بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أتمنى أن تكون قلوبنا قد أصبحت أكثر لينا وطهارة وتهيؤا لنزول الآيات فيها.
اليوم بإذن الله سنجتهد لكسر قفل آخر من أقفال القلوب وهو قفل الذنوب والآثام.
فهو قفل مانع من تدبر القرآن ويسبب الطبع على القلب فلا تدخل فيه آية ولا تخرج منه معتقداته الخاطئة السابقة.
تأملوا قوله تعالى:
(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)
[سورة اﻷعراف 100]
وتأملوا قوله تعالى:
(كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
[سورة المطففين 14]
وتأملوا أيضا إخوتي الكرام:
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)
[سورة الكهف 57]
كل تلك الآيات تبين لنا أن ما نكتسبه من الذنوب سبب في الطبع على القلوب وبذلك يكون الران مانعا لدخول الآيات للقلب وبالتالي مانعا للتدبر.
وخاصة عند التعمد ويذكره الناس بالله وبالتوبة ويصر ويستمر ويرفض التوقف عن الذنب.
ولا أقصد هنا الذنوب اللحظية بجهالة وبزلة غير متعمدة وبلا إصرار لأن المتقي قد يزل وقد يقع في الذنب ولكنه لا يصر ويسارع بالتوبة.
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
[سورة آل عمران 135]
كما أن الذنوب تقسي القلب فيصبح كالحجر لا تؤثر فيه الآيات ولا تدخله أصلا.
تأملوا أيضا هذه الآية:
(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
[سورة المائدة 13]
تأملوا معي هذه الآية:
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)
[سورة اﻷنعام 25]
ولكن هل الذنوب فقط بالجوارح؟
باليد والرجل واللسان والعيون والآذان؟
لا! بل حتى القلب يرتكب الآثام .
تأملوا معي:
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)
[سورة البقرة 283]
القلب يأثم فقط لكتم الشهادة فكيف بالذنوب القلبية الأخرى كسوء الظن والحقد والكراهية والرياء والنفاق وغيرها؟!
تأملوا معي:
(لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ)) فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
[سورة البقرة 284]
الله لا يحاسب على الخطرات اللحظية لأنها قد تكون من وسوسة الشيطان ولكن قبولك بالوسوسة ورضاك عنها واقترافك للذنب واستمرارك بها وعدم الإستعاذة و الإستغفار والتوبة منها هو ما تحاسب عليه.
(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ)
[سورة اﻷنعام 112 – 113]
إخوتي القرآن عزيز وغال جدا . هل رأيتم كيف نهتم بوضعه على رف عال لكي لا يعبث به أحد؟ أرأيتم كيف نهتم بعدم وضعه إلا في مكان طاهر ونظيف؟
هذا بالضبط ما يحصل للآيات
لن تنزل إلا على قلب راق تعالى عن الذنوب والمعاصي وتطهر منها.
والله عزيز لا ينزل آياته إلا في مكان طاهر ونظيف.
(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
[سورة الواقعة 77 – 79]
لذلك من كان يرغب بكل شوق ولهفة للشعور بنزول الآيات في قلبه عليه أن يدعو الله أن يعينه على ترك كل معصية مازال مصرا عليها ويعقد العزم على ذلك.
وفي الحقيقة حامل القرآن عليه أيضا أن يتصف بالورع .
فهل تعرفون ما هو الورع؟
الورع هو ترك ما لا بأس به حذراً مما به البأس وأصله قوله ( الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مشتبهات لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ من الناس فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الْحَرَامِ )
وهو مندوب إليه ومنه الخروج عن خلاف العلماء بحسب الإمكان فإن اختلف العلماء في فعل هو مباح أم حرام فالورع الترك أو اختلفوا فيه هل هو مباح أو واجب فالورع الفعل مع اعتقاد الوجوب.
لماذا الورع ضروري لمتدبر القرآن؟
لأنك تصبح قدوة شئت أم أبيت
والقدوة يحاسب بشكل مختلف
القدوة يضاعف له الأجر ولكن أيضا يضاعف له العذاب للأسف لأنه يكون سببا في إضلال الناس الذين يقتدون به.
(مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ۖ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا)
[سورة النساء 85]
أيضا تأملوا الآية التي تتكلم عن قدوات المسلمات وهن نساء النبي:
(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا)
[سورة اﻷحزاب 30 – 31]
بعد ما سمعتموه إخوتي كم منك يريد الإستمرار في هذا الطريق الذي في نهايته ثمرة رائعة في الدنيا والآخرة؟
من ثمرات المضي في هذا الطريق هو الحصول على الحكمة وهي التي وصفها الله عز وجل بالخير الكثير.
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
[سورة البقرة 269]
فقد جعل الله عز وجل جائزة المحسنين العلم والحكمة.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
[سورة يوسف 22]
أن تسلك هذا الطريق عليك بالورع وأن تزن الأمور بميزان الآخرة وفكر قبل الإقدام على أي ذنب.
(قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۚ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا)
[سورة الفرقان 15]
زن الذنب ولذته الزائلة التي يعقبها الندم والحسرة مع جنة فيها كل ما اشتهت الأنفس جزاء بما كانوا يعملون.
ولك الخيار
(إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)
فإن كنت ما زلت راغبا في سلوك هذا الطريق فتابعني …
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.