الدرس الثانى

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

أعود وأذكر بأهمية تطبيق درس الأمس عن العفو فهو يختصر طريقا لك لتدبر القرآن ويجعلك تقتحم عقبة تعيق قلبك عن فقه القرآن وتدبره.

إذا جاهدت نفسك بقوة لكسر هذا القفل فقد قفزت قفزة كبيرة في عالم التدبر .

وهو يحتاج لجهد كبير واستسلام تام وتذكر أنك أنت المستفيد الأول.

سنركز اليوم على موضوع الكبر
وهو أقوى قفل على القلب بل هو أساس كل ران يلف القلب بجدر القساوة.
وهو الذي يجعلك لا تتمكن من التدبر أو يجعلك تتدبر بشكل معكوس.

سأعطيكم إن شاء الله نماذج من الآيات على مواقف الكبر وآيات تعطينا الشفاء من هذا المرض الخطير.
المثال الأول:

(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)
[سورة ص 76]

هنا ابليس تكبر على موضوع خلقته فرأى أنه خير من آدم لأنه رأى أن خلقته (النار) خير من خلقة آدم عليه السلام (الطين). إذا أسقطنا الآية على أرض الواقع نجد الكثير من الناس يتكبرون على غيرهم بسبب ظنهم أن خلقتهم خير من الآخرين. فمثلا الجميلة تتكبر على من هم دونها جمالا. الأبيض يتكبر على الأسود والرشيقة تتكبر على البدينة والصحيح يتكبر على من في خلقته تغير عن خلقة أكثر الناس والطويل يتكبر على القصير.
فيرى نفسه خير من الآخرين بسبب خلقته التي يراها متميزة.
لدرجة قد يكره المتكبر أن يأكل مع من يراهم دونه على مائدة واحدة أو الجلوس على كنبة واحدة!!

فمن كان يعاني من هكذا مرض فالشفاء في الإيمان بهذه الآية وذكرها:

(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
[سورة آل عمران 6]

الله سبحانه وتعالى هو من اختار لنا خلقتنا وهو الذي صورنا كيف يشاء ولم يكن لنا الخيرة في شكلنا ولا لوننا.

الله سبحانه (((هو الذي)) يصوركم في الأرحام ((كيف يشاء)))

فلا يحق لنا التفاخر ولا التكبر بشيء ليس لنا فيه يد ولا اختيار.

تذكرنا لهذه الآية وترديدنا إياها إذا خطر ببالنا هذا النوع من الكبر فيه الشفاء والبلسم من هذا المرض.

نأخذ نموذجا آخر من أنواع الكبر:

(أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ)
[سورة الزخرف 52]

هذا النوع هو تكبر فرعون القبطي المصري على موسى عليه السلام الذي هو من بني اسرائيل من البدو الذين ارتحلوا لمصر في زمن سيدنا يوسف عليه السلام. فكانوا يعتبرون جالية من الجاليات المستضعفة المهانة المستعبدة في ذلك الزمن لدرجة تقتيل أبناؤهم دون أن يحاسبهم أحد!

فرأى فرعون نفسه وهو ابن البلد خير من هذا الوافد الذي رآه مهينا وبسبب هذا الكبر رفض أن يقبل نبوة موسى لأن هذا معناه أن يرتفع شأن موسى عليه السلام وهذا يتعارض مع تكبره.

لو أسقطنا هذه الحالة على أرض الواقع لرأيناه منطبقا عند الكثير من الناس حيث يرون أنفسهم خير من الوافدين عليهم قد تصل لدرجة استعبادهم والتقزز منهم ورفض المساواة الإنسانية معهم ومعاملتهم معاملة مهينة لسان حالهم يقول (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين).

هذا الكبر يجعلهم أيضا رافضين مستنكرين أن يعلوا شأن أحد الوافدين المجتهدين سواء دينيا أو وظيفيا فيقولون نحن خير منهم وهم يفترض أن يكونوا مهانين وليس مكرمين.

فأين الشفاء من هذا المرض؟

إنه في ذكر الآية التالية والإيمان بها:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
[سورة الحجرات 13]

الكريم عند الله هو التقي وليس من يملك جنسية البلد الذي يعيش فيه فالجنسية لا تعبر عن التقوى ولا عن مكارم الأخلاق ولا عن الإحسان.
وهو من جعلنا شعوبا وهو من جعلنا قبائل ولكنه لم يجعلنا هكذا لنتفاضل على بعضنا ونهين بعضنا بعضا ولكن لنتعارف وليكمل بعضنا بعضا.

ولولا حاجتنا للوافدين لما اتينا بهم ولولا أن الله أتى بهم لعشنا حياة شاقة جدا. فنحن من علينا إكرامهم لحاجتنا إليهم أكثر من حاجتهم إلينا.

تخيلوا مصر في زمن فرعون دون بني اسرائيل كيف كانت ستكون. وفرعون وملأه كانوا يدركون حاجتهم الملحة لبني اسرائيل لذلك لم يسمحوا لهم بالخروج ولذلك تنازل عن قتل كل المواليد الذكور واكتفى بالقتل عاما دون عام.

لذلك إذا كنت تعاني من هذا النوع من الكبر راجع نفسك واذكر هذه الآية ورددها كثيرا لعلها تشفي قلبك.

لنأخذ نوعا آخر من الكبر وهو التكبر بما نملك من مال وعيال.

(وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا)
[سورة الكهف 34]

فهذا صاحب الجنتين تكبر على صاحبه ورأى نفسه خير من صاحبه بماله وكثرة النفر.

ولو أسقطناها على أرض الواقع لرأينا عجبا. نجد الأخ يتكبر على أخيه ويقول سيارتي أفضل وبيتي أكبر وراتبي اكثر وشهادتي أعلى ومركزي أعلى ودرجاتي أكثر ووو…إلخ.

فيتكبر بما لا يملك في الواقع ولا يملك الحفاظ عليه.

فما هو الشفاء من هذا المرض؟

إنه في الإيمان وذكر هذه الآية:

(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ)
[سورة الرعد 26]

فبذكر أن بسط الرزق وتقديره بيد الله يشفى القلب من الفرح بالحياة الدنيا ويوقن أن كل ما به من نعمة هو من الله وحده وأن الله قادر أن يزيلها عنه.

الكلام يطول فملف الكبر خطير وله أنواع أخرى.
دعونا نطبق اليوم ما تعلمنا ونكمل غدا إن شاء الله.
فتابعونا…

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *