بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
اليوم بإذن الله نتعلم كيفية التعامل مع آيات التفكر وهي الآيات التي يخبرنا فيها الله عن الخلق والكون والنعم وما سخره لنا من مخلوقات وعن أنفسنا.
نبدأ أولا بتمييز آيات التفكر عن غيرها لنتعرف عليها خلال قراءتنا للقرآن الكريم ثم نتعبم كيفية التعامل معها عند قراءتنا لها . بمعنى كيف نتفكر فيها .
أعطيكم أمثلة
قال الله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)
[سورة الحج 63]
نركز أولا على ذكر الله فيها
(الله ،أنزل ،الله، لطيف، خبير)
الآن نقرأ الآية بصوت مسموع مع التركيز على تلك الكلمات والإنتباه لها
ثم نتفكر في أفعال الله فيها ونتساءل.
مثلا يسألنا الله عز وجل في هذه الآية الكريمة
ألم تر؟
فنتساءل ماذا نرى يا رب؟ ((تفاعلوا مع الآيات وكأنها تخاطبكم))
أن الله أنزل من السماء ماء!!
سبحانك يا رب
كم من مرة رأينا فيها الماء ينزل من السماء ولم نتعجب من نزوله لم نتساءل كيف ولماذا ومن أين؟ كيف لم نراه آية من آيات الله؟
ثم بعد نزوله تصبح الأرض مخضرة !
أليس عجيبا أن يكون الماء الشفاف على الأرض الباهتة الميتة سببا في اخضرارها ؟ من أين جاء اللون الأخضر ؟ من الماء الذي لا لون له ؟ أم من الأرض التي انعدمت فيها الحياة؟
سبحانك يا رب .
كيف أخرج النبات من أرض ميتة من الذي ملأ المرعى بالبذور لتنبت كلها في وقت واحد؟
أليست آية دالة على وجود الله؟
أليست آية دالة على العظيم خالقها وخالقي؟
ثم أربط الآية بأمور حياتي بمعنى أن اسقطه على واقعي أي كيف أنتفع من الآية فهي لم ننزل عبثا.
مثلا أفكر..
الله سبحانه وتعالى أحيا الأرض بعد موتها فأزهرت واخضرن ألا يحيي فعله هذا الأمل في قلبي الميت بأن يحييه الله بنزول القرآن فيه بعد موته؟
أو أن يحيي الله موضوعا لي قد طال انتظاره ويئست منه؟
أو أن يكون القادم في حياتي أكثر خيرا ونفعا؟
أو أي أمر يخطر ببالك تربطه بالآية.
ثم أربطه بالآخرة ليتم التفكر
مثلا..
ألا يذكرني نزول الماء من السماء وخروج العشب من الأرض بالبعث من القبور يوم الحشر؟
فيا ترى كيف يكون حالي يومئذ؟
هذا مثال وقد يخطر ببابلك مواقف أخرى من مواقف الآخرة تذكرك به الآية.
ثم تقول..
ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.
لماذا هذه الخطوات؟
هذه الخطوات أخذتها من هذه الآيات التي تصف طريقة أولوا الألباب في التفكر:
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ *
١- (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ)
٢-( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
٣- ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ)
٤- ( فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
[سورة آل عمران 190 – 191]
جمعت تلك الخطوات في هذه الجملة:
(ذكر وتسبيح وتفكر في حالي والآخرة)
هذه الجملة يمكنك حفظها و الإستعانة بها في التعامل مع آيات التفكر.
نأخذ مثالا آخر
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)
[سورة الحج 65]
نبدأ باستخراج ذكر الله فيها وأفعاله
(الله، سخر، بأمره، يمسك، بإذنه، الله، لرءوف ،رحيم)
اقرأها بصوت مسموع مع التركيز على كلمات الذكر في الآية
ثم أتفكر في الآية مع التركيز على أفعال الله وأسماءه.
وأتساءل وأتفاعل مع الآية وكأنها تخاطبني:
ألم تر؟
ماذا يا رب ماذا أرى؟
أن الله سخر لكم ما في الأرض ؟
يا الله ! لنا نحن؟ سخرت لنا ما في الأرض؟ كل هذا لنا نحن؟
سبحانك ما شكرناك حق شكرك ولا عبدناك حق عبادتك.
سخر لنا الشجر والجبال والطرق والأنعام والطيور و كل ما في الأرض فكيف كان شكرنا له؟
وماذا سخرت لنا يا ربنا أيضا؟
والفلك تجري في البحر بأمره!
سبحان الله السفن لا تجري إلا بأمر الله فهو القادر على أن يسيرها أو يجعلها راكدة مكانها أو يغرقها !
ولكنه سخرها تجري ليس على البر ولكن على البحر . مع أننا لو رمينا ثقلا فيها فستغرق في قاعها ولكن الفلك على ضخامتها وثقلها تجري على سطح البحر تسخيرا لنا من الله.
سبحانك يا رب.
وماذا أيضا يا ربنا؟
ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه !!
يا الله ! كنا نظن أن ارتفاع السماء فوقنا تحصيل حاصل وبقاءها فوقنا طبيعي وتحصيل حاصل لم نفكر أنك أنت من يحفظها من الوقوع علينا !
سبحانك يا رؤوفا بالعباد يا رحيم بالرغم من ذنوبنا تسخر لنا كل هذا فلك الحمد ولك الشكر.
ثم أربطها بواقعي وأحاول استخراج فائدة أنتفع بها في حياتي ..
سبحانك سخرت لي البيت وسخرت لي المركوب وسخرت لي الهواء . فكما سخرت لي كل هذا وكانت قدرتك على تسيير الفلك على البحر وتمسك السماء أن تقع على الأرض. فإني وكلت لك أمري الذي استعصى علي حله فدبر أمري يا ربي.
ثم أحاول أن أربطها بموقف من مواقف الآخرة لتذكرني بالآخرة واستعيذ بالنار والعذاب.
نظرتي للسماء تذكرني بامساك الله لها ويوشك يوم أن يطويها كطي السجل للكتب في يوم عصيب ثقيل . يا رب ارحمنا في ذلك اليوم وآمنا.
ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.
تذكري الدائم بالآخرة يبقيني في توازن بين الخوف والطمع ويبقيني سابقا بالخيرات لذلك أولوا الألباب يبقون الآخرة نصب أعينهم بينما محبي الدنيا يذرون وراءهم يوما ثقيلا.
مثال أخير ..
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)
[سورة المؤمنون 18]
نستخرج ذكر الله فيها وأفعال الله.
(أنزلنا، فأسكناه، إنا، لقادرون)
اقرأ الآية بتركيز على ذكر الله فيها
ثم أتفكر في الآية وأتفاعل معها.
وأنزلنا ..سبحانك يا رب ماذا أنزلت؟
وأنزلنا من السماء ماء بقدر!
سبحانك يا رب صدقت فلو أنزلته متواصلا لغرقنا ولو أوقفته لمتنا . أنزلته بقدر ولم تحرمنا فلك الحمد يا رب.
فأسكناه في الأرض… سبحانك جمعته وادخرته لنا في خزانات أرضية كنا سنتعب في توفيرها والحفاظ عليها وصيانتها وتعقيمها من الجراثيم والطحالب .
وإنا على ذهاب به لقادرون… سبحانك لا تحرمنا بذنوبنا يا ربنا فلك الحمد على كل قطرة ماء رزقتنا .
ثم أربطها بواقعي وأستخرج فائدة أنتفع بها في حياتي.
الله عز وجل يقدر كمية الماء الذي ينزله لما فيه خير لنا ويدخره لنا لوقت حاجتنا في باطن الأرض.
وهو كذلك يقدر الرزق لنا فلو بسطه لنا دوما لطغينا ولو منعه تماما لهلكنا ولكنه ينزل لنا الرزق بقدر وهو القادر على منعه عنا. لذا علينا بالرضا بما رزقنا وشكره ليزيدنا ولا يحرمنا رزقه.
ثم أربطها بالآخرة لتذكرني بها.
الماء ينزل من السماء ولكن رغم أنه يأتي من أعالي السماء إلا أن نهايته باطن الأرض ثم يخرجه الله لنا بإذنه.
فمهما وصلت من العلو والغنى والطموح فإن نهايتي هى حفرة في باطن الأرض ثم يخرجني الله سبحانه بإذنه يوم البعث. فكيف يكون حالي يومها؟
ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.
إذن بإختصار الخطوات هي:
الخطوة الأولى : تستخرج ذكر الله من الآية وأفعاله سبحانه.
الخطوة الثانية : تقرأ الآية قراءة ذكر وتسبيح بالتركيز على الكلمات التي استخرجتها.
الخطوة الثالثة : تتفكر في الآية وتتفاعل معها.
الخطوة الرابعة : تربطها بالواقع
الخطوة الخامسة : تربطها بالآخرة
الآن أصبح دوركم في المحاولة مع هذا التمرين:
يقول الله تعالى:
(ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
[سورة الحج 61]
طبق الخمس خطوات التي تعلمناها في هذا الدرس على هذه الآية وارسل إجابتك في تعليقات هذا الدرس.
بشوق أنتظر رؤية محاولاتكم..
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.