الدرس الرابع

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

لابد أنكم تشوقتم كثيرا لمعرفة أسرار القرآن وبإذن الله تعرفونها أو بعضا منها نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.
ولكن…
هناك مرض قلبي يصيب بعض من يتعلمون هذه الأسرار ولابد من معرفتها وتجنبها أو التخلص منها إن كانت موجودة ألا وهو مرض تزكية النفس.

ما هو هذا المرض؟
هو أن أظن أنني من عباد الله الصالحين وأن لي عند ربي حظوة وأنه يحبني ويعاملني معاملة الخاصة وأنني ١٠٠% لن يعذبني ولن يدخلني النار وأنني من أهل الجنة بلا شك!!

فقد يظن أنه مجاب الدعوة لأنه من المباركين وينسى أن الله قد أجاب دعاء ابليس المطرود من رحمة الله وهو في قمة المعصية ومع نيته الإستمرار وعدم التوبة إلى يوم يبعثون!!!
(قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)
[سورة الحجر 36 – 38]

فعن أي معاملة خاصة يظنها المزكي لنفسه عندما يتكلم عن إجابة الله لدعائه؟؟

أو عندما يرزقه رزقا واسعا يظن المزكي لنفسه أنه أوتي ذاك لأنه من المقربين لربه وينسى أن مفاتح خزائن قارون كانت تنوء بالعصبة أولي القوة من الرجال وخسف الله به وبداره الأرض!!!

(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)
[سورة القصص 76]

فعلى أي أساس يظن المزكي لنفسه أنه قد حصل على الرزق الواسع لأنه من الصالحين؟؟

أو عندما يحصل على ما يشتهيه حاضرا عنده كأن يشتهي أكلة فيجدها قد وصلت للبيت عن طريق الجيران أو الأهل أو الأصدقاء فيظن المزكي لنفسه أنه من الذين لهم حظوة عند ربه وينسى أن مريم الصديقة بنفسها لم تنسب حصولها على الرزق لعبادتها أو لحظوة لها عند ربها بل قالت إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.

(فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ ((إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ))
[سورة آل عمران 37]

أو يظن المزكي لنفسه أن الله يوفقه ويفتح له الأبواب في كل مكان لأنه يحبه وراض عنه وينسى أن قوم عاد آتاهم الله القوة الإقتصادية والثراء والعلم ولكنه أهلكهم بذنوبهم.

(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)
[سورة الشعراء 128 – 134]

ويظن المزكي لنفسه أنه بما أنه في نظر الناس من الصالحين وأنه يقدم الوعظ والنصح رغم تقصيره وانتكاسته أن قلبه ما زال بخير ولا يضع بباله احتمال أنه كان يقدم كل هذا لغير وجه الله إما رياء أو لأجر مادي أو لمصلحة دنيوية.

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ((أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا)) فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ)
[سورة اﻷحقاف 20]

الخلاصة أن المزكي لنفسه لا يصلح لطريق معرفة أسرار القرآن.
لماذا؟

لأن قلبه مريض والقلب المريض يكون عرضة لوساوس قوية من الشيطان الرجيم فيخلط له في دينه ويجعله يفهم النصوص والآيات بشكل خاطئ بل وسيوهمه الشيطان أن وساوسه ما هي إلا وحي من الله وصوته هو صوت الملائكة أو قد يصل لمرحلة يتوهم فيها أن الله يكلمه!!!
فيعيث فسادا في دينه متبعا وساوس الشيطان يطيعه في كل أمر ولو كان معصية ظاهرة بحجة أنه وحي خاص له من الله!!!
فيعبد الشيطان دون أن يشعر ويترك عبادة الله.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَٰؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ ۖ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ۖ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)
[سورة سبأ 40 – 41]

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)
[سورة اﻷنعام 22 – 24]

فما الحل؟؟؟

أن نكون كالأنبياء والصالحين الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم نطير بجناحي الخوف والرجاء فلا خوف يوصل للقنوط من رحمة الله ولا رجاء يوصلنا للتزكية.

فإن كنت تريد حقا أن تتعلم أسرار القرآن فلا بد أولا من أن تطهر قلبك من التزكية وتضع في قلبك احتمالية ٥٠% أنك من أهل الجنة و٥٠ % أنك قد تهوي للنار والعياذ بالله فهذا يبقيك متوازنا مسارعا للخيرات راجيا رحمة ربك.
فإذا تخلصت من هذا تابع معي الدرس القادم..

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *