بسم الله الرحمن الرحيم
بعض صفات المنافقين في مجال تصفية الملفات في سورة النساء :
في سورة النساء : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83).
(وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ) : دائماً المنافقون يزعمون الطاعة ، يدعون طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ما يأمرهم به .
(وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) : يعني في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ، عندما يكون هؤلاء المنافقين مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنهم يزعمون الطاعة ويدعون الامتثال والانقياد والإذعان ، وأنهم سيعملون وسينفذون وسيطبقون .
(فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ) : يعني خرجوا من عندك .
(بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) : يعني في قلوبهم يأتون بنية أخرى ، تعاكس تماماً وتخالف تماماً ما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام .
سورة النساء : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83).
(لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) : الشيطان أو القرين هو الذي يصدهم ، يصد المنافقين عن طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يأمرهم به.
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) : يعني هؤلاء لا يتدبرون القرآن ، ويشغلون أنفسهم بالإذاعة ، يذيعون الأخبار التي يسمعونها ، تلك الأخبار المتعلقة بالأمن أو الخوف ، يعني الأصل في هذه الأخبار أن يتوجهوا بها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى أولي الأمر ليبثوا فيها ، هل هي أخبار صحيحة أم أخبار خاطئة ؟، ولكنهم لا يفعلون ذلك ، بل يذيعونها والأنباء تنقسم الى قسمين:
1) أنباء تتعلق بمواجهة العدو
لأن مواجهة العدو قضية أمنية ، تتعلق بالأمن أو الخوف ، والله أشار إلى ذلك في نفس السورة سورة النساء عندما قال
سورة النساء : وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101).
الأنباء و الأخبار التي تتعلق بمواجهة العدو الأصل أن لا تذاع ، والأصل فيها أن لا يقضي فيها من هب ودب ، هذه القضايا يبث فيها القادة ، والقائد الأول هو النبي صلى الله عليه وسلم ، القائد الأول الذي يقود المسلمين ويوجههم في المعارك ضد الأعداء هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، في الأصل هذه الأنباء لا تذاع ولا تنشر ، قد تكون خاطئة ، قد يستغلها العدو للإيقاع بالمسلمين ، ولكن المنافقين يذيعونها ، يعني لا يتحكمون في ألسنتهم ، ولا يحيلون القضايا إلى أهل الاختصاص ، لا يحترمون أهل الاختصاص والتجربة والخبرة
سورة النساء : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83).
وهذا في القضايا التي تتعلق بمواجهة الأعداء ، وكذلك في القضايا التي تتعلق بالمعاملات ، الإنسان يتعرض فيها لأمور من قبيل الأمن أو الخوف
2) القضايا التي تتعلق بالمعاملات
ومن أمثلة ذلك :
سورة النساء : وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)
يعني عندما يسمع الإنسان بأمر يتعلق بالشقاق يكاد أن يقع بين زوجين ، الأصل فيه أن ينقل إلى الذي يصلح بينهما فقط ، ولا أن ينشر في المدينة ، ولا يذاع في القرية ، لكن المنافقين في أمثال هذا الأنباء ينشرونها في المدينة ويذيعونها في القرية ، ويتناقلونها ويتداولونها ، فتنتشر الفتنة ، والأصل فيها أن ترد إلى أهل الاختصاص ، الذين يعنيهم الأمر فقط ليس إلا .
سورة النساء : لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114).
من صفات المنافقين باختصار ، أن القضايا أو الأمور التي لا يطيقونها ولا يقدرون على البث فيها فإنهم يذيعونها وينشرونها ، يعني يكثرون من الكلام في ما لا يعنيهم ، والأمر لا يتوقف على هذا ، بل أن هذه الإذاعة تعود بالوبال وتحدث الفتنة والبلبلة والشقاق بين المسلمين .
سورة النساء : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83).
الكثير من المسلمين تأتيه أخبار تتعلق بالمعاملات ، مثل فلان بينه وبين فلان آخر نزاع أو صراع أو شقاق أو يكاد أن يحدث بين زوج وزوجته شقاق ، المنافقون لا ينقلون هذه الأخبار إلى أهل الاختصاص الذين يصلحون ذات البين ، بل أن هؤلاء المنافقون ينشرونها في المدينة ويذيعونها في القرية ، ويقومون ببثها في المجالس وفي الاجتماعات ، فتكثر الأراجيف .
سورة النساء : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)
هذا هو الأصل في القضايا المتنازع عليها ، سواء كانت مادية أو معنوية ، الأصل أن ترد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، ليبث فيها ويحكم فيها ، حتى أولي الأمر إذا تنازعوا ، عليهم أن يعودا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنه أمر بطاعتهم طاعة مقيدة وليست مطلقة .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)
ففي سياق الآية :
بالنسبة لله (أَطِيعُوا اللَّهَ) طاعة مطلقة .
وبالنسبة للرسول (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) طاعة مطلقة .
ولا يوجد (وأطيعوا أولي الأمر ) لذلك طاعتهم مقيدة ، لأنهم يمكن أن يتنازعون مع أنفسهم في ما بينهم .
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) : وهنا لم يذكر أولي الأمر .
سورة النساء : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65).
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)
هذه فئة من المنافقين الأصل أن تتحاكم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، ليبث في ما بينها من نزاعات وخصومات ، لكنهم لا يفعلون ذلك ، بل يتجهون بملفاتهم ويحملونها إلى الطاغوت ، يعني إلى الذين لا يحكمون بالعدل ، يأخذون الرشوة مثلاً أو يجورون ، والكثير من الناس من يفعل ذلك .
مثلاً : يعني قد يرى قاضي يحكم بالعدل ، يرى قاضي نزيه ويحكم بالعدل وبالقسط لا يجور ولا يحابي أحداً ولا يأخذ رشوة ، تجد هذا المنافق لا يتجه إليه ولا يحتكم إليه ، لكن إذا علم من شخص آخر ومن قاضي آخر أنه لا يحكم بالعدل بل يرتشي ويرعي القرابة أو يراعي جار له أو صديق ، فتجده يتجه إليه ، هذا هو الطاغوت ، الطاغوت أن تتجه إلى قاضي وأنت تعلم أنه يحكم لك بالباطل وهو يرعي القرابة والنسب والصداقة ، يعني هذا القاضي الطاغوت لا يجرأ على قول الحق ، يحابيك وهو يعلم أنك على باطل ، هكذا كان هؤلاء المنافقين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام .
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)
وكأن لسان حال هؤلاء المنافقين يقول : أنهم على استعداد لسماع القرآن ، لسماع الآيات التي تتحدث مثلاً عن الميراث ، لكن أن يتجهوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لينفذ فيهم تلك الآيات وليعطي لكل حقه حسب ما أنزل الله ، فإنه لا يقبل ، يعني يريدون قرآناً نظرياً ، لا قرآن تطبيق ، يريدون أن يعيشوا النظرية ، النظرية يرحبون بها ، أما التطبيق العملي والتجسيد الواقعي ، فهذا لا يقبلونه ، هكذا كان شأن المنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
(فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)
وهنا الله يبين سنة من السنن ، أن الإنسان الذي تأتيه فرصة لكي يقوم بتصفية ملف من الملفات التي تتعلق بالخصومات أو النزاعات ، بينه وبين أطراف أخرى ، ويفوت على نفسه هذه الفرضة ، فلينتظر أن تصيبه مصيبة من المصائب ، (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) ، وهنا المصيبة حلت عليهم بعد الإعراض عن التصفية ، وهكذا الكثير من المسلمين يجهلون هذه السنة ، يعرضون عن تصفية الملفات ، الملفات تبقى عالقة لسنين وسنين ، يعرضون عن تصفيتها ، وتحل بهم المصائب .
سورة النساء : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65).
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
والمنافقون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، كانت لهم شبهة ، وكأن لسان حالهم يقول ، يعني يقولون لرسول صلى الله عليه وسلم بلسان حالهم :
((كنت في مكة تبلع القرآن والإسلام والدين ، يعني لم تكن قائداً في مكة ولم تكن قاضياً ولم تكن لك القيادة في مكة ، وعندما أتيت إلى المدينة ، واستقبلناك ورحبنا بك ، صرت تحكم فينا ، يعني من خول لك هذا ))
والله بين لهم ذلك ، قال لهم : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) ، يعني هذا الرسول ليست قضية شخصية ، ليس هو الذي يريد هذا الشيء ، وإنما الله هو الذي أمر بهذا .
( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)
توبة هؤلاء المنافقين تظل مفتوحة ، يعني أبوابها مفتوحة ، لكن بشرط أن يستغفر لهم الرسول ، يعني لا يكفي التوبة بينهم وبين الله تعالى ، بل هناك حق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دعاهم إلى التصفية كي يحكم بينهم ، ولما حان الموعد لم يكونوا حاضرين ،
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ ) هذه توبة بينهم وبين الله تعالى ، لكن هذه لا تكفي ، (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)، وهذا يقتضي أن يأتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويقدموا له الاعتذار ، لا بد أن يعتذروا لأنه دعاهم إلى التصفية ، ولما حان الموعد أعرضوا ولم يأتوا .
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ) : الله تعالى يقسم باسمه الرب ، أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا الرسول عليه الصلاة والسلام ، نفى عنهم الإيمان ، لم يقل فلا وربك لا يؤمنوا حتى ينطقوا بالشهادة ، الشهادة الله يريدها أن تكون عملية ، سلوكية في المجتمعات وأخلاقية في المعاملات .
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) : حتى يجعلوك حكماً في ما بينهم ، يجعلوك حكماً في ما شجر ، الشجار ومنه الشجرة لأن أغصانها ملتفة ومتشابكة ، وهؤلاء فعلاً ملفاتهم متشابكة ، خصوماتهم ونزاعاتهم حول متاع الدنيا .
(ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ) : القاضي الأول للمسلمين هو الرسول عليه الصلاة والسلام ، إذا قضى بحكم عليهم أن يطبقوا ، عليهم أن لا يناقشوا ، وأن لا يجادلوا ، وأن يستسلموا لهذا الحكم ، إذا فعلوا ذلك كانوا مؤمنين ، أما قبل ذلك فلا .
يتبع…