الدرس الثامن

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

نتحدث اليوم عن آخر قفل سنتعلمه في هذه الدورة بإذن الله وهو قفل حب الدنيا والتعلق بها.

وبعدها من بداية الأسبوع المقبل نبدأ بإذن الله بالتدريب العملي للتدبر مع شرح أنواعه وكيفية التعامل مع كل نوع من أنواع الآيات.

حب الدنيا قفل مانع من تدبر القرآن إخوتي.
فالتدبر علم يتبعه عمل
وفي القرآن الكريم أوامر ونواهي كثيرة و قفل حب الدنيا يمنع الانسان من تطبيق الآية والعمل بها بسبب حبه للدنيا وكراهيته للموت وعدم تفكيره بالآخرة

وحب الدنيا وكراهية الموت موهن للقلب والذي هو المسؤول عن التدبر فقد جاء في الحديث الصحيح:

عن أبي عبد السلام، عن ثوبان، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».

تأملوا معي ارتباط حب الدنيا بنسيان الآخرة:

(كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ)
[سورة القيامة 20 – 21]

فمن أحب الدنيا وتعلق قلبه بها أشغل نفسه بها فنسي العمل للآخرة.
أو تأثر بوسوسة الغافلين له بنسيان الآخرة والتمتع بالدنيا فيكون سببا للتردي.

تأملوا معي:

(فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ)
[سورة طه 16]

مثلا من يهوى التلفاز ببرامجه ينشغل به عن أداء واجباته تجاه آخرته فيقضي الساعات الطوال يشاهد البرنامج تلو البرنامج وينسى الوقت فلا يجد وقتا للعمل للآخرة فلا بر ولا احسان ولا ذكر ولا صلاة في جماعة.

هذا مثال فقط.

وتجد من يحب الدنيا ويتعلق بما فيها لا يرجو لقاء الله ويكره الموت ويكره أن يذكر أمامه
وإذا ذكر أمامه يخرس المتكلم أو يغادر المجلس أو يدعو الله أن يعمره إلى أن يشبع من الدنيا ثم يتوب ثم يتوفاه.

(قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)
[سورة البقرة 94 – 96]

فيبقى متعلقا بالدنيا ولا يرجو لقاء الله لأنه غير مستعد لهذا اللقاء بما قدمت أيديهم.

هناك علاقة بين الإغترار بالدنيا ولهوها ولعبها وبين نسيان اليوم الآخر لاحظوا معي:

(الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)
[سورة اﻷعراف ]

فيتعلق قلبه بالأزواج والأولاد
وينسى العمل للآخرة ولا ينفذ أوامر الله التي يشعر أنها ستبعده عن فرحه ومتعته بدنياه.
فيجعل أزواجهم وأولادهم الذين تعلقوا بهم عدو لهم فهو من يملك القلوب.

وجعل الأموال والعقارات والأسهم وغيره من الأموال التي شغلته عن ذكر الله وعن الصلاة عذابا لهم يسهرون على جمعها ويقضون يومهم كله في تكثيرها وكأنهم عبيد لها وفي النهاية لا يجدون الوقت للتمتع بها فهم مشغولون بتنميتها فقط.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
[سورة التغابن 14 – 15]

وجعل الأولاد الذين تعلقوا بهم عذابا لهم. عقوق وطلبات لا تنتهي وازعاج وجهد وطاقة كبيرة لتربيتهم.

(وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)
[سورة التوبة 85]

فما علاقة حب الدنيا بالتدبر؟

من كان يحب الدنيا فإنه على الأغلب يحكم هوى نفسه وراحتها في تدبر الآيات.

فيأخذ من القرآن ما يناسب هواه وراحة نفسه ويبقيه في تعلقه بالدنيا ويترك كل الآيات التي لا تناسب هواه ويتعبه العمل بها ويهجر ما يجعله أقل تعلقا بالدنيا.

فيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض!

فالإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل.

فإذا لم يعمل ببعض الآيات لأنها تقلل من متعته بالدنيا فهذا مؤشر على أن ايمانه بتلك الآية بها خلل إذ لم يرتبط ايمانه بالعمل.

(.. أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
[سورة البقرة 85]

فمثلا إذا مر بآية تطلب منه الذكر الكثير كما أخذنا في الدرس السابق

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)
[سورة اﻷحزاب 41]

ويرى أن الذكر الكثير غير ممكن ولا يناسبه لأنه يريد أن يردد الأغاني مثلا أو الأناشيد طوال اليوم ليفرح .

يريد أن يقضي يومه كله في لهو الحديث ولا بأس من أن يذكر لمدة عشر دقائق مثلا ذكرا قليلا

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)
[سورة لقمان 6]

وهو يفعل هذا لأنه يريد اللهو في الدنيا والفرح ويشعر بأن القرآن يبعث على الملل والنفور والإشمئزاز.

(وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
[سورة الزمر 45]

كل ذكر لله عنده هو باعث على الإشمئزاز والضيق وكل حديث دنيوي بالنسبة له باعث على المتعة والسرور فيستبشر بها..

لأن ايمانه بالآخرة يعاني من الخلل فهو لم يصدقه بالعمل له.

بل وإذا كان جالسا في مجلس ثم ذكر الله فيه شعر بالنفور من المجلس وولى هاربا من ذلك المجلس!!

(وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ *وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ *وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا*)
[سورة اﻹسراء 46]

ولا يفرح بسماع القرآن ولا بتدبره ولا بترديده الفرح المحمود في القرآن فهو بالنسبة له أمر يبعده عن المتعة والفرح بالدنيا

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
[سورة يونس 57 – 58]

فكلما كنت مع القرآن كلما عرفت قيمته وعرفت كرمه ورشده وإعجازه عندها ستحبه حقا من أعماق القلب وتفرح به وتفرح أن الله عز وجل قد من علينا بإنزاله هذا الكتاب لنا.

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
[سورة آل عمران 164]

لذلك إن كنت تريد حقا تدبر القرآن فلا بد أن تحبه أولا ولا يجتمع حب الدنيا وحب القرآن في قلب واحد.

(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
[سورة هود 15 – 16]

لك الخيار …

وبعدها تخلص من القيود جميعها قبل الاسبوع القادم لأننا سنبدأ باذن الله بالتطبيق.

تابعونا..

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *