الدرس الحادى والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لنا صدرونا ويسر لنا أمورنا واحلل عقدة من ألسنتنا يفقهوا قولنا.

درس اليوم هو عن تدبر سورة بأكملها وهذا يختلف عن تدبر الآيات كل واحدة على حدة.
ففي تدبر الآية الواحدة يعلمنا الله فيها العديد من الفوائد والعبر بينما عندما أتدبر السورة ككل أعتمد المعنى الذي له علاقة بموضوع السورة ككل.

بمعنى قد تجد العديد من الفوائد للآية ولكن ركز على الفوائد التي ترتبط بموضوع السورة.

فكل سورة هي رسالة من الله مكتملة المعاني تؤدي لفكرة اجمالية لموضوع واحد وقد يظهر ذلك من عنوان السورة.

واسم السورة نجده مذكورا في أحد آياتها ومنها يمكننا نوعا ما استنتاج سبب تسميتها ونجد بأن له علاقة بموضوع السورة.

فمثلا:

سورة البقرة وردت فيها قصة البقرة التي أمر الله بني اسرائيل بذبحها وأكثروا عنها السؤال حتى شق عليهم تنفيذ الأمر ثم نفذوه وما كادوا يفعلون. نجد أيضا السورة تتكلم عن فئات من البشر من بينهم فئة خطيرة تكلم عنها كثيرا هي فئة المنافقون الذين يجادلون في آيات الله وأحكامه ولا يطبقونها إلا بتثاقل شديد بالضبط كما حدث في قصة ذبح البقرة الصفراء. ولذلك نجد في هذه السورة الأحكام التي يصعب على المنافقين تنفيذها والتي يجادلون فيها كثيرا مثل الإنفاق والطلاق وغيرها. وفي السورة يعطينا الله عز وجل أمثالا للتوضيح و قصصا أخرى لها نفس الفكرة للعبرة. فالسورة ككل ولو أنها طويلة إلا أن موضوعها مهم جدا وهو أساس الإسلام الحق (الإستسلام لأوامر الله دون جدال + الإخلاص والتخلص من النفاق)

ومثلا سورة النساء كلها رسالة واحدة تتحدث عن النساء من جميع النواحي الواجبات والحقوق وفيها من القصص ذات العلاقة للعبرة.

ومثلا سورة التوبة كلها ترشدك للتوبة من مرض النفاق الخطير والذي جاءت آياته كلها تفصيلا لأعراضها وكيفية التوبة منه.

وسورة النحل تعلمك كيف تكون نشيطا مسارعا في لخيرات في جميع أوجه الخير لتنفع نفسك والناس وكيف تكون مطيعا لربك في ما أوحاه لنا من الكتاب.

وسورة السجدة تعلمك كيف يصل قلبك للسجود والخضوع لله سبحانه وتعالى من خلال تعظيمه.

والسور التي بها أسماء الأنبياء نجدها تعلمنا كيفية التأسي بهم والمعينات على ذلك وتعطينا نبذة عنهم وقصصا للعبرة

إلا أن هناك سورا لا نعلم معاني أسماءها مثل سورة ص وسورة ق وسورة يس هذه لا يمكن ربطها باسم السورة ولكن يمكننا بالتدبر ربط مواضيعها لنفهمها كرسالة واحدة.

والآن أعطيكم عدة أمثلة لسور قصيرة للتوضيح .

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة الناس رسالة الله الخالدة التي أنزلها الله علينا رحمة بنا وعونا لنا في رحلتنا في الحياة الدنيا وحماية لنا من شر يستهدف أعماق قلوبنا التي بها يصلح حالنا وعملنا ومصيرنا.

فما معنى كلمة الناس؟
الناس أصلها من الناسي ولكن حذفت الياء لرؤوس الآي ومعناه من النسيان.
وهي تحتمل كونهم الإنس والجن كونهم الثقلين وهما معرضان لنسيان أوامر ربهم.
إذن كون أن القرآن رحمة للعالمين وأنه جاء بشيرا ونذيرا للثقلين الإنس والجن فهذه السورة جاءت بهذا الاسم.

وهي تعطينا وصفة لكي لا ننسى أوامر ربنا التي أنزلها إلينا بوسوسة من شياطين الإنس والجن وهي الاستعاذة بالله من تلك الوساوس.

دعونا نبدأ بتدبرها من البداية معا…

بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

(قل أعوذ برب الناس)

يأمرنا الله جل وعلا بأن نقولها حماية لنا ولخيرنا، فهو الغني عنا ولم يأمرنا بذلك إلا من رحمته علينا ورأفته بنا من عدو ينوي ضياعنا وخسارتنا لرضا ربنا وجنة عرضها السماوات والأرض.

(قل أعوذ برب الناس)
أعوذ بمعنى ألتجئ وأطلب الحماية من رب الناس. فهو رب العالمين. وهو رب الثقلين وكلنا بحاجة لحمى الله وعونه مفتقرين إليه بذلك.

(قل أعوذ برب الناس)

بدأ الآية الأولى بطلب الاستعاذة بكلمة (رب) حيث أنه من الربوبية الإمداد وهنا نحن نسأله ونرجوه أن يمدنا بالحماية.
فحمى الله إمداد منه لعباده يؤتيه من يرجوه ويستعيذ به.

(قل أعوذ برب الناس* ملك الناس)

أن تكون ربا للبيت لا يعني أنك تملك أجساد وأرواح وقلوب سكانه فأنت بربوبيتك لبيتك تكون مكتفيا بإمدادهم بالماء والطعام والكساء وحاجاتهم الضرورية. ولكن أن تكون ربا وملكا فهذا لا يكون إلا لله عز وجل.

(قل أعوذ برب الناس* ملك الناس)

فهو مالك صدورنا وقلوبنا وأرواحنا وأجسادنا وهو مالك قلوب وأرواح وأجساد شياطين الجن والإنس وهو الوحيد كونه المالك للطرفين قادر على التصرف والتحكم في الطرفين.
يقدر على أن يصرف طرف عن طرف ويحمي طرف من طرف.

(قل أعوذ برب الناس* ملك الناس* إله الناس)

إن استحضرنا في قلوبنا ربوبيته وملكه فإن ذلك سيترجم في الجوارح شكرا لله سبحانه وتعالى حمدا وثناء عليه وبالأعمال الصالحة كونه الإله المعبود بحق، ونحن بطلبنا الاستعاذة به فنحن في حالة عبادة. فهو من أمرنا بالاستعاذة ونحن مأجورين بإذن الله باتباع هذا الأمر. وفي نفس الوقت مستفيدين بالحصول على الحماية الإلهية لنا.

(قل أعوذ برب الناس* ملك الناس* إله الناس)

نحن هنا في صيغة دعاء وثناء على الله بأسماءه الرب والملك والإله حيث أن من آداب الدعاء الحمد والثناء على الله عز وجل.

ولكن من ماذا نطلب منه الحماية؟

(من شر الوسواس الخناس)

سبحان الله فهذا الوسواس شر لذلك نسأل الله عز وجل السلامة منه والحماية منه والحمد لله أنه يخبرنا أن هذا الوسواس خناس أي أنه يخنس ويختفي وهذه رسالة إيجابية لمن يعانون من الوسواس حتى أنهم يكادوا يشعروا باليأس من زواله عنهم لأنهم لا يستعيذون بالله منه استعاذة صحيحة حقيقية.

ولكن ما هي الاستعاذة الحقيقية؟

لنأخذ مثالا من عالم الشهادة لتقريب المعنى.

تخيلوا طفلا يمشي مع أبيه في حديقة عامة وفجأة يواجهان كلبا مخيفا أمامهما والطفل في خوف عظيم منه.

ماذا تتوقعون ردة فعل الطفل الصغير الطبيعية؟

أن يحتضن أباه ويتشبث به بقوة. أليس كذلك؟ ويظل هكذا حتى يذهب الكلب عنهم أو يبتعدوا عنه.

وفي المقابل لو أن طفلا كان يلعب بعيدا عن أبيه ورأى الكلب ولم يبالي ولم يعي الخوف من الكلب فهل الأب سيجري ويحتضنه ليحميه ويطمئنه؟ لا؛ لأن الطفل قرر أنه لا يخاف ولم يطلب العون والحماية من أبيه.

هذا مثال فقط لتقريب المعنى.

فنحن إن أردنا الحماية الحقيقية والاستعاذة الحقيقية بالله فعلينا أن نتشبث بكلام الله. بالقرآن الكريم ألم نقرأ قوله تعالى:

(وَإِذَا ((قرأت)) القرآن ((جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ)) ((حِجَابًا مَسْتُورًا ))* وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ ((وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا))
[سورة اﻹسراء 45 – 46]

هذه هي الحماية الربانية.
هذا هو الحجاب الذي يحجبك به الله من الذين لا يؤمنون بالآخرة من شياطين الإنس والجن.
وكلما كنت ذاكرا لربك كلما ولوا على أدبارهم نفورا وارتحت منهم ومن وسواسهم وخنسوا عنك.

أما إن تصرفت بلا مبالاة ولا خوف من وساوسهم ولم تتجه إلى الله وتلجأ إليه وتتشبث بكتابه فستكون عرضة لخطرهم الداهم المستمر.

(قل أعوذ برب الناس* ملك الناس* إله الناس* من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس) أين؟

(الذي يوسوس في صدور الناس)

يوسوسون للإنس كما يوسوسون للجن وهم خطر على الإنس والجن وكثير منهم يقعون في شباكهم للأسف!

(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ((كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْس))ِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)
[سورة اﻷعراف 179]

غفلوا عن ذكر الله ولم يتشبثوا به فكانوا ضحية لوساوس الشياطين بزخرف القول، أغروهم بربهم الكريم.

(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا ((شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)) ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)
[سورة اﻷنعام 112]

واستمتع كل طرف بالطرف الآخر فمن قبل بوسوستهم استمتع بتلك المعاصي واستمتع الشيطان بنجاحه بإغوائه.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)
[سورة اﻷنعام 128]

(الذي يوسوس في صدور الناس* من الجنة والناس)

الكل معرض من الثقلين للوساوس في صدورهم والتي تبدأ بمجرد دعوة مستمرة بإلحاح من الشياطين فيصغي لها لتجد موقعها في القلب مباشرة ومن بعدها يقترف الذنوب والآثام.

(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * ((وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ)) الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ((وَلِيَرْضَوْهُ)) ((وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ))
[سورة اﻷنعام 112 – 113]

إذن هي خطوات تبدأ بدعوة ملحة تليها إصغاء يليها رضا بالفكرة واقتناع تليها ارتكاب الذنب.

وهذا ما يعترف به الشيطان يوم القيامة أنه لم يفعل إلا الدعوة.

(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ((إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)) ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
[سورة إبراهيم 22]

فصدور الإنس معرضة للوسواس وكذلك صدور الجن وعدونا المشترك هو الشيطان لعنه الله.

لذلك علينا نحن الثقلين أن نلجأ إلى الله ربنا ومالكنا وإلهنا ليحمينا من شر ذلك الوسواس ليخنس عنا ولتطمئن قلوبنا بذكر الله.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
[سورة الرعد 28]

مثال آخر :

بِسْم الله الرحمن الرحيم
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحْلُل عقدة من لساني يفقهوا قولي اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

سورة قريش سورة عظيمة فمع أن آياتها قصيرة إلا أنها تحوي ما يمكنه أن يحكم دولا وقرى بأمان وإكتفاء أو العكس بأن يشتتها في بنشر الخوف والمجاعات.

فنسأل الله عز وجل أن يعلمنا ويرزقنا تدبرها والعمل بما جاء فيها

(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)
[قريش الآية: 1-2]

((لإيلاف)) ((إيلافهم))

ماذا نفهم من هاتين الكلمتين؟

الكلمتين تأتيان من ألف وألفوا الشيء أي من الألفة والتعود على الشيء.

الله عزوجل يعطينا نعم فنألفها ومن شدة الألفة فإننا لا نستشعر بأنها نعم وفي الحقيقة هي نعم.

مثال على ذلك:

نعمة الأمن
هي نعمة أليس كذلك؟
أكيد هي نعمة ولكن أكثر الناس لا يستشعرونها. لماذا؟

لأنهم ألفوها وتعودوا عليها فيتوهمون أنه لابد من أن هذه النعمة تبقى ولا تزول.
و نسوا أن الله قادر في أية لحظة أن يسلب هذه النعمة ثم نجد الناس بعدها يستشعرون أن نعمة الأمن لا تقدر بثمن.

مثال اخر:

نعمة الإطعام من الجوع أيضا هي نعمة نجد مثلا أن الإنسان اليوم يجد ما يأكله وغدا وبعد غد وهكذا وإذا خرج من بيته يجد المطاعم والأسواق مليئة بالأطعمة
فالله تعالى قادر على أن يسحب هذه النعمة في أي وقت شاء فنجد نفس الإنسان الذي ألف على وجود الطعام فجأة لا يجد ما يأكله في بيته فإذا خرج إلى الأسواق لا يجد شيء من الأطعمة
فالإنسان يألف هذه النعم ويشعر أنها أمر طبيعي ولا يتخيل أبدا أنها تزول ولكن في الحقيقة هي معرضة للزوال بأمر من ملك الملوك.

(الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)
[ قريش الآية: ٤]

(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)
[قريش الآية: ١-٢]

هذه الألفة بحد ذاتها نعمة من الله أن يعودنا الله على شيء فنألفه فهي نعمةً.

مثال اخر:

معك سيارة وكل يوم تشغلها فتشتغل وتمر عليها سنين على وهي على هذه الحالة ثم يأتي يوم تشغلها ولا تشتغل.

كيف ستحس ساعتها؟

أكيد ستحس بالإرتباك والتوتر وكيف ستكون حياتك بدون هذه السيارة وأنت قد ألفت من قبل على عملها
فَلَو تفكرنا في هذه الألفة أنها نعمة عظيمة من الله فعلينا أن نشكره على ذلك
الغافل يراها أمرا طبيعيا فمن الطبيعي أن نعيش الأمن ومن الطبيعي أن نعيش الإطعام من الجوع ومن الطبيعي أن نعيش بالصحة
والله تعالى يخبرنا بسلبها أن هذا ليس من الطبيعة عليك أن تشكر أيها الإنسان لأزيدك وإن كفرت فإني قادر على أن أسحب منك هذه النعمة.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
[ إبراهيم الآية: ٧]

فإذا ألفنا النعمة لا نقف عندها فقط للتمتع بها بل علينا أن نذكر النعمة ونستشعرها والشكر الحقيقي يكون بذكر النعمة أنها من الله واستخدامها في طاعة الله.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ)
[ فاطر الآية: ٣]

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)
[ البقرة الآية: ١٥٢]

(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)

فماذا ألفوا؟

(إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)
[قريش الآية: ٢]

فالله عز وجل سخر لقريش هاتين الرحلتين وأعطاهم الأمن فيهما ويرجعهم سالمين وجعل لهم الأمن في مكة والطعام الغير منقطع . هي نعمة فكيف يكون شكرها؟

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ)
[قريش الآية: ٣]

الله عز وجل يوجهنا إلى العبادة الحق لكي يحفظ الله لنا هذه النعمة فإن لم نشكره بذكر هذه النعمة فإنه قادر على أن يحول هذا النعمة إلى ضر بسلب هاتين النعمتين .

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ((آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ))

[ النحل الآية: ١١٢]

كانت آمنة ربما سنين
كانت مطمئنة ربما سنين
والرزق يأتيها من كل مكان ربما سنين
لكن هذا القرية هل استشعرت فضل الله عليها أم لم تستشعر؟

هم ألفوا هذه النعم ولم يذكروها فكانت النتيجة..

((فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ))
[ النحل الآية: ١١٢]

فنتيجة كفرهم أن أصابهم ضر العذاب هذا كله بسبب كفرهم بأنعم الله.

(وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ((لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))

هذه القرية هل فهمت سورة قريش؟ هل طبقتها؟

سبحان الله كما قلنا في بداية الدرس أن سورة قريش سورة قصيرة جدا هي سطرين ونصف تقريبا ولكنها تحكم دول وقرى .

نجد كم من دول الآن تعيش في مشاكل وعذاب والخوف وجوع بعد أن كانت تنعم بنعمة الأمن والإطعام من الجوع؟

لم يطبقوا أمر الله

((فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ))

((فليعبدوا))

لم يقل فليعصوا
تريد أن تدوم وتستمر النعمة عليك؟

اعبد رب البيت .

لكن نجد أكثر القرى عبدت ام كفرت؟

كفرت بالنعمة جحدتها ولم تذكر أنها من الله لأنها ألفت النعمة ونسيت.

ولم يستشعروا بأن الله قادر على أن يسحبها في أي وقت فنجدهم يتسآلون كيف حصل هذا وكنا في أمن وسلام وكان معنا حكومة وجيوش؟ والله تعالى يريهم أن ذلك لا ينفع أمام قانون الخالق فإذا جاء بأس الله وعذابه بعد المعصية فلا أحد يستطيع أن يرده.

(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
[البقرة الآية: ١٥٥]

فالمطلوب

((فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ))

فنعمة الأمن والإطعام من الجوع من أعظم النعم فَلَو أعطانا هاتين النعمتين لكان كافيا أن يعبد ولا يعصى وأن يستمسك بكلامه.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

نعوذ بالله أن نكون من الغافلين ونسأل الله عز وجل أن نكون من الذين عبدوا الله حق العبادة وأن يجعلنا من الشاكرين لأنعمه.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

نكمل الأمثلة في الدرس القادم.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *