بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
بدأنا بالأمس مرحلة التشويق للجنة وذكر فريق من أصحاب الجنة وهم السابقون السابقون.
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ)
[سورة الواقعة 10 – 14]
واليوم بإذن الله تعالى سنذكر نعيم أولئك السابقون.
المطلوب منكم أن تستشعروا وتتخيلوا وجودكم هناك في ذلك النعيم..
(عَلَىٰ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)
[سورة الواقعة 15]
انتهى السباق فحق لهم الإرتياح.
لطالما تعبوا من طول القيام ومن المسابقة في الخيرات فكان أول ذكر للجزاء لهم هو السرير.
يا الله!
لن يشعر بالسعادة بهذا الجزاء إلا من حُرِم من النوم والراحة في سبيل الله.
لأقرب لكم المثال..
تخيل رجلا في الصحراء قد تاه لأيام بلا ماء فهل تظنون أن الذهب يفرحه في تلك اللحظة؟
لا! إن أقصى أمنياته لحظتها هي جرعة باردة من ماء صاف نقي.
كذلك المسابق في الخيرات لسنوات وسنوات وهو في حالة سباق فإن أقصى أمنياته هي الراحة بعد التعب.
(عَلَىٰ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)
[سورة الواقعة 15]
العطِش سيتمنى الماء البارد دون أن يهتم لشكل الكأس فكيف إذا كان الماء في كأس جميل وثمين وأنيق ترى كيف يكون شعوره؟
(عَلَىٰ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)
[سورة الواقعة 15]
وسرر السابقون السابقون ليست كأي سرر من سرر الدنيا بل هي سرر لا تخطر على قلب بشر.
هي سرر موضونة بمعنى مزينة بالذهب والجواهر تخيلوا سريرا زخارفه الفخمة الأنيقة من اختيار الله البديع ومزين باختياره جائزة للمقربين منه. شيء يفوق الخيال..
سرر لم يصف الله لنا فرشها الخارجي لأن الوصف لا يمكن لنا استيعابه من شدة الفخامة والجمال أو ربما لأن خامتها ليست من خامات الدنيا ولكنه وصف لنا بطانتها لندرك أن ما فوقها شيء أجمل بكثير.
(مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ فُرُشٍ ((بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ۚ)) وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ)
[سورة الرحمن 54]
والإستبرق هو نسيج حريري سميك منسوج بخيوط الذهب!
هذه البطانة فهل نحن قادرين على تخيل الظهارة؟!
في الدنيا قد تكون البطانة ب ريال والظهارة على أقل تقدير 3 أضعافها وهذا للثياب البسيطة جدا أما بالنسبة للثياب الفخمة فمتر الظهارة يصل ل20 ريالا وقد يزيد اضعافا.
فكيف هي الظهارة لبطانة حرير منسوجة بالذهب؟!
(عَلَىٰ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)
[سورة الواقعة 15]
فما هو عملهم وشغلهم؟
(مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ)
[سورة الواقعة 16]
إنه الإتكاء هذا هو شغلهم
الراحة ثم الراحة ثم الراحة
بعد ذلك الجهد الكبير.
يتقابلون مع من شاركوهم الطريق. مع من تسابقوا معهم ليتمتعوا بالراحة معا صحبة رائعة مع راحة تامة.
فماذا لو جاعوا أو عطشوا هل يقومون لتحضير زادهم؟
لا فالراحة هي أن يأتي الطعام والشراب إليهم وهم متكئين على تلك الأرائك.
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)
[سورة الواقعة 17 – 21]
تخيل معي الوضع..
أنت على الأريكة تتبادل الحديث مع أحد الأنبياء أو الشهداء الصالحين. تتمتعون بالأحاديث الطيبة الممتعة.
ويمر حولكم ولدان مخلدون من شدة أناقتهم وجمالهم وعددهم وانشغالهم بخدمتكم إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا!
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا)
[سورة اﻹنسان 19]
عندما ترى في الدنيا مطعما قد ارتدى الندل فيه ملابس نظيفة وأنيقة تسعد وتطمئن لنظافة الطعام فكيف بطاقم خدمة كأنهم اللؤلؤ المكنون.
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ)
[سورة الواقعة 17]
ولدان لا تخشى موتهم ولا مرضهم ولا كبر سنهم بل يظلون ولدانا غلمانا للأبد في خدمتك.
في الدنيا إن حصلنا على خادم واحد أو طاقم خدمة فإنهم يمرضون أو يموتون أو يغادرون…
في الجنة هم لخدمتك للأبد بنفس الجمال والقوة والصحة. فاطمئن أنت لن تتعب أبدا.
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)
لا يقدمون لك كوبا واحدا وإنما الأباريق جاهزة بالمزيد والمزيد من شراب الجنة وليس كأي شراب من أشربة الدنيا الفانية.
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)
ولن يقدموا لك صنفا واحدا من الفاكهة ولا عشرة ولا عشرون بل من كل فاكهة تختارها أنت وتحبها فكل الفواكة متوفرة طوال الوقت ولن تنتظر الصيف أو الشتاء لتحصل عليها..
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)
ولحم طير مما يشتهون..
لن يُقدم لك صنفا واحدا من الطيور ولا صنفين ولا عشرة بل من كل صنف تشتهيه فهو متوفر لتختاره.
فتخيل لحوم الطيور التي تحبها مطهية في الجنة فكيف يكون طعمها يا ترى..
فهل هذا فقط شغلهم؟
اتكاء وخدمة وطعام وشراب؟
لا!
تابعوا معي الدرس القادم لتعرفوا..
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.