بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأعراف : وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25).
سورة الأعراف : … وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)
آدم عليه السلام أكل من الشجرة ، عصى بأكله من الشجرة :
هل ترتب على هذا الأكل ظلم للعباد؟ لا
هل ترتب على هذا الأكل ظلم لإنسان ؟ لا
ومع ذلك هذه المعصية كلفته غالياً ، وفقد على إثرها نعمة عظيمة ، تتمثل في الجنة ، لذلك العبرة بمن عصي ، وليست العبرة بالمعصية ، يعني لا تفرق بين معصية يترتب عليها ظلم للعباد أو لا يترتب ، لأن هناك من يفرق ، تجده ربما يستعظم المعاصي التي تؤدي إلى فقدان حقوق الآخرين ، يراها عظيمة ، و ما عدا ذلك كالحقوق بينه وبين ربه يري أن مخالفتها أمر هين .
السؤال : آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة ، هل ترتب على هذا الأكل ظلم للعباد ؟
الجواب : لم يترتب على ذلك شيء من هذا أبداً .
ومع ذلك أخرجه الله من الجنة وهي نعمة عظيمة ، الكثير من المسلمين ، يتعاملون مع المعاصي بهذا التقسيم ، أو بهذا التصنيف ، يرى أن أهم شيء هي الحقوق بينه وبين الناس ، يرى بأن أهم شيء في الدين هي الحقوق ، بينك وبين الناس ، بينك وبين العباد ، فإذا كانت المعاملات بينك وبين الناس سليمة ، تأدي الحقوق للناس كاملة غير منقوصة ، هذا هو الأهم ، أما ما بينك وبين الله تعالى من مخالفات ، فهذا أمره بسيط وهين ، لا يشكل خطر عليه ، وهذه ضلالة ، وليست هداية .
يعني لو قلنا بصحة هذه الضلالة ، لانهدم الدين كله ، لماذا ؟
لأن الذي يترك الصلاة ، الذي لا يصلي ويترك الصلاة ، هل ظلم إنساناً ؟ لا .
الذي لا يصوم رمضان ، هل ظلم إنساناً ؟ لا
الذي لا يذهب إلى الحج عند القدرة ، هل ظلم إنساناً ؟ لا
لكن الدين ينهدم كله ، لو قلنا بصحة هذه الضلالة ، هذا غير صحيح ، لا تفرق بين معصية يترتب عليها ظلم للعباد ، وبين معصية لا يترتب عليها ظلم للعباد ، لا تفرق ، هذه عظيمة ، وهذه عظيمة أيضاً ، (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ).
الكثير من المسلمين يحرصون كل الحرص ، يحرصون على أداء الحقوق التي بينهم وبين الناس ، يحرصون على أداء الحقوق التي بينهم وبين العباد ، يؤدونها كاملة غير منقوصة ، معاملاتهم فيما بينهم وبين الخلق سليمة ، الناس لا يشتكون منهم ، في أي شيء ، ولكن في ما بينهم وبين ربهم من حقوق ، يضيعونها ، يهملونها ، ينتهكونها ، وتسألهم لماذا ؟ يقولون : أهم شيء في الدين هي الحقوق ، هي حقوق الناس ، ما بيني وبين ربي أمره هين ، وهذا يحدث كثيراً جداً ، لكن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة لم يترتب على تلك المعصية ظلم لأحد ، ومع ذلك فقد نعمة عظيمة .
القاعدة : لا تعصي ربك ولو واحدة فقط ، ولو قليلاً فقط ، ولو لم يترتب على تلك المعصية ظلم لأحد .
فإن تجرأت وفقدت على إثر تلك المعصية نعمة عظيمة ، كنعمة السكن أو الصحة أو الأهل أو الولد أو السيارة أو الوظيفة أو المتجر أو المصنع ، فلا تلومن إلا نفسك ، لأنك لست أفضل من آدم عليه السلام ، آدم عليه السلام دفع التكلفة باهظة ، دفع الثمن غالياً ، فلماذا لا ندفعه نحن؟ .
سورة الأعراف : … وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ … (22).
السؤال : هل قال آدم عليه السلام لربه : ألأجل أني أكلت من الشجرة ، ولم يترتب على ذلك ظلم لإنسان ، ألأجل هذا تخرجني من الجنة ؟ هل قال ذلك ؟ .
الجواب : لا ، بل أن آدم عليه السلام سارع إلى الاعتراف .
سورة الأعراف : … وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23).
وسنرى من خلال المحرمات السبع في سورة الحجرات ، أن هذا مجرد استدراج شيطاني ، يعني كون هذا التصنيف للمعاصي بين معاصي يترتب عليها ظلم للعباد ، ومعاصي أخرى لا يترتب عليها ظلم للعباد ، هذا استدراج شيطاني ، كيف ذلك ؟
المحرمات في سورة الحجرات :
1) عدم التبين .
2) السخرية .
3) اللمز .
4) التنابز بالألقاب .
5) سوء الظن .
6) التجسس .
7) الغيبة .
وهذه كلها معاصي يترتب عليها ظلم للعباد ، ومع ذلك ترى في أوساط الكثير من المسلمين ، يرونها هينة ، يعتبرونها هينة ، إذن الشيطان له معك استدراج ، يأتيك في المرحلة الأولى بهذا التصنيف ، يقول لك : هذه معاصي بينك وبين ربك ، هذه لا يترتب عليها ظلم لإنسان ، اقتحمها ، ارتكبها ، أفعلها ، فتقع فيها ، ثم يأتيك بالمعاصي التي يترتب عليها ظلم للعباد ، ويقوم بتصنيف آخر ، يقول لك : هذه سخرية ، هذه هينة ، ليست قتلاً ، هذه لا تصل إلى مرتبة القتل ، هذه سخرية ، لا بأس ، وهذا يحدث كثيراً ، هذا واقع .
هناك مدخل آخر ، الشيطان من خلاله يستطيع أن يتسلل من خلاله إلى النفس ، ويزين لها ارتكاب المعصية ، واستصغارها ، وهذا المدخل هو الرصيد ، رصيدك من العمل الخيري ، رصيدك من الحسنات ، مع أنك لا تعلم على وجه اليقين ، هل قبلت أم لا ، يأتيك بعد مضي فترة ، وقد تكون سنوات في العمل الصالح ، سنوات من الطاعات ، سنوات من الخيرات ، سنوات من فعل الحسنات .
فيقول لك : حسناتك حجمها حجم الجبال ، ما يضرك لو فعلت هذه المعصية الواحدة ، الواحدة فقط ، فتستصغرها أمام هذه الجبال من الحسنات التي تتوهمها ، وإلا في الحقيقة فهي جبال غير مضمونة ، قد تفاجئ يوم القيامة أنها تنسف نسفاً ، قد تفاجئ أنها غير مقبولة .
كيف نأخذ هذه القاعدة من قصة نوح عليه السلام ، نوح عليه السلام دعا قومه ألف سنة إلا خمسين سنة ، تسع قرون ونصف ، لا يتوقف عن دعوة قومه ليلاً ونهاراً ، فرصيده من الحسنات والطاعات كبير جداً ، ومزكى من الله تعالى ، نبي الله نوح عليه السلام الله زكاه .
سورة آل عمران : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)
سورة العنكبوت : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)
دعا نبي الله نوح عليه السلام قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، تسع قرون ونصف ، ليلاً ونهاراً :
سورة نوح : قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)
دعوة إلى الله لا تتوقف في مدة قدرها تسع قرون ونصف ، يكون الرصيد ، رصيد الحسنات يكون في نهاية المطاف كبيراً جداً ، هذا الرصيد من الحسنات والخيرات والطاعات يكون كبيراً بعد تسع قرون ونصف ، الله يمتحن نوح عليه السلام ، الامتحان لا يزال يلاحقه ، يلاحقه الامتحان بعد طوال هذه الفترة من الدعوة .
سورة هود : وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) .
(وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)
(وَلَا تُخَاطِبْنِي)
ما هو النهي هنا ؟ النهي هو (وَلَا تُخَاطِبْنِي).
مثلما نهى الله آدم عليه السلام :
سورة البقرة : … وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
آدم عليه السلام : (وَلَا تَقْرَبَا).
نوح عليه السلام : (وَلَا تُخَاطِبْنِي).
فقد نهى الله تعالى نوح عليه السلام : (وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) ما علامتهم (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) .
يعني كل من رأيته مغرقاً فلا تخاطبني فيه ، مهما كان ، هذا المقصود .
سورة هود : وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49).
(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ): الله تعالى حول الصحراء وهي قاحلة ويابسة وجافة ، حولها إلى بحر في لحظات .
(وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ)
(قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)
(فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)
السؤال : هل كان ابن نوح عليه السلام من الذين آمنوا أم من الذين ظلموا؟
الجواب : كان من الذين ظلموا ، الذين علامتهم (فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) .
السؤال : هل يحق لنوح عليه السلام أن يخاطب الله في أبنه ؟
الجواب : لا يحق ولا يجوز ولا يصح ولا يقبل ، هذا هو الامتحان .
(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
(وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)
هنا نوح عليه السلام لم يتقدم بالخطاب بعد ، بل وقع له لبس في كلمة الأهل ، ما المقصود بكلمة الأهل ؟
الله تعالى يبين له معنى كلمة الأهل ، ويزيل عنه اللبس ، (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ).
هنا يوقفه ، يقدم له نهياً آخر وتحذير ، (فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) .
يعني فلا تكن من الجاهلين ، ما معني ( الْجَاهِلِينَ ) ، يعني عبادة تسع قرون ونصف ، تذهب أدراج الرياح .
(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .
قال : وأنا أحتمي بك ، ألجئ إليك ، أطلب منك الحماية ، أطلب منك الجوار ، أن تقيني ، أن تحفظني ، من هذا اللعين إبليس ، لكي لا أجرئ على هذا الخطاب ، (إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، يعني سأخسر تسع قرون ونصف .
الله تعالى يبين لنا ، مدخلاً من مداخل الاستصغار ، حيث يأتي الشيطان ويزين لك الرصيد ، وهناك الكثير من المسلمين ، يأتي إليهم الشيطان اللعين من هذا المدخل ، من هذه الوسوسة ، ويقول له : أنت عندك ، 10 سنوات ، 20 سنة ، 30 سنة ، 40 سنة ، 50 سنة ، 60 سنة ، 70 سنة ، كلها طاعات وكلها عبادة وكلها خيرات وكلها صدقة وكلها إنفاق ، في كل سنة وأنت في الحج ، في كل رمضان وأنت في العمرة ، وهذه أعمال ومشاريع خيرية لا تعد ولا تحصى ، حسناتك عظيمة ، ما يضرك لو تجرأت على هذه فقط ؟ ، لا تبدو شيئاً ، أنها صغيرة وهينة ، وهذا يحدث كثيراً ، هذا واقع ، كيف نرد هذه الوسوسة بالشفاء القرآني ؟
من خلال قصة نوح عليه السلام .
(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
نوح هنا ، إلى حد هذه اللحظة ، هل تقدم بالخطاب ، أم ليس بعد ؟
لم يتقدم بالخطاب بعد ، لم يقع بعد ، بل وقع له لبس في كلمة أهل ، ما المقصود من كلمة أهل ؟
حيث قال نوح عليه السلام : (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) وهذا صحيح .
كذلك قال : (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) وهذا صحيح .
لكن الله أزال هذا اللبس وحذره ، أزال عنه اللبس أولاً ثم حذره :
(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ، لماذا ؟ ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) .
ثم يأتي التحذير : (فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) .
نوح عليه السلام هنا ، هل قال : ((يا رب دعوت إليك تسع قرون ونصف ، ولا تنظر إلى هذه السنين بعين الاعتبار ، ألا يكون لهذه السنين وهذه القرون وزن عندك )) لم يقل ذلك .
بل قال : (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
وهي نفس توبة آدم عليه السلام :
سورة آل عمران : قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23).
سورة آل عمران : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)
نوح عليه السلام سلك طريق آدم عليه السلام ، لا بد من توبة ، لا بد من استغفار ، لا بد من اعتراف ، بأن هذه المخالفة إن لم تغفر ، سيخسر كل شيء .
هذه توبة آدم عليه السلام :
سورة آل عمران :قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
وهذه توبة نوح عليه السلام :
سورة هود : قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)
أن توبة نوح عليه السلام هي موافقة لتوبة آدم عليه السلام ، لذلك :
سورة آل عمران : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا … (33)
الخلاصة :
لا تغتر برصيدك من العمل الصالح ، ولو مكثت في هذا العمل قروناً ، كما أنك لا تدري أن هذا الرصيد أصلاً ، قد يكون عند الله غير مقبول ، قد تفاجئ يوم القيامة بأنه غير مقبول ، لخلل فيه لم تشعر به .
سورة النجم : فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32).
( نهاية المحاضرة الثانية )