الدرس الخامس عشر

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

لنراجع معا موضوع دورتنا وهو الوصول للخشوع وموازنة الشعور بين الخوف والطمع من خلال منهج سورة الواقعة لأننا لن نكون من الخاشعين إلا لو كنا نرجو لقاء ربنا ونوقن بذلك.

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
[سورة البقرة 45 – 46]

فالسورة بدأت مباشرة بذكر يوم القيامة وما فيه من أحداث وتوضيح المصير للفرق الثلاثة التي تنقسم لها الناس يومئذ مع ذكر النعيم الذي ينتظرهم إن كانوا من السعداء وذكر العذاب الذي ينتظرهم وأعمالهم التي كانت سببا لهذا المصير.

وأهم سبب هو الريب في هذا اللقاء وأعطانا ربنا عز وجل الشفاء من هذا المرض الخطير بالتفكر في آيات الله الكونية وهي متاحة للكل الجاهل والعالم والغني والفقير والكبير والصغير فذكر لنا التفكر في:
خلق الإنسان-النبات-الماء-النار.

ثم يوجهنا لنوع آخر من التفكر وهو التفكر في آيات الله القرآنية.

فيقسم أولا بأهمية هذا القرآن قسما عظيما.

(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ)
[سورة الواقعة 75 – 78]

فالتفكر في آيات القرآن مدخل مهم جدا في زيادة الإيمان..

تأملوا معي..

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ((وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا)) وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
[سورة اﻷنفال 2]

وهذه أيضا..

(وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
[سورة التوبة 124]

بل ومن لا يؤمن بآيات الله فلن يؤمن بالله أساسا!

(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)
[سورة الجاثية 6]

(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)
[سورة المرسلات 50]

بل حتى وإن رأى المعجزات أمام عينيه وسمعها بأذنيه وكلمها بلسانه فلن يؤمن بالله إن لم يؤمن بهذا الكتاب!

(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)
[سورة اﻷنعام 109 – 111]

إذن الإيمان بالكتاب يزيد إيمانك بالله. فإذا لم تؤمن به تزعزع قلبك وتاه.

فإيمانك بالله يقتضي التصديق بهذا القسم العظيم الصادر منه.

(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)
[سورة الواقعة 75 – 77]

يقسم بمواقع النجوم التي تتصف بالثبات حيث كان الناس يستدلون بها ليلا لمعرفة الطرق فهي لا تتبدل في مواقعها ولا تتغير فيتوهوا بسببها ليلا.

(وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)
[سورة النحل 16]

وكما أن النجوم كريمة بنورها الذي يهتدي به الناس حين يبصرونها بأعينهم فيهتدوا بها للطرقات؛ فكذلك القرآن كريم بآياته الثابتة التي لا تبديل فيها لكلمات الله تنير بصيرة قلوب الناس فيهتدوا بها للطريق المستقيم ولا يتوهون.

(وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
[سورة الشورى 52]

لذلك يقسم الله بمواقع النجوم المنيرة الهادية الثابتة أن هذا القرآن كريم فهل نصدقه؟

المؤمن وحده من يؤقن بها لأنه هو من يدرك أن هذا الكتاب مكنون كالدرة في محارتها ولا يصل لها إلا صاحب قلب مطهر.

(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
[سورة الواقعة 77 – 79]

فغير المؤمن الذاكر لن يدرك كرم القرآن وبحاره بمخزونه العظيم من كنوز العلم والحكمة والهداية ولن يزداد بها إيمان بل ولن يزداد إلا جحودا وخسارا.

(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ)
[سورة التوبة 125]

فإذا لم نؤمن بهذا الكتاب أنه منزل من عند الله (لا ريب فيه) وأضع مليون خط تحت لا ريب فيه فلن نزداد إلا خسارا.

ولماذا ركزت على كلمة لا ريب فيه. ذلك لأن مسألة الريب في كون هذا القرآن منزل من عند الله أيضا مشكلة كبيرة منتشرة مثلها مثل الريب في البعث والنشور ولكنها أيضا في القلوب وقد تصل للألسنة فيبوحون به.

وقد ذكر أيضا ربنا عبارة( لا ريب فيه) كثيرا مع ذكر الكتاب لعلمه السابق أنها مشكلة في النفوس.

(ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)
[سورة البقرة 2]

(وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَىٰ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
[سورة يونس 37]

(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
[سورة السجدة 2]

فهل نحن موقنون به بلا ريب؟

(أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)
[سورة الواقعة 81 – 82]

نحتاج لوقفة قوية مع الذات..

هل الآيات تزيدنا إيمانا ونوقن بأن هذا القرآن كريم وأنه معجز وأنه مكنون بكنوزه إذا غصنا في أعماق بحاره. أم أننا مدهنون؟

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *