الدرس الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

نكمل معا التعرف على أنواع الكبر التي ربما تختبئ في قلوبنا ولا نشعر بها أو لم ننتبه أنها من الكبر.
والآن نأخذ التكبر بالعلم

(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ ((عِلْمٍ عِنْدِي)) ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)
[سورة القصص 78]

نجد هنا بأن قارون تكبر بالعلم الذي علمه الله إياه . يقال بأن الله عز وجل قد علمه كيفية تحويل التراب إلى ذهب فنسي بأن الله هو من علمه وتكبر بعلمه وقال إنما أوتيته على علم (((عندي))) وعلى أساسه تكبر وتفاخر بما كان يملك من الكنوز التي حصل عليها بهذا العلم. فنسب سبب ثرائه إلى علمه.

وإذا أسقطناه على أرض الواقع لوجدنا أن الكثير من الناس يتكبرون بعلمهم ويرون أنفسهم خيرا من غيرهم لدرجة لا يزوجون من كانت شهادته العلمية أقل منهم أو لا يجالسوهم أو يحتقروهم ولا يستمعوا لهم ولا لآرائهم.

قد نجده في المعلم مع تلاميذه.
أو الطبيبة مع الممرضة.
أو العالم مع المساعدين.
وقد نجده بين الموظف الاداري ومقدم القهوة والشاي.

وهؤلاء المتكبرون بعلمهم عندما تراهم في بيوتهم وسياراتهم الفارهة يتفاخرون بما يملكون وعندما تذكرهم أنه رزق ونعمة من الله يردون لولا ذكائي ولولا سهر الليالي واستذكاري ولولا اجتهادي لما حصلت على شيء لسان حالهم يقول (إنما أوتيته على علم عندي).

فما هو الحل والشفاء لهذا الكبر؟

الإيمان بهذه الآية وذكرها:

(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
[سورة النحل 78]

أن نتذكر أن العلم الذي نتكبر به لم نكن نملكه يوم أخرجنا الله من بطون أمهاتنا بل لم نكن نعلم شيئا أبدا وهو الله الذي جعل لنا السمع والأبصار والأفئدة كوسائل للتعلم فتعلمنا ولكن ما شكرناه ونسبنا ما علمه لنا لأنفسنا فهل هذا هو الشكر؟

تنسى أنه:

(عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
[سورة العلق 5]

وأنه:
(ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)

وأنه القادر على أخذ هذه النعمة منا في لحظة وكم رأينا من فقدوا ذاكرتهم في حادث لم يستمر سوى ثوان معدودة وكم رأينا من فقدوا عقولهم وأصيبوا بالجنون بعد أن كانوا عباقرة.
كما أننا نرى كبار السن وهم يفقدون علمهم تدريجيا مع الكبر حتى ينسوا أسماء أبناؤهم!!

(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)
[سورة النحل ]

والله عز وجل قادر على أن يذهب كل الآيات من صدورنا إن تنازلنا عن مبادئ ديننا أو شيء منه.

(وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا)
[سورة اﻹسراء 86]

ونجد من يتكبر بعلمه يحب أن يجادل في آيات الله بسبب الكبر الذي تحكم بقلبه.

(إِنَّ الَّذِينَ ((يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ)) بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ ((إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْر))ٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
[سورة غافر 56]

ومن هذا النوع من التكبر بالعلم يتفرع منه نوع آخر من الكبر
نوع يقول فيه من لديه هذا النوع

رأيي صواب ورأي غيري خطأ
أنا على حق مطلق وغيري على باطل مطلق.

نجد هذا واضحا في القرآن في الآية:

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
[سورة البقرة 113]

غريب أنهم يملكون نفس الكتاب ونفس الرب ويتلونه ولكن كل فريق ينكر أن الفريق الآخر على شيء. بمعنى يكفروهم.

ألا يذكرنا هذا بأنفسنا كمسلمين؟

نفس الكتاب نتلوه جميعا ونفس الإله ونفس أركان الإسلام والإيمان ولكن كل مذهب يكفر المذهب الآخر.

لسان حالنا يقول ليس المذهب الفلاني على شيء وهم يتلون الكتاب.

ثم تبين الآية أن هذا ليس بجديد وإنما هو حال الأمم السابقة فقد أمرهم ألا يتفرقوا فتفرقوا وكما نهانا أن لا نفعل مثلهم وفعلنا للأسف.

(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
[سورة آل عمران 105]

نوع عجيب من الكبر كل شخص يرى نفسه خيرا من الآخر. وكل حزب يفرح بنفسه الفرح المذموم في القرآن الكريم.

(مِنَ الَّذِينَ ((فَرَّقُوا دِينَهُم))ْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ ((كُلُّ حِزْب))ٍ بِمَا لَدَيْهِمْ ((فَرِحُونَ))
[سورة الروم 32]

ونتغنى بعبارة (اختلاف أمتي رحمة) وكأنها آية أو حديث والحقيقة أن العبارة غير معروفة الأصل أدخلها أعداء الإسلام وأعمى أعيننا عن بقية الآية فلم نركز على مصير من تفرق واختلف.

(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ (((وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ))))
[سورة آل عمران 105]

فأين الرحمة في التفرق والإختلاف؟

إذن الشفاء من هذا المرض القلبي الخطير هو في الإستسلام التام لهذه الآية الجليلة وتذكرها مرارا للوصول للشفاء التام.

(وَ((لَا تَكُونُوا)) كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
[سورة آل عمران 105]

أطلنا الحديث في موضوع التكبر بالعلم لأنه خطير فالمتكبر بالعلم يرفض الإستماع لغيره لظنه أنه يعلم كل شيء وأنه لا يحتاج للتعلم من أحد إلا ممن يملك شهادة أعلى منه.

لنجتهد اليوم بالتخلص من هذا القيد الذي يحرمنا من تدبر كتاب الله بصورة صحيحة.

ونكمل التعرف على الأنواع الأخرى في الدرس القادم بإذن الله فتابعوني…

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *