بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوتي الكرام هذا الأسبوع بإذن الله سننتهي من دروس تهيئة القلب للتدبر أتمنى أن تكونوا قد طبقتم في حياتكم ما سبق لكي تكونوا مهيئين للتطبيق العملي للتدبر.
وهناك ستظهر الإختلافات بين من هيأ قلبه وبين من اكتفى بالقراءة والإطلاع.
وكل من جاهد سيجد بإذن الله أن الله يفتح له باب التدبر واسعا للدخول فيه.
اليوم بإذن الله أخبركم عن قفل الغفلة عن ذكر الله وهو قفل يجعل القلب قاسيا كالحجر فلا يفقه القرآن.
تأملوا قوله تعالى:
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
[سورة الزمر 22]
وأفضل الذكر وأعظمه هو القرآن الكريم باتفاق العلماء فهو ما سماه الله عز وجل بالذكر في آيات عدة تأملوا معي الآيات:
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي ۖ بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)
[سورة ص 8]
وأيضا قوله تعالى:
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)
[سورة الحجر 9]
وقوله تعالى
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ص ۚ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ)
[سورة ص 1]
وآيات أخرى كثيرة كلها تبين أن الله عز وجل قد سمى القرآن ذكرا والذكر هي العبادة الوحيدة التي أمرنا بممارستها كثيرا ولم يذكرها إلا بالكثرة.
تأملوا معي:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
[سورة اﻷنفال 45]
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)
[سورة الشعراء 227]
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
[سورة اﻷحزاب 21]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)
[سورة اﻷحزاب 41]
إذن هو لم يأمرنا بالذكر فقط ولكن بالكثير منه ولم يمدح الذاكرين دون اضافة كلمة كثيرا إلى ذكرهم.
وهناك آيات كثيرة تبين فضل الذكر الكثير وبالمقابل ذم الله الذاكرين له قليلا وذم المعرضين عن ذكره والغافلين.
تأملوا معي:
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)
[سورة النساء 142]
هم يذكرون ولكن قليلا وسماهم بالمنافقين.
وتوعد المعرضين عن هذا الذكر بحمل الأوزار يوم القيامة
(كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ۚ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ ۖ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا)
[سورة طه 99 – 101]
وتوعدهم في الحياة الدنيا بالحياة الشاقة الضنكا ويوم القيامة يحشرهم عميا
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ)
[سورة طه 124]
ربنا رب العالمين أمرنا بذكره كثيرا و نهانا عن الغفلة عن ذكره .
تأملوا هذا النهي:
(*وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ*)
[سورة اﻷعراف 205]
فمن أعرض عن هذا الأمر (واذكر ربك) وعن هذا النهي (ولا تكن من الغافلين) كان جزاءه مخيفا جدا
تأملوا معي:
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)
[سورة اﻷعراف 179]
لماذا لهم قلوب لا يعقلون بها؟
لماذا لهم أعين لا يبصرون بها الحق؟
لماذا لهم آذان لا يسمعون بها الحق؟
لأن الغفلة عن الذكر بحد ذاتها قفل يقفل القلوب والأعين والآذان !
تأملوا معي..
(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)
[سورة النحل 108]
فكيف ننجو من هذا القفل المانع من تدبر القرآن وكيف تكون الكثرة في ذكر الله؟
الجواب هنا وهذه صفة أولو الألباب:
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
[سورة آل عمران 191]
كيف أذكر الله قياما وقعودا وعلى جنبي ؟
هل المطلوب مني حمل المصحف معي في كل وقت اقرأ منه طوال اليوم؟
لا
ولكن كلما سمعت أو قرأت ورددت الآيات أكثر ترددت في قلبك مدة أطول.
كلما رددت الآية أكثر تدبرت أكثر وكلما كان قلبك متفكرا أكثر .
وكلما تفكرت أكثر وربطت بين الآيات وواقع الحياة كلما كان قلبك في ذكر لله أكثر .
وكلما كان قلبك في ذكر لله أكثر قياما وقعودا وعلى جنبك كلما كان قلبك لينا هينا أكثر.
والله عز وجل يعطينا مثالا للذكر قياما وقعودا وعلى جنوبنا بمن يصاب بالضر فيبدأ بذكر الله بلا توقف قياما وقعودا وعلى جنبه
بين نداء
يا الله! يا الله!
وبين دعاء وتضرع
وبين قراءة القرآن
إلى أن يكشف الله ضره ثم يعود لما كان عليه.
(وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
[سورة يونس 12]
تأتي أهمية الذكر الكثير إخوتي من كونه يخرجنا من الظلمات إلى النور ويصلي علينا الله صلاة يرحمنا بها ويذكرنا بها في الملأ الأعلى
تأملوا قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)
[سورة اﻷحزاب 41 – 43]
فإذا كنت جادا في التخلص من هذا القفل المانع للتدبر فعليك البدء بترطيب قلبك ولسانك بذكر الله. وتابع الدرس القادم للتعرف على قفل آخر.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.