الدرس الرابع عشر

بسم الله الرحمن الرحيم وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا من لدنه علما وحكمة إنه هو العليم الحكيم . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.

(وَمَنْ(( أَظْلَمُ ))مِمَّنْ ((ذُكِّرَ)) بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ ((أَعْرَضَ)) عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ ((الْمُجْرِمِين))َ مُنْتَقِمُونَ)
[سورة السجدة 22]

من أشد أنواع الظلم للنفس هو أن تأتيك الآية ثم تعرض عنها .

يأتيك أحد بآية ناصحا فتعرض عنه.

أو تسمع آية عند فتحك للمذياع أو للتلفاز والآية تعظك بأمر ما ثم تعرض عنها .

أو تحدث أمامك آية ( ريح عاصفة أو إعصار أو زلزال أو أمواج عاتية أو … ) ثم لا تتعظ وتعرض عنها.

أو يحدث لك تنبيها من ربك هي آية أيضا وعلامة على وجوده ومراقبته لك. ثم تعرض عنها.

أو تمر على آياته في السماء والأرض وما فيهما وما عليهما ثم تعرض عنها.

أو تقرأ آية تقع في قلبك وهي تعظك أو تنبهك . ثم تعرض عنها.

هذا هو ظلم النفس لنفسها.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ ((أَعْرَضَ)) عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ ((الْمُجْرِمِينَ)) مُنْتَقِمُونَ)
[سورة السجدة 22]

الإعراض عن الآيات جريمة كبيرة

هي جريمة شديدة جدا .

تخيل أن يقتل الإنسان شخصا بطريقة بشعة مثلا يقطعه قطعا وهو حي ويقتلع عينيه وهو حي ووو….

هذا تعذيب شديد وجريمة بشعة.
ولكن أن تكره نفسك لدرجة أن ترسل نفسك بنفسك لتعذب بأشد من هذا العذاب في نار جهنم خالدا فيها فهذه الجريمة تفوق كل الأوصاف.

(فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ)
[سورة الفجر 25]

عذاب لا يمكن تخيله !!

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)
[سورة السجدة 22]

أيضا من كان معرضا عن الآيات يكون مجرما في الدنيا لقسوة قلبه .

فقلة الذكر تقسي القلب، وقاسي القلب يكون قاسيا في تعامله مع الآخرين دائما.

(فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
[سورة الزمر 22]

تجده قاسيا مع زوجته وهي بالمقابل قاسية على زوجها.

قاسيا على والديه عاقا لهما.
قاسيا على أبناءه وبناته.
قاسيا على جيرانه.
قاسيا على الأيتام والمساكين قلبه لا يشفق عليهم.
قاسيا على إخوانه المسلمين من مذاهب أخرى يود لو يموتوا أو يقتلهم أو يكونوا من مذهبه.

قلبه قاس ولو لم يظهر ذلك.

ليس بقلبه رحمة أوعطف عليهم إن أصابهم مكروه.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)
[سورة السجدة 22]

يعرض فيصبح مجرما وإنه من المجرمين منتقم.

سماهم بالمجرمين .

وكذلك في موضع آخر سمى من يهجر القرآن مجرما لأن قلبه يقسو بقلة تلاوة القرآن أو بعدم تلاوته حق تلاوته.

(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ ((قَوْمِي)) اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ ((مَهْجُورًا)) * وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ ((عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِين))َ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)
[سورة الفرقان 30 – 31]

ردد الآية بتمهل

تخيل !!

الهاجر للقرآن هو عدو للنبي عليه الصلاة والسلام و من المجرمين!

مجرمين في حق أنفسهم

وعدو له لأنه ضيع الرسالة التي أفنى عمره عليه الصلاة والسلام من أجله

سبحان الله!

تأملوا معي قصة البقرة في سورة البقرة.

(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ و(َيُرِيكُمْ آيَاتِهِ) لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
[سورة البقرة 73]

كان إحياء الله للميت أمامهم آية عظيمة من آياته فقد شهدوا موته وأيقنوا أنه ميت.
ثم يأمرهم الله بذبح بقرة ويضربوه ببعضها فيحييه!!

و تخيلوا أن هناك من أعرض عن هذه الآية العظيمة!!!

ترى هل مرت بنا آيات عظيمة كهذه سابقا؟ كيف تعاملنا معها؟

هم أعرضوا عنها فقست قلوبهم بأشد من الحجارة!!!

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
[سورة البقرة 74]

بل إن الحجارة فيها الخير وخشية الله ويخرج منها الماء.

وكذلك آية رفع الله الطور فوقهم ليتمسكوا بكتابهم ويذكروا ما فيه.
ولكنهم رأوا الجبل فوقهم وفوق هذا أعرضوا !!!

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
[سورة البقرة 63 – 64]

لذلك قلوبهم قاسية

يأتيهم الكتاب فيعرضوا عنه فتقسوا القلوب

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ ((فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ)) ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)
[سورة الحديد 16]

في حياة كل منا موقف كتلك البقرة وكذلك الجبل

كيف كانت ردود أفعالنا ؟
هل صدقنا أم قلنا سحر مستمر

في هذا الزمان أصبح تصديق الأمور صعبا فإما يقولوا ( فوتوشوب) وإما يقولوا سحر .

أو أي شيء آخر.

وقفة للتذكر …

القاسية قلوبهم كالحجارة لا يفيدهم لا تنبيه ولا عذاب أدنى ولا يتضرعون أبدا لربهم إن أصابهم الضر.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
[سورة اﻷنعام 42 – 43]

فإذا أردنا الإستفادة من التنبيهات الربانية وتكون قلوبنا لينة سهلة نبيهة ومرهفة الحس نفعل العكس تماما .

كيف؟!

نصبح من الذاكرين الله كثيرا لكي تلين القلوب والجلود إلى ذكر الله.

(اللَّهُ ((نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا)) مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ((تَقْشَعِرُّ)) مِنْهُ جُلُودُ ((الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم))ْ ((ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ))ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)
[سورة الزمر 23]

ردد الآية بتمهل

(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ )

يخبرنا الله عن هذا الكتاب أنه أحسن الحديث .

ماذا يفعل هذا الكتاب؟

((تَقْشَعِر))ُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ ((تَلِين))ُ جُلُودُهُمْ و((َقُلُوبُهُمْ)) إِلَىٰ ((ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ))

إذن الخطوة الأولى لتليين القلوب هو بذكر الله.

أي الذكر؟

بأحسن الحديث ( القرآن الكريم)

ولكن الكثير يقرأون وما تزال قلوبهم قاسية؟

ذلك لأنهم لم يتلوه حق تلاوته..

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ ((حَقَّ تِلَاوَتِه))((ِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِه))ِ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
[سورة البقرة 121]

كيف نتلوه حق تلاوته؟؟

بأن نقرأه بتدبر فهو أنزل لذلك .

((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاه))ُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ((لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه))ِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)
[سورة ص 29]

لن تجد متدبرا للقرآن مستمرا عليه بشكل يومي وقلبه قاس.

قد تجد متدبرا سبق له التدبر سابقا ثم توقف فأصبح قاسيا.

أو متدبرا يتدبر أحيانا وأحيانا لا يتدبر يصبح قاسيا.

ولكن لن ولن ولن تجد متدبرا للقرآن مستمرا عليه يوميا بلا توقف ويقسو قلبه.

إذن الخطوة الأولى لكي ننتبه للتنبيهات الربانية هي:

تليين القلب بتلاوة القرآن بتدبر.

والخطوة الثانية هي:

التفكر والتأمل لتشغيل هذا القلب بالفكر ليكون نبيها مرهفا مستشعرا لأقل تنبيه.

((يُؤْتِي)) ((الْحِكْمَةَ)) مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ و((َمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ))
[سورة البقرة 269]

قلب حكيم .

قلب يفكر .

قلب يفهم ويركز.

قلب لبيب بالإشارة يفهم.

ماذا يفعل أولو الألباب يوميا؟

(الَّذِينَ ((يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ)) ((وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض))ِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
[سورة آل عمران 191]

وماذا بعد؟

(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ((لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ))(( وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ))
[سورة ص 29]

(أَمَّنْ هُوَ ((قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا)) يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ ((إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ))
[سورة الزمر 9]

وماذا بعد؟

(الَّذِينَ ((يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل))َ ((فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ)) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ(( وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ))
[سورة الزمر 18]

هؤلاء هم أولو الألباب.

فإن أردت أن تكون مرهف القلب لبيبا تفهم أقل الإشارات تأسى بهم.

ولن تتعب ولن تتعذب بالعذاب الأدنى لتنبيهك .

ولن تتصاعد حدة التنبيهات لتنتبه.

فالعذاب يتصاعد لمن لا ينتبه

(يسلكه عذابا صعدا)

لن يتركك الله الرحيم هكذا فريسة سهلة للشيطان لابد أن ينبهك.
فلو لم يفعل لعاتبته في الآخرة وقلت ربي لولا أرسلت إلي تنبيها لولا نبهتني

(وَلَوْلَا أَنْ ((تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)) فَيَقُولُوا رَبَّنَا ((لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا)) ((فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ))
[سورة القصص 47]

(وَلَوْ أَنَّا ((أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ)) لَقَالُوا رَبَّنَا ((لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا)) ((فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَىٰ))
[سورة طه 134]

ها قد جاءتنا الآيات ولنا الإختيار وقد وصلتكم جميعا.

(قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ )
[سورة يونس 16]

فهل هناك أمل أن تخشع قلوبنا وتلين وتخضع ؟

كيف يمكن أن تعود أمة محمد صلى الله عليه وسلم للريادة في هذا العالم؟

هذا ما سنتحدث عنه غدا إن شاء الله .

فتابعونا…

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *