بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
يوم الواقعة يوم شديد لمن لم يعمل لها ولم يتذكرها.
هو يوم عصيب لكل من ارتاب فيها وكره ذكرها…
فيومئذ يتم توزيعك في أحد ثلاث مجموعات من الثقلين.
(وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)
[سورة الواقعة 7]
كل مجموعة منهم كانت تتصف بذات الصفات وتعمل بنفس الأعمال.
لديهم عامل مشترك يجمعهم.
ربما نفس المعتقدات وربما نفس الأفكار أونفس الأعمال والقناعات.
المهم أنك ستكون في إحدى المجموعات الثلاثة لا محالة ولكن السؤال المهم هو أي المجموعات ستكون فيها.
ولكن أريد منكم – وهذا ضروري لتحقيق التوازن بين الخوف والرجاء- أن تتخيلوا أنفسكم في كل مجموعة منهم أثناء التفكر في كل منها من خلال الآيات..
(وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)
[سورة الواقعة 7 – 10]
ثلاث مجموعات:
- أصحاب الميمنة.
-أصحاب المشأمة. - السابقون السابقون
والله يشوقنا في كل صنف منهم ليخبرنا عنهم. وليس ذلك ليمتعنا أو ليزيد من عدد آيات الكتاب حاشا لله وإنما هو شفاء رباني من مرض الغفلة للذين آمنوا ولا يزيد الظالمين إلا خسارا.
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)
[سورة اﻹسراء 82]
شفاء للمؤمنين من الغفلة والتسويف والكسل لينهضوا الهمم بداخلهم…
ويزيد الظالمين خسرانا بتكذيبهم لتلك الحقائق فيزدادوا ضلالا.
إذن لنتبع المنهج القرآني في التشويق والتعريف بكل مجموعة منهم..
نلاحظ أنه ابتدأ بالسابقون السابقون وكأنهم بسباقهم للخيرات سبقوا في ذكر الله لهم قبل الجميع.
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ)
[سورة الواقعة 10 – 14]
اختصر ربنا تعريفهم في كلمة واحدة لتحوي الكثير من المعاني….
أولئك (المقربون)
يا الله!
كم نتشوق لنكون من المقربين من رب العالمين!
تخيلوا معي مدى الجهد وكمية المجاملات والتحضيرات والخطط التي يبذلها البعض ليكونوا من المقربين لشيخ قبيلة أو مسؤول أو ملك من ملوك الدنيا فإذا حظي بالقرب نجده متفاخر وسعيد أنه نال القرب منه.
فكيف بمن يحظى بالقرب من ملك الملوك بعد أن سابق الكثير جدا وسبقهم!
تخيلوا سعادته يوم القيامة وهو يسمى ويصنف ضمن مجموعة المقربون!
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
[سورة الواقعة 10 – 11]
يا الله!
تخيل صوت يناديك يا عبد الله
ويا أمة الله تعالوا أنتم في زمرة المقربون من الله تعالوا هنا مع بقية المقربون!
استشعر سعادتك في تلك اللحظة وتخيل الذين معك في تلك الزمرة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين!
تخيلهم حولك وأنتم تتعانقون من شدة السعادة.
(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)
[سورة الزخرف 67]
فقد كنتم تسابقون للخيرات فتسبقون.
(أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)
[سورة المؤمنون 61]
فقد كانت هذه الصفة المشتركة فيكم وما جمعكم هو أنك كنتم تسابقون وقلوبكم لا تزال توجل خوفا من أن لا يتقبل الله أعمالكم خوفا من الشرك الخفي وتقدمونها مؤمنين محتسبين الأجر من الله.
(وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)
[سورة المؤمنون 58 – 61]
كنتم تقومون الليل تتلون كتاب الله وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولا تخافون في الله لومة لائم. فحق لكم أن تكونوا في زمرة السابقون السابقون.
(لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)
[سورة آل عمران 113 – 115]
فما هو الجزاء؟
(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)
[سورة الواقعة 12]
يا الله!
أليست أجمل وأثمن جائزة لسباق يستحق أن نتسابق فيه؟
كم تبدو الجوائز الدنيوية ضئيلة جدا وتافهة بجانب جائزة السابقون السابقون.
وكم تبدو المسابقات الدنيوية تافهة جدا وليست ذات جدوى ولا تستحق الجهد والوقت الذي نبذله من أجلها لأجل تلك الجائزة الرخيصة!
ترى هل السابقون المقربون عددهم كبير؟
لا! بل هم قليل في هذا الزمن!
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ)
[سورة الواقعة 13 – 14]
كانوا مجموعة كبيرة في بداية الأمة وكذا في كل أمة ولكنهم قلييل في نهايات الأمم حيث يضل الكثير عن الصراط المستقيم ويهتم بالمسابقات الغير مجدية وجوائزها الرخيصة ويترك السباق الأهم وهو سباق التقرب من الله للفوز برضا الرحمن وجنات النعيم.
إخوتي قد تضايقك بعض الأفكار أثناء قراءة الدرس مثل أن هذه الصفات لا تنطبق علي ولا أستحق أن أكون من القليل من الآخرين فكيف أستطيع تخيل نفسي معهم.
لا!
ارمي كل تلك الأفكار جانبا وتمتع بالتخيل فمجرد التخيل يعد حافزا للسباق وتحقيق الأهداف لذلك المنهج القرآني يكثر من جانب التخيل فقط تخيل نفسك وستجد الهمة الهائلة تتفجر في داخلك للسباق.
فهل تعلمون ما يجد السابقون السابقون في جنات النعيم تلك؟!
تابعوا الدرس القادم إن شاء الله.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.