الغافل نعم الله أنها كرامات ولا يعلم أنه ابتلاء من الله ليرى ماذا يصنع وكيف يتعامل مع هذا الإبتلاء والكثير يفشلون.

أعود وأذكر بأن موضوع التزكية موضوع خطير ومنتشر ولابد من اليقظة والتنبه لوساوس الشيطان في هذا الأمر لنتمكن من تدبر القرآن واستشعار كل آية فيه.

موضوعنا اليوم شائك وقد يكون مثير للجدل ولكن الآيات تعيدنا لرشدنا فهي واضحة وبينة.

نواصل غدا إن شاء الله فتابعوني..

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *