بسم الله الرحمن الرحيم .وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا علما وحكمة من لدنه إنه هو العليم الحكيم.اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا
بإذن الله نتعلم اليوم كيف تكون نفسي محركة لنفسها ذاتيا في التسبيح والذكر الكثير وبالتالي القيام واطاعة أوامر الله كلها مرتبطة ببعضها
والسر هو تخيلوا أنه في التأمل والتفكر !
الأنبياء عليهم السلام بدأوا حياتهم في التأمل
النبي عليه الصلاة والسلام كان يتأمل في الغار وكان يشتغل في الرعي وهي مهنة التأمل وامتهنها كثير من الأنبياء
مثل موسى عليه السلام
(قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ) [سورة طه : 18]
وكذلك شعيب عليه السلام
(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة القصص : 27]
اجره لأنه أصبح شيخ كبير
وكذلك داوود عليه السلام قبل الحرب مع طالوت كان راعيا للغنم
الشاهد أن التأمل هو البداية وهو ان أردت الإستمرارية في التسبيح
ومنهج سيدنا ابراهيم واضح عندما أحال قومه لتأمل الكواكب التي يعبدونها
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) [سورة اﻷنعام : 76]
(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) [سورة اﻷنعام : 77]
(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [سورة اﻷنعام : 78]
والتأمل والتفكر في الكون يؤدي بك تلقائيا للتسبيح والذكر الكثير القلبي
نتفكر لنحب
اذا تفكر ستحب ربك حبا كبير
والإنسان عندما يحب انسان أو شيء يذكره طوال الوقت مع جميع الناس
بمعنى تصبح من الذاكرين الله ذكرا كثيرا لأن حبه يشغل قلبك لا غيره وكل إناء بما فيه ينضح وما في قلبك سيخرج في لسانك
شعروا بالحب لخالقهم فعبدوه وأطاعوه حبا له
ولو تلاحظوا الآيات المكية كثير منها في التأمل لأنها تبني الحب والإيمان
فإذا أحبوه أحبوا رسالته التي هي منه
عندما تشتاق أحدا تحبه ويرسل لك رسالة كلها حب ووعود ونصائح ورحمة كيف تتعامل مع الرسالة؟
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [سورة يونس : 57]
(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [سورة يونس : 58]
ستفرح بالرسالة وستطبق كل ما فيه من حبك له
وكذلك بالليل يخلوا كل حبيب بحبيبه فماذا يفعل المحبون لجلاله؟
(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [سورة السجدة : 16]
والله لو أحببته حقا ستتجافى عن المضجع تلقائيا بدون أدنى مشقة أو تعب بالعكس تتجافى وكلك شوق للقائه
رسايل الأحبة كيف نقراها مرارا …نفس الشي القرءان رسائل الله ان أحببناه نكررها مرارا ونشعر انها جديدة في كل مرة والايات لها احساس جديد في قلوبنا كل مرة
وهذا كله يأتي بعد التأمل والتفكر لأنك بذلك تتعرف عليه من آثاره وتحبه
ولذلك جميع المتقين وجميع أولو الألباب تتجافى جنوبهم عن المضاجع
يعني البداية هي التأمل والتفكر اعطيه اهتمامك ووقتك .
لا تتأمل دقيقة أو أقل وتقول تأملت !
التأمل يحتاج هدوء وتفكر وتركيز ساعة بكرة وساعة أصيلا .سواء في الكون أو في الآيات ويفضل الربط بينهما
وإذا وصلت لهذه الحالة فليس معناه خلاص وصلت فالنزول من الجبل أسهل من الطلوع
لابد أن تستمر للأبد لأنه طاقة شحن ايمانية عالية تكفيك من محطة إلى وقت المحطة الأخرى وإذا وجدت نفسك تتأمل ولا تنشحن ذكر كثير أو أن الذكر لا يستمر إلى الوقت الذي بعده فمعناه شيئين
الأول: انك ما شحنت بما فيه الكفاية ربما الأسلوب خاطئ أو الوقت غير كافي
الثاني: انك استفرغت طاقتك التي شحنتها بالذكر الكثير بسبب لغو أو معصية أخرى
إذن إذا أردت طاقة أو محرك ذاتي للذكر الكثير القلبي عليك بالشحن يوميا تأملا وتفكرا بكرة وأصيلا
ولذلك مثل ما قلنا سابقا أن الإصطبار يكون مع الذين يدعون ربهم بكرة وأصيلا
وكذلك لو لاحظنا أن زكريا عليه السلام كان قائما يصلي في المحراب فأمره ربه أن يسبحه بكرة وأصيلا .
وأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [سورة اﻹنسان : 25]
وأمر المؤمنين
وسبحوه بكرة وأصيلا
لن تجد غافلا يدرك أهمية التسبيح
الأمة أكثرها غفلت عن التأمل والتسبيح واعتبروه هواية أو فضل أو شيء خيالي للحالمين
لذلك ضاع الذكر الكثير ومعه ضاع القيام
وأصبحت العبادات شاقة والأوامر صعبة عليهم
وألنا له الحديد
داوود عليه السلام كان من المسبحين وألان الله له الحديد وأسال لسليمان عين القطر
فما بالكم بالحدود حدود الله ألا يسهلها علينا الله بتسبيحه
الآن أعطيكم آيات نتفكر فيها
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) [سورة ق : 1]
هذه الآية بدأت بها سورة ق وأقسم بأن هذا القرآن مجيد
يعني ذي المجد يؤدي بنا لتمجيد الله وسبحان الله كلها آيات تفكر وتأمل
(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) [سورة ق : 2]
استعجبوا أن يكون نذيرا لأنهم لم يتأملوا فأعطاهم آيات التأمل لعلهم يتفكرون ويتعرفون عليه (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [سورة ق : 3]
اعترفوا أنهم سيكونون ترابا بعد موتهم وما تفكروا لماذا تراب بالذات!
لم يتفكروا أنهم تحللوا وعادوا لحالتهم الأصلية التي خلقوا منها
لأنهم لو تفكروا لماذا تراب بالذات لعرفوا أصلهم وأنه رجع ليس ببعيد . تأمل التراب كيف لتراب أن ينطق ويتحرك ويفكر ؟!
هذا هو العجيب وليس العجيب أن يأتي نذير من الذي حولنا من تراب إلى بشر
(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) [سورة الصافات 12
الرسول يعجب من خلق الانسان من طين وبه من دقائق الخلايا والدم والعظم والعضلات .
وهم يسخرون ان الله سيحيينا كاملين كما كنا .
عندما نتفكر في تحلل الأشياء
وبعدها بآيتين تبدأ آيات التأمل
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) [سورة ق : 6]
(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [سورة ق : 7]
مقارنة بين الآيتين السماء فوقنا والأرض تحتنا
ولكن الأرض عبارة عن ألواح قارية بينها فروج
ولكن السماء ما لها من فروج قطعة واحدة كيف بناها الله هكذا ؟
وبهذا الحجم الضخم؟!
زين السماء بالكواكب والنجوم والشمس والقمر . والآية تحتها زينها بالنبات من كل زوج بهيج (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [سورة ق : 7]
الرواسي تستخدم للسفن فهي لا تثبت على الماء المتحرك وتظل التيارات والأمواج تحركها فالراوسي تطلع من السفينة تخترق الماء الغير ثابت لتثبت على الأرض الثابتة بالأسفل وهكذا تحد من تحرك السفينة
وكذلك الأرض مدها سبع أراضي سبع قارات على صهارة متحركة مثل البحر والألواح مثل السفينة متحركة
ووصف ربي سفينة نوح بالألواح
(وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) [سورة القمر : 13]
ثم جعل لهذه الألواح رواسي كما في السفن لتثبت وتستقر تسقط من اللوح مرورا بالصهارة الغير ثابتة إلى الأرض الثابتة الصلبة تحتها
والله سبحانه جعل الفلك آية نتفكر فيها فهل تفكرنا بنعمة قرار الأرض؟
وهذه الرواسي يوما ما سترفع
(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً) [سورة الحاقة : 14]
عندها ستهتز الأراضي وتتخبط بعضها ببعض وتحدث زلازل عنيفة
إذا زلزلت الأرض زلزالها
تخيلوا الدقة في وضع الرواسي على كل لوح قاري !
الوزن المناسب حتى لا تميد بنا وفي الوقت المناسب
جرب أن تضع لوح خشبي على حوض ماء وضعي الأثقال على جوانبها بنفس الوزن وبدقة عالية ونفس الوقت حتى لا تميل
يوما ما هذه الأثقال ستنسف ويترك الله الأرض بلا رواسي إلا سرابا
وبعدها يقول
(تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [سورة ق : 8]
هذه الآيات تبصرة تبصرنا وتذكرنا بالله واليوم الآخر لكل عبد منيب لأن العبد العاصي لا يبصر على عينيه غشاوة
ولذلك بعد آيات ينبهه أن يوما ما سيبصر عند فوات الأوان سيبصر ما فاته بعد أن تزال الغشاوة
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [سورة ق : 22]
العبد الغافل عن هذه الآيات سيبصر يوم لا ينفع الندم
نكمل آيات التأمل الكثيرة في سورة ق
(وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [سورة ق : 9]
هذا الماء المبارك هل هناك أحد ينكر بركته في انبات الزرع وسقي الناس والأنعام؟
(وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) [سورة ق : 10]
(رِزْقًا لِلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ) [سورة ق : 11]
المطر إذا نزل شهر كامل على الأرض ماذا يحدث لها ؟
كيف هي بركاتها ؟
عيون وبرك وأفلاج مليئة وحشائش وخضرة
والزرع والنخيل
الرزق يزيد أم لا يزيد؟
تجارة للمزارعين والتجار تزدهر البلد
هذه بركة الماء المبارك من السماء لأنه أمر حسي ومشاهد نصدقه ولكن!
بركة القرآن
(وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ۚ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) [سورة اﻷنبياء : 50]
الذكر مبارك ولكن بركته في ازدهار القلب وظهور ذلك سلوكا وخلقا في الجوارح
مع أنه ملموس عند أهل الذكر ولكن ينكره الغافلون
والقلب يحيا بالقرآن مثل ما تحيا الأرض بالماء
(وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) [سورة يس : 33]
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة اﻷنعام : 122]
ومثل ما تطلع من الأرض أنواع وأصناف من الزرع بعد الماء
زرع ، حب الحصيد ، ونخل باسقات ، وحشائش
كذلك القرآن حسب ما تتمسك به يخرجك إما زرعا وإما حبا وإما نخلا باسقا
تجد الحشائش تؤكل وتنتهي لا أثر لها وتجد حب الحصيد كل حبة تنتج مئات الحبات
وتجد النخله باسقة لها طلع نضيد عالية مرتفعة يسعى لها الناس وخيرها مستمر مئات السنين
السورة بشكل عام تركز على التأمل وعلاقته بالقلب المنيب السليم
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
انتهت الدورة بحمد الله