بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن أول صفة تحرمك من تعلم أسرار القرآن ومن الحصول على السعادة بين آياته وبتطبيقه تحصل على كل ما تتمنى ويسعدك في الدنيا والآخرة هو صفة الكبر.
(.. كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)
[سورة غافر 35]
ومن أخطر أنواع الكبر هو التكبر بالعلم.
تخيل رجلا عالما آتاه الله العلم ثم تكبر به فهل يؤتمن هذا على أسرار القرآن أو أن يسعد بتطبيقه؟
العلم أمر لابد أن يرافقه التواضع والإقتناع بأن ما لديك من علم ما هو إلا قليل جدا وفوق كل ذي علم عليم.
موسى عليه السلام ظن أنه الأعلم في زمانه ولكنه تواضع وأصبح تابعا لمن هو أعلم منه.
(قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)
[سورة الكهف 66]
وكذلك الملائكة تواضعوا لله عندما علمت أن هناك من هو أعلم منهم وسجدوا له بأمر ربهم.
(قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
[سورة البقرة 32]
فصاحب العلم إذا عمل بعلمه ارتفع شأنه فالملائكة سجدت لآدم بعد أن ظهر علمه بأسماء كل شيء.
(قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ ((فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ)) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا)) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)
[سورة البقرة 33 – 34]
ولكن صاحب العلم إذا لم يعمل بعلمه فسيهبط للأسفل كما أهبط آدم إلى الأرض بعد أن أكل من الشجرة.
(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ)
[سورة البقرة 36]
وهذا حصل لقارون أيضا حيث ارتفع شأنه بعلمه وأصبح ذا صيت بين الناس ويتمنون مكانه. ولكنه عندما لم عصى وتكبر بعلمه وقال (إنما أوتيته على علم عندي) هبط من الأرض لمسافات تحت الأرض لا يعلمها إلا الله فقد خسف به وبداره الأرض.
وكذلك الذي ضرب الله لنا عنه مثلا أن آتاه الله الآيات فانسلخ منها.
قال عنه:
(وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ )
فالعلم يرفع شأن الإنسان إن اتبع رضوان الله ولكنه يهبطك للأرض إذا اتبعت سخط الله.
فلا خير في علم لا يرفعني إلا لمدة قصيرة وهذا ما توصلك إليه الكتب الغربية وشبيهاتها فهم قد يوصلوك لعلم يرفع شأنك ولكنه لمدة قصيرة ولا تدوم سعادتك به.
ولكن القرآن يوصلك للعلم ويثبته عندك ويدوم خيره ليصل للآخرة.
وإن حصلت على علم من خارج القرآن فالقرآن يعلمك كيف تحافظ عليه بحفظ الله له في عقلك.
فالعلم قد تصل إليه وتفرح ولكنه قد يزول فجأة ودون سابق إنذار بأمر من الله!!
وكم رأينا من أناس كانوا قمة في الذكاء والعلم وفجأة فقدوا عقولهم!!
وعلم أسرار القرآن لن يصل لمن داخل قلبه كبر وخاصة في مسألة العلم لأنه لن يصل للمراد الحقيقي من الآية وسيتبع عكسها ويضل.
(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ ((الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ)) فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)
[سورة اﻷعراف 146]
لذا أول خطوة في طريق تعلم الأسرار هو التواضع في العلم وكسر جدار الكبر فيه.
وباذن الله نواصل في الدرس القادم…
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.