بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة السابعة : شرك القرين وسنة قبول الأعمال .
النقطة الأولى : الإنسان الكفور الذي يخلف وعوده مع الله ( يعد الله ثم يخلف ) هذا يصبح منافقاً .
سورة الإسراء : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)
هذا الكفور يكون كفوراً بإعراضه عن الوعد الذي وعد به ربه عندما كان في وسط البحر ، وهناك أيضاً نوع آخر من الوعود ، الوعود التي يعد بها الإنسان ربه عندما يكون محتاجاً ومفتقراً إليه ، يعني الأمر ليس بالضرورة أن يكون في البحر ، وهذا ما نجده في سورة التوبة .
سورة التوبة : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77).
(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ ) : وعد ، وعد ربه .
(لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ) : هذا الإنسان هنا ليس في البحر ، ليس في الطائرة ، ليس في المستشفى ، قد يكون في بيته سليماً معافى ، ولكن يريد من الله تعالى أن يتفضل عليه بنعمة من النعم ، نعمة يرى بأنه محتاج إليها ، كأن يسخر له وظيفة أو مسكناً أو مبلغاً مالياً ، فيعد ربه .
( لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ) : يعد ربه بأنه سيقوم بصدقة ، سينفق إذا من الله عليه من فضله .
(وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) : ضمنيناً هو يعترف بأنه في تلك اللحظات ليس صالحاً ، يعني يعد ربه مستقبلاً بعد أن يتلقى تلك النعمة وذلك الفضل من ربه ، يعد ربه بأنه سيصلح من أحواله .
سورة التوبة : فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77).
(فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا) : هنا نفاق وليس إيمان .
(فِي قُلُوبِهِمْ) : هذا القلب قلب غيبي وليس قلب مادي ، يعني قد يصاب الإنسان بالنفاق وهو لا يشعر ، وهذا أخطر شيء ، أن يصاب قلبه بالنفاق وهو يزعم الإيمان ، يصاب بالنفاق وهو يدعي الإيمان ، هو منافق ويتوهم أنه مؤمن .
(فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) : إذا ظل على هذه الحال ، إذا بقي مصراً على هذا الإخلاف ، في كل مرة يخلف ويخلف ويخلف ، فهذا النفاق سيستمر في قلبه ( إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) .
ركز جيداً :
(فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) : لكن لماذا يصيبهم نفاق في قلوبهم ؟
الله تعالى يجيب : (بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) .
(وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) : يعني من شر أنواع الكذب ، من أقبح أنواع الكذب ، الإنسان عندما يكذب على ربه ، يعده ثم يخلف .
سورة التوبة : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77).
السؤال : هؤلاء يوم القيامة ، هل يحشرون مع المنافقين أم مع المؤمنين ؟
الجواب : يحشرون مع المنافقين ، ومصيرهم في النهاية هو نار جهنم .
سورة الحديد : يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15).
هؤلاء خدعوا أنفسهم لأنهم كانوا على احتكاك بالمؤمنين ، ظنوا أن مجرد الاحتكاك والتواصل مع المؤمن أن هذا يقيهم من نار جهنم ، واغتروا بشهادة اللسان ، لسانهم ينطق بالشهادة .
سورة المنافقون : إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
السؤال : إذن ما دام هذا المنافق قلبه مليء بالنفاق ، هل شهادته هذه هل لها حقيقة في قلبه ؟
الجواب :لا حقيقة لهذه الشهادة في قلبه ، خدع نفسه ، وخدع غيره ، والله كشف أمره .
العبرة يوم القيامة بالحقائق الموجودة في القلب ، وليس بالشكل والمظاهر والملابس وما يدعيه اللسان وما يزعمه ، وأن الكثير ممن يدعي الإسلام والإيمان في العالم الإسلامي ، قد ينطق بالشهادة مراراً وتكراراً وقلبه مليء بالنفاق والريب والشك ، وهذا واقع ، وهؤلاء لا بد من تذكيرهم ، بأن الحقيقة ليست بالشكل بل أن الحقيقة بما هو موجود في القلب .
هل القلب ممتلئ بالإيمان أم ممتلئ بالنفاق ؟
هل الإنسان يفي بالوعود التي يعد بها ربه أم أنه يخلفها ؟
الأمر يتوقف على هذا .
سورة التوبة : فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77).
والقلب يمتلئ بالنفاق والأمراض والسواد والران ، وذلك نتيجة الإعراض عن ذكر الله ، وهذا هو السبب الرئيسي والجوهري في الموضوع .
سورة الكهف : … وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
النقطة الثانية : ذكر الله الكثر والتسبيح هو ( الحل لمشكلة النفاق والحل لمشكلة إخلاف الوعود مع الله والحل لمشكلة الإصرار على المعاصي ).
سورة الكهف : … وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
القلوب تصاب بالأمراض وبالنفاق وبأنواع من الشرك الخفي ، وذلك نتيجة الإعراض عن ذكر الله وعن تسبيحه ، لذلك تجد هذه القلوب لا يعظم فيها الله ، ولهذا يتجرؤون على المعصية ، ليس فقط على السقوط فيها ، بل كذلك على الإصرار عليها والتمادي عليها .
سورة آل عمران : … وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)
هؤلاء هم المتقون ، وذكرنا أن التقوى والإصرار لا يلتقيان في وقت واحد ، لا يلتقيان في قلب واحد ، والذي يجعل الإنسان متقياً هو الذكر ، ذكر الله هو المحرك ، وهو الطاقة التي تمكنه من العودة والإنابة إلى الله .
سورة آل عمران : وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)
(ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)
(ذَكَرُوا اللَّهَ) أولاً ثم (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) ثانياً .
الذكر هو الذي يعينهم على الاستغفار ، (ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) ، ولم يقل فاستغفروا لذنوبهم وذكروا الله ، الصيغة ليست هكذا بل قال الله : (ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) .
سورة الأعراف : إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)
ركز : (تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) .
وسنرى أن القرآن الكريم يقدم لنا حلاً ومنهجاً يجتث هذا النفاق وهذه الأمراض من القلوب ، وذلك بالذكر الكثير ، وبتسبيح الله وإجلاله ، وبمدحه والثناء عليه .
سورة آل عمران : وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136).
سورة الأعراف : إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201).
إذن ذكر الله وتسبيحه يؤدي إلى تعظيم الله تعالى في القلب ، وسنرى أن القاسم المشترك بين الأشقياء جميعاً من منافقين وكفرة وفسقة ومجرمين وظالمين ، أنهم لا يعظمون الله تعالى ، عاشوا في الدنيا ولم يعظموا الله ، ربما عظموه بألسنتهم وأفواههم ، لكنهم لم يعظموه بقلوبهم .
سورة الحاقة : وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) .
(إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) : يعني قد يؤمن بالله ولكن ليس عظيماً ، يؤمن بالله إيماناً شكلياً وسطحياً ، لكن أن يعظمه بقلبه فلا ، وهذا هو القاسم المشترك بين الأشقياء جميعاً ، أنهم لا يعظمون الله ، لا يؤمنون بالله العظيم ، (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) ، لأن جميع الأشقياء يستلمون كتبهم بشمالهم .
(إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) : لم يعظموا الله بقلوبهم في الدنيا ، لأنهم لم يمتثلوا الأمر ، لأنهم لم يسبحوا اسم الله العظيم .
سورة الواقعة : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
سورة الواقعة : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
سورة الحاقة : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
يعني عندما تسبح ، يجب أن تصل إلى إدراك قدره ، وتحقيق استشعار عظمة الله في قلبك ، وإلا فإن تسبيحك يكون تسبيحاً شكلياً .
وبالطبع مع تعظيم الله سبحانه وتعالى لا بد من تعظيم كلامه ، من عظم الله بقلبه عظم كلامه.
سورة الحجر : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87).
تابع…