بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
نتعلم اليوم كيفية التعامل مع آيات الشريعة وآيات المواعظ وآيات الأوامر والنواهي وفي الواقع التفريق بينها صعب لأنها قد تجتمع كلها في آية واحدة.
كما في قوله تعالى
(إِنَّ اللَّهَ ((يَأْمُر))ُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ ((وَيَنْهَى))ٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ ((يَعِظُكُمْ)) لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
[سورة النحل 90]
نجد أمرا ونهيا وموعظة.
نتكلم أولا عن التعامل مع آيات الشريعة من منطلق هذه الآية:
(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ (شَرِيعَة)ٍ مِنَ الْأَمْرِ (فَاتَّبِعْهَا) وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
[سورة الجاثية 18]
إنه الإتباع لما يرد فيها.
فعلى من يتولى أمر المسلمين سواء كان الرسول عليه الصلاة والسلام أو الخلفاء الراشدين من بعده أو الملوك والحكام اتباع شرع الله في الحكم.
تأملوا معي ..
(و((َأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَق))ِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ((ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه))ُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ ((شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)) ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
[سورة المائدة 48]
إذن المطلوب منا عند تدبر آيات الشريعة أن نتبعها وأن نعمل بها وأن نسأل أنفسنا أين نحن من هذه الآية؟
هل طبقناها؟ أم تجاهلناها واتبعنا أهواء الذين لا يعلمون؟
نأخذ مثالا:
يقول الله تعالى:
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[سورة المائدة 38]
هذه آية شريعة فيها حكم شرعي وقانون وتشريع.
أولا: نستخرج ذكر الله وتسبيحه
فاقطعوا: فعل أمر من الله عز وجل
الله: لفظ الجلالة
الله: لفظ الجلالة
عزيز: اسم الله عز وجل
حكيم: اسم الله عز وجل
ثانيا: نقرأ الآية بصوت مسموع مع التركيز على ذكر الله في الآية.
ثالثا: التفاعل مع الآية والتفكر فيها.
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[سورة المائدة 38]
والسارق والسارقة سبحان الله قدم السارق على السارقة لأن السارق هو من يدفع السارقة للسرقة بعدم الإنفاق عليها ومن ثم توجهها للسرقة ولم يكتفي بذكر أحدهما فالإثنين مذنبان بنفس الدرجة والعقوبة لهما بنفس المقدار وهذا من عدله سبحانه.
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[سورة المائدة 38]
(والسارق والسارقة..)
ما بهما يا رب؟
(فاقطعوا أيديهما)
يا الله!
عقوبة شديدة تدل على عظم الذنب فهو حد من حدود الله.
(ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[سورة المائدة 38]
لماذا يا رب نقطع أيديهما؟
(جزاء بما كسبا نكالا من الله)
سبحان الله سمعنا وأطعنا وهذا شرعك وأنت أحكم الحاكمين.
ثم نرى أنه ختم الآية باسميه عزيز حكيم.
فهو عزيز عن هؤلاء لا يذلهم في الدنيا بفقد أيديهم والتشهير بهم وما جعله إلا ليخوفهم ويمتنعوا عنه وهو غني عن ذلك وإنما شرعه لأجلنا حكمة منه لأنه لا يريد لنا العذاب الأكبر في نار جهنم خالدين فيها. فعذاب قطع اليد في دنيا فانية خير من عذاب أليم مستمر بلا انقطاع ولا تخفيف في الدار الباقية. وكذلك ليبقى المسلمون المتبعون للآية في أمن وأمان من السرقات وقطع الطرق ليحييوا حياة طيبة.
رابعا: أسأل نفسي أين أنا من هذه الآية.
هل اتبعتها بترك السرقة؟ هل كرهت هذا التشريع الذي أنزله الله؟ هل سعيت لتطبيقه؟
خامسا: الدعاء بأن يعينني الله باتباع شرعه.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عن من سواك وثبتنا على شرعك.
مثال آخر:
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
[سورة النور 2]
أولا: نستخرج الذكر والتسبيح
فاجلدوا: فعل أمر من الله
لا تأخذكم: نهي من الله
الله: لفظ الجلالة
بالله: لفظ الجلالة
وليشهد: فعل أمر من الله
ثانيا: قراءة الآية قراءة ذكر وتسبيح بصوت مسموع.
ثالثا: التفاعل والتفكر في الآية
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
[سورة النور 2]
(الزانية والزاني) سبحانه قدم الزانية على الزاني لأنها هي من تدعو الزاني للزنى بخضوعها في القول وابدائها لزينتها ولفتها لنظره.
(الزانية والزاني) ما بهما يا رب؟
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ )
يا الله! عقاب أليم وشديد ولا يدل ذلك إلا على عظم الذنب!
يا الله هل لنا أن نخفف ذلك العقاب؟ أن نشفق عليهم منه؟ أو أن نعفيهم؟
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ ((وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر))ِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
[سورة النور 2]
((وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر))ِ
يا الله! نهي شديد اللهجة بأن نرأف بهم في هذا الحد وقرن اتباع هذا الشرع بالإيمان به وباليوم الآخر.
بمعنى إن كنت مؤمنا بالله واليوم الآخر فلن تأخذني بهم رأفة في دين الله أما إن كان إيماني ضعيفا أو معدوما فستأخذني بهم رأفة.
ولكن يا رب هل لنا أن نطبق عليهم الحد في الخفاء في السر لنستر عليهم ولا نفضحهم؟
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ ((وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ))
يا رباه! عذاب جسدي وعذاب نفسي شديد!
لماذا؟
ليخوفنا من الإقتراب من هذه الجريمة ولأن هذا العذاب وإن كان شديدا فهو خير من انتشار الزنى في المجتمع بلا حسيب ولا رقيب فيسقط بعدها بجهالة الكثير جدا في نار جهنم خالدين فيها. وكذلك هذا خير من قتل الأجنة والمواليد الغير شرعيين أو رميهم بلا رحمة.
رابعا: اسأل نفسي أين أنا من هذه الآية
هل اتبعتها بحفظي لفرجي ؟ هل كرهت هذا التشريع الذي أنزله الله؟ هل سعيت لتطبيقه في المجتمع؟
خامسا: الدعاء
اللهم احفظنا واسترنا ولا تهنا واحفظ شباب وشابات المسلمين من هذا الذنب العظيم.
هذه الأمثلة فقط لنسأل أنفسنا عن مدى اتباعنا للقرآن ونتبع آياته.
لا يفضل للمتدبر الذي لا يملك علوم الفقة والشريعة الكتابة فيها إلا بهذه الطريقة فلا يدخل في التفاصيل للأحكام الشرعية ولا في الخلافات الفقهية.
أهم شيء هو تعظيم الله منزل هذه الشريعة واستشعار أهمية العمل بها واتباعها واسقاطها على النفس أين أنا من هذه الآية. والرجوع لأهل الفقه والشريعة إذا أشكل علي حكم شرعي وعدم محاولة استنباط الأحكام بنفسك دون وصولك لمرحلة من العلم تؤهلك لاستنباط الأحكام الشرعية.
نأخذ أمثلة إضافية لآيات الشريعة لتمييزها عن غيرها من الآيات.
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
[سورة النور 4]
(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
[سورة البقرة 229]
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)
[سورة النساء 11]
حان الآن دوركم في التطبيق..
استخرجي آية من آيات الشريعة وطبق عليها الخطوات السابقة. اكتب بما لا يقل عن ٤٠ كلمة.
وارسل اجابتك في تعليقات هذا الدرس.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك