الدرس الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم
الله تعالى يبين لنا حقيقة غيبية :
سورة الأنعام : وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) .

ركز جيداً :

(وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) .
الله يبين لنا أن جميع الأشقياء وبدون استثناء ، لما وصلوا إلى حافة جهنم ، وبالتالي يستحقون دخول نار جهنم ، هؤلاء لو أعادهم الله ، ولو يعيدهم الله إلى هذه الحياة الدنيا سيعودون إلى نفس الأعمال السيئة والقبيحة التي كانوا يرتكبونها .

(وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) .

وهذا من تسبيح اسم الله العليم ، يعني الله تعالى ليس عليماً بالمستقبل فحسب ، بل عليم كذلك بما لن يكون لو كان كيف كان يكون ، لأن عودة هؤلاء الأشقياء إلى الدنيا أمر لن يكون ، يعني عودة هؤلاء إلى الدنيا أمر مستحيل ، والله عليم بهذا المستحيل لو وقع ماذا سيقع فيه .

(وَلَوْ رُدُّوا) هذا لن يقع ، لكن مع افتراض وقوعه ، (لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ، هذا يعطينا برهاناً ودليلاً على أن الأشقياء ، لو منح الله لهم ما لا نهاية في العمر ، لو منح الله لهم عمرا أبدياً في الدنيا فإنهم سيبقون على نفس الحال ، يعني هم بشر لا يتغيرون .

مع أنهم يعدون الله تعالى ، بأنهم سوف يصلحون من أحوالهم ، وذلك في لحظات العذاب الأدنى المحيط :
سورة يونس : هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23).
هم يعدون الله (لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) وعدوا ربهم بأنهم سيشكرونه ، وذلك عندما أحاط بهم العذاب الأدنى المحيط من كل جهة ، لكن هل وفوا بوعدهم في هذه الحياة ؟

(فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) لقد عاشوا حالة الإخلاف في هذه الحياة ، في كل مرة ، في كل مرة يعدون ربهم بالشكر ، إلا أنهم في كل مرة يخلفون ، وعاشوا هكذا حتى ماتوا ، وبالتالي لو أعادهم الله إلى الدنيا ، سيعودون إلى نفس الحال .

وهذا هو الإنسان الكفور :

سورة الإسراء : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)
هذه هي حقيقة الكفور ، يعيش في الدنيا ، والله تعالى يمنح له فرصاً ، الفرصة تلو الأخرى ، وهو في كل مرة يضيع الفرص ، يفوت على نفسه الفرص ، يخلف الوعد .
سورة الإسراء : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69).
وقد يعد الله تعالى أيضاً في حالة أخرى ، ليس بالضرورة أن يكون في وسط البحر ، قد يكون في بيته ، ولكن يعد الله تعالى بأنه إذا من عليه من فضله بكذا وكذا ، مما يرغب فيه من نعم ، قد يكون محتاج إلى سكن ، أو إلى وظيفة ، فيدعوا الله تعالى .

سورة التوبة : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78).

(لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ) يعني أعطانا وسخر لنا مسكناً أو وظيفة أو سيارة أو رزقنا ولداً ، (لَنَصَّدَّقَنَّ) يعد الله بأنه سيتصدق ، (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، وما هي النتيجة :

سورة التوبة : فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77).

نرجع إلى مشهد الأشقياء وهم على حافة نار جهنم :

سورة الأنعام : وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) .

(وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)

هؤلاء الله تعالى يبين لهم أعمالهم السيئة قبل دخول جهنم ، وذلك كي يدخلوها وهم مقتنعون ، أن الله لم يظلمهم مثقال ذرة .

سورة مريم : فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68).

(حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) هم الآن حول جهنم ، لم يدخلوها بعد .

(فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ) والشياطين أي مع قرنائهم من الجن ، والحديث هنا عن الأشقياء ، لأن السعداء ليس لهم قرناء ، فقد تخلص السعداء من قرنائهم في الدنيا ، فالسعداء الآن ليس لهم قرناء .
هذا في سورة مريم ، أما في سورة الجاثية :

سورة الجاثية : وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) .

الأمة هنا هي أمة شقية ، وليست أمة سعيدة .

سورة الجاثية : وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32).
يبين الله لهؤلاء الأشقياء أعمالهم السيئة قبل دخول نار جهنم ، لكي يدخلوها وهم مقتنعون ، أن الله لم يظلمهم مثقال ذرة .
(وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) وهذه أمة شقية ، وهي جاثية ، والجثو هو موقف من الذل والهوان ، أمة شقية جاثية على حافة نار جهنم ، والجثو هو أن يجلس هؤلاء الأشقياء على ركبهم ، يعني في هيئة من الذل ، ينحنون على الركب ، هذا وهم على حافة نار جهنم ، وينتظرون دخول جهنم .

(كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) الكتاب هنا ليس الوحي ، الكتاب هنا ليس القرآن ، ولا التوراة ولا الإنجيل ، الكتاب هنا هو كتاب الأعمال .

سورة الحاقة : وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)

هو كتاب الأعمال ، هو علم الله بأعمال البشر ، يعني ما يعلمه الله من أعمال هذا الإنسان الشقي ، يخرج له كل أعماله السيئة ، يرى كل أعماله السيئة في هذا الكتاب ، (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، لكن قبل الجزاء الله تعالى يريهم أعمالهم ، وهذا من عدل الله تعالى ، يعني الله تعالى لا يعذب أحداً ، لا يدخل شقياً في جهنم مهما كان إجرامه ، إلا بعد أن يظهر له جميع أعماله ، (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .

(هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) ينطق عليكم ، يعني ينطق ضدكم ، يعني ليس في صالحكم ، (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، يعني هذا الشقي الله تعالى يريه نسخة طبق الأصل لحياته التي كان يعيشها ، نسخة طبق الأصل من حياة التكليف التي كان يعيشها ، ركز : حياة التكليف فقط ، ليس الحياة كلها ، عندما كان صغيراً ، عندما كان طفلاً رضيعاً ، لم يكن مكلفاً ، نتكلم عن حياة التكليف ، حياة التكليف 30 سنة ، 40 سنة ، 50 سنة ، 60 سنة ، 70 سنة ، من حياة التكليف ، يراها بحذافيرها ، بتفاصيلها ، في أدق جزئياتها ، لكن لماذا كل هذا ؟؟؟
لكي يقتنع ، وسنرى أن كل شقي يدخل نار جهنم وهو مقتنع تمام الاقتناع بأنه يستحقها ، وأن الله لم يظلمه ، وهذا من تسبيح أن ننزه الله عن الظلم .
سورة الجاثية : وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)

وكلمة الكتاب تأتي في كتاب الله تعالى بمعني الوحي ، سواء كان قرآناً أو زبوراً ، أو أنجيلاً أو توراتاً ، وتأتي بمعنى علم الله ، فرعون يسأل موسى عليه السلام :
سورة طه : قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)

ركز :

سورة الجاثية : هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)

السؤال : هل هذا الكتاب مجرد دفتر أو كراسة أو مفكرة فيها كتابة لرؤوس أقلام أو خطوط عريضة لحياة هذا الشقي أم هو شيء فوق ذلك ؟
الجواب : هو شيء فوق ذلك .
هو فوق ما نتصور ، لأن البعض يتصور أن الكتاب عبارة عن أوراق ، هكذا أوراق قليلة ، هكذا بضعة أوراق يجد فيها خطوط عريضة عن حياته ، أو مختصراً لحياته ، لا ليس هكذا .

هذا شيء فوق ما نتصوره ، ولا يعلم ماهيته إلا الله وحده سبحانه وتعالى ، (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .

يتبع بإذن الله ،،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *