بسم الله الرحمن الرحيم وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا من لدنه علما وحكمة إنه هو العليم الحكيم. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.
من الأمور الهامة جدا والتي توصلك للخشوع والخضوع لله رب العالمين هو التعرف عليه من خلال آياته الكونية.
هي عبادة التأمل والتفكر في ملكوت السموات والأرض.
هي عبادة الأنبياء حتى قبل نزول الوحي عليهم.
هي العبادة التي وجهنا إليها ربنا في الآيات الأولى التي نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام.
(ِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي ((خَلَق))َ * ((خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ))
[سورة العلق 1 – 2]
وهو أول ما وجه ربي ابراهيم عليه السلام إليه
(وَكَذَٰلِكَ ((نُرِي)) إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ((الْمُوقِنِينَ))
و أول ما مارسه أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام في دعوة قومه لعبادة الله.
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ((رَأَىٰ كَوْكَبًا)) ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا ((رَأَى الْقَمَرَ)) بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا ((رَأَى الشَّمْسَ)) بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
[سورة اﻷنعام 76 – 79]
((فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ))* فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ)
[سورة الصافات 88 – 89]
لذلك عبادة التأمل هي أول ما يجعل قلبك خاضعا لربه.
وأول ما يجعلك تعظم خالقك
وأول ما يجعلك تخشاه وتخشع له
وبذلك يخر قلبك ساجدا لأوامره ونواهييه.
أول ما على العبد أن يلجأ إليه عندما يشعر ببعده عن ربه هو العودة للتعرف إلى ربه العظيم من خلال التأمل.
كما أنه أول ما على الداعية أن يدعو به الناس ليتعرفوا على ربهم ويعظموه ويحبوه.
وهو ما أمر الله به نبيه عليه الصلاة والسلام
(قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ َ)
[سورة يونس]
من الأمور التي تدل على أهمية النظر والتأمل في السموات والأرض هو عدد السور التي سماها بأسماء مخلوقاته في السموات والأرض.
تأملوا أسماء هذه السور
الأنعام
الرعد
النحل
النور
النمل
العنكبوت
فاطر
النجم
القمر
الحديد
القلم
الجن
الإنسان
المرسلات
البروج
الفجر
الشمس
الليل
الضحى
التين
العلق
الزلزلة
العاديات
التكاثر
العصر
الفيل
الفلق
وغيرها من السور
أيضا المئات من الآيات توجهنا وتدعونا للتأمل والتفكر والنظر في الكون.
بل إنها تزيد عن آيات الفرائض.
فالصيام مثلا ذكره الله عز وجل في كتابه مرتين فقط
ومع ذلك يحرص جميع المسلمين على صيام رمضان.
ولكن القرآن يعج بآيات التفكر والتأمل ولا يقوم بذلك إلا القليل.
هل تعلمون أن ملحدا آمن بوجود الله بمجرد أن تأمل عنقودا من العنب يوما فعرف أن لها خالقا؟!!!
وهل تعلمون أن عالما كان ملحدا ثم تأمل بعوضة يوما فآمن بالله وتابع التأمل حتى أصبح عالما في علوم اعراب القرآن وكتب المجلدات عن القرآن؟!
هو التأمل في الخلق….
فكيف إذا مارس مؤمنا هذه العبادة واستمر بها ؟!
أبينا ابراهيم عليه الصلاة والسلام كان مؤمنا متأملا فجعله الله من الموقنين.
(وَكَذَٰلِكَ ((نُرِي)) إِبْرَاهِيمَ ((مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض))ِ ((وَلِيَكُونَ)) مِنَ ((الْمُوقِنِينَ))
[سورة اﻷنعام 75]
وجهه للنظر في ملك الله في السماوات والأض.
لماذا؟
ليكون من الموقنين.
ونحن نرجو من الله أن يرينا ملكوت السماوات والأرض.
أن يوفقنا للتأمل والتفكر فيهما
أن يرزقنا ذلك
فقد تكون خارجا ولديك الفراغ ولكن لا يوفقك الله للتأمل والتفكر.
وقد تكون مشغولا وبالداخل ولكن يوفقك الله لذلك.
لذا نسأل الله أن يرزقنا ويوفقنا ويرينا آياته في الآفاق وفي أنفسنا.
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ((حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُم))ْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
[سورة فصلت ]
ليتبين لنا حقا ويقينا أنه الحق
التأمل في السماوات والأرض يشعرنا بعظمة الله وقوة حكمه وقيومته.
لذلك كلما ذكر عرشه الذي يمثل حكمه وقيومته ذكر معها خلقه للسماوات والأرض.
تأملوا هذه اﻵيات
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض))َ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى ((الْعَرْش))ِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
[سورة اﻷعراف 54]
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض))َ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى ((الْعَرْش))ِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعبُدوه ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)
[سورة يونس 3]
(الَّذِي ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض))َ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى ((الْعَرْشِ)) ۚ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)
[سورة الفرقان 59]
(اللَّهُ الَّذِي ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى ((الْعَرْشِ)) ۖ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)
[سورة السجدة 4]
(هُوَ الَّذِي ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى ((الْعَرْش))ِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
[سورة الحديد ]
لذا استمرارك في تأمل السماوات والأرض بصفة يومية يبقي قلبك معظما لخالقه بصفة يومية
فلا يجرؤ على معصيته.
فأهل المعاصي مشكلتهم أنهم يؤمنون بالله ولكن لا يعظمونه
(إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ)
[سورة الحاقة 33]
يؤمن به ولكن لا يؤمن به عظيما
أفضل مثال لذلك هو أول العصاة من الثقلين.
ابليس
هو يؤمن بالله فقد كلمه
يؤمن بوجوده ولكن لا يعظمه
لذلك عصاه ولذلك هو مستمر بالمعصية
كذلك في عالم الشهادة نرى الأبناء يؤمنون بأن الأب والأم هما والديهم وأنهما أولياء أمورهما وأن عليهما طاعتهما .
هم يعرفون ذلك جيدا
الإبن الذي يعرف حقا قدرهما هو فقط من سيطيعهما .
أما الإبن العاق فرغم معرفته لحقهما إلا أنه لا يقدرهما لذلك هو يعصيهما.
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ)
[سورة الزمر 67]
الوصول للخشوع القلبي يبدأ من هذه المحطة
((محطة التأمل والتفكر ))
ويستمر معه….
ويثبت على ذلك…
ليستمر قلبه خاشعا خاضعا ساجدا لربه
إلى يوم يلقاه!
ولكن بماذا يفيدني هذا الخشوع؟
تأملوا معي…
(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)
[سورة اﻷنبياء 90]
1- يجيب الله دعاءك
2- تصبح مسارعا مسابقا في الخيرات والأعمال الصالحة
3- توازن بين الخوف والرجاء ( رهبا ورغبا)
هذه الصفات تترافق مع خشوع القلب الذي يؤدي لخشوع الجوارح.
قلب يخشع = عين تخشع فتغض البصر
قلب يخشع= أذن تخشع فلا تسمع المحرمات
قلب يخشع = لسان يخشع فلا ينطق بالمحرمات
قلب يخشع = يد تخشع فلا تمتد للحرام
قلب يخشع = رجل تخشع فلا تسعى للحرام
(اللَّهُ الَّذِي ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا)) فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ((اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْش))ِ ۖ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ ((وَلِيٍّ وَلَا شَفِيع))ٍ ۚ ((أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ))
[سورة السجدة 4]
عندما تتأمل السماوات والأرض تعظم الله و…..
تدرك أمرا هاما..
هو أن الله عز وجل هو المتحكم في كل شيء .
أنت تعرف ذلك..
ولكني أعني أن ذلك يصبح يقينا في القلب لدرجة التوكل عليه فتتولاه وحده وترجوه وحده ولا تلجأ إلا إليه فيعزك ولا يذلك لمخلوق
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ((((((جَمِيعًا ۚ)))))) ..ُ)
[سورة فاطر 10]
لذلك المؤمن الحق دوما عزيز ولا يذل مهما حصل.
التأمل ليس تضييعا للوقت كما قد يتوهم بعض الناس.
ليست هواية
وليست لوقت الفراغ
التأمل استثمار غيبي مضمون
كيف؟!
ذلك ما سنتحدث عنه إن شاء الله غدا
تابعونا….
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
مشاهدة “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب” على YouTube – https://youtu.be/G5jVrWi5hK8
مشاهدة “أ . د . فاضل السامرائى عندما كنت ملحداً” على YouTube – https://youtu.be/foaQpAWDa2E