الدرس الثالث والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

اليوم بإذن الله نتعلم كيف نستخدم كل ما تعلمناه سابقا من دروس سواء كانت:

آيات التفكر
آيات السنن (التدبر)
آيات القصص
آيات الأمثال
آيات الجنة والنار
آيات أصناف البشر
آيات البشرى والإنذار
تدبر سورة بأكملها.

سنتعلم كيفية بناء درس متكامل بطريقة أتخذ فيها الآية إماما لي من منطلق الآية:

(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَٰذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ)
[سورة اﻷحقاف 12]

إذن كيف أتخذ الآية إماما لي؟
سأضرب لك مثالا واقعيا..

عندما يقيم الإمام الصلاة يكبر فيكبر خلفه المأمومين.
يقرأ فيقرأ خلفه المأمومين
يركع فيركعون خلفه يسجد فيسجدون خلفه.
بمعنى يتبعونه بكل ما يفعل ويقول.

ونحن أيضا مطالبين باتباع الآيات نقرأها ونتبعها بالعمل بها.
نقرأها ونتدبرها من نفس الآية.
نقدمها على كلامنا ولا نقدم كلامنا عليها.
نتدبرها هي كلمة كلمة وحرفا حرفا. لا نخرج من إطارها فنتوه ونضيع ونبتعد عن مقاصدها. نظل خلفها دوما وبعدها دوما.

من أسرار جمال الدرس أن تكون الآية إماما لكلامك البشري وأن يكون كلام الله أكثر مع تكرار الآية خلال الدرس.

بمعنى قدم ذكر الآية على كلامك ثم اجعل الآية محورا لحديثك وليس العكس.

لا تجعل الآية دليلا على كلامك لأنك قد تصل لمرحلة أن تلوي معنى الآية فقط لتثبت كلامك ولكن العكس قدم الآية وتكلمي بعدها على أساسها.

هل رأيتم يوما أن الإمام يقف خلف المأمومين؟ لا
هل رأيتم إماما يقف مع المأمومين في نفس السطر؟ لا
هل رأيتم المأمومين يتقدمون بحركاتهم وقراءتهم عن الإمام؟ لا

إذن علينا أن ننطلق في التدبر مأمومين بالآية. كيف؟

نأخذ مثالا:

(وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)
[سورة النحل 68]

نستخرج الذكر والتسبيح
وأوحى : فعل الله وحده هو من أوحى إلى النحل .

ربك : ربنا هو من أوحى إلى النحل ومن هنا نستشعر ربوبيته علينا فهو قد أوحي لها هي من أجلنا نحن.

نقرأ الآية قراءة ذكر وتسبيح

(وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)
[سورة النحل 68]

التفاعل مع الآية والتفكر فيها

(وأوحى ربك إلى النحل )
سبحانه لم يقل ربهم ولم يقل أوحى الله ولا أي من أسماءه الحسنى ولكنه اختار الربوبية لأن هذا الوحي للنحل يصب في صالحنا نحن ليمدنا نحن بالعسل.

(وأوحى ربك إلى النحل )

أوحى ربنا إلى النحل إذن النحل لم تتصرف بشكل عفوي أو باختيارها أو بشكل طبيعي أو صدفة ولكنه إيحاء من الله وحده لذلك نجد كل النحل في كل الكرة الأرضية تتصرف بنفس ما أوحى الله لها لا تحيد عنه.

(وأوحى ربك إلى النحل )

بماذا أوحيت لها يا رب ؟

(أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون)

سبحانك يا رب أليست هذه آية دالة على وجود الله حقا وعلى أن هذا الوحي من الله للنحل حقيقي؟!
هل رأينا كيف أن النحل فعلا لا تتخذ الا بيوتا في الجبال والشجر ومما يعرشون؟

فيعرشون معناها يَبني الناس من الخلايا للنّحل

(وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)
[سورة النحل 68]

ربطها بواقعنا:
وحي من الله لحشرة أطاعت أمر ربها كافة ولم تخالفه منذ أن أوحى لها والله عز وجل أوحى لنا الكتاب تلو الكتاب والآية تلو الآية و أمرنا أن نستسلم لأوامره كافة.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)
[سورة البقرة 208]

ولكن ماذا كانت ردة فعل الناس هل اتبعت ما أوحي إليها من ربها؟

(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)
[سورة اﻷنعام 106]

للأسف أكثر الناس لم تتبع الوحي
والقليل فقط من اتبعه.

ربطها بالآخرة:

مع أن النحل يصير ترابا ولا يجازى ولا يعاقب .
ونحن الذين يرتبط مصيرنا بالإتباع من عدمه فإما جنة وإما نار وما زال الأكثريه يعرضون عن ما أوحى إليهم ربهم .
ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار

نعود لدرسنا.

أرجو أن يكون المثال واضحا في خطواته حيث اتبعنا الآتي:

  • بما أن الآية آية تفكر فقط طبقت فيها الخطوات الخاصة بالتعامل مع آيات التفكر (ذكر وتسبيح وتفكر في حالي والآخرة).
  • في التفكر والتفاعل مع الآية قمت باقتطاع جزء من الآية في كل مرة وأكتب ما تتحدث عنه الآية بمعنى في إطارها ولم أخرج عن مضمونها.
  • قمت بتكرار الآية عدة مرات لتقع في القلب.
  • حاولت التركيز على كل كلمة في الآية في كل مرة أكرر فيها الآية بالترتيب.

لنأخذ مثالا آخرا..
قال تعالى:
(وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
[سورة المائدة 14]

نستخرج الذكر والتسبيح
أخذنا : فعل الله عز وجل أخذ منهم ميثاقهم.
أغرينا: فعل الله أغرى بينهم العداوة والبغضاء.
ينبئهم: فعل الله عز وجل سينبئهم بما كانوا يصنعون.
الله : لفظ الجلالة.

نقرأ الآية قراءة ذكر وتسبيح
(وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
[سورة المائدة 14]

التفاعل والتفكر مع الآية

(أخذنا ميثاقهم) الله عز وجل أخذ ميثاق أهل الكتاب أن يتمسكوا بالكتاب ويذكروا ما فيه ويعملوا به
فنسوا نصيبا منه . آمنوا ببعض وكفروا ببعض
نسوا ما ذكروا به فماذا كانت النتيجة؟

( أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )

يا الله! هيج بينهم العداوة والبغضاء فأصبحوا لا يتفاهمون واختلفوا فيما بينهم وأصبح كل طرف يرى نفسه على حق وغيره على باطل وهم يتلون الكتاب !

وهذا من بعد ما جاءتهم البينات!!!

( أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )

نسقطها على الواقع

كذلك نحن أخذ علينا الميثاق وعاهدنا الله على أن نتمسك بالقرآن بقوة ونذكر ما فيه ونعمل بما فيه من أوامر ونواهي .

فإن نسينا (وهذا يحدث للكثير) بعضا من الآيات التي ذكرنا بها فإن الله مباشرة يهيج بيننا العداوة والبغضاء بالرغم من أننا نتلو الكتاب وبالرغم أن الآيات بينات والإختلاف جاء بعد أن تبينت لنا.

سبحان الله!

( أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )

آية من آيات الله

وقانون يسري حقا في كل مكان.

حتى في العقود البشرية

مثلا يدخل الموظف للعمل في الشركة ويوقع على العقد بينه وبين الشركة على أن يلتزم بالبنود ويعمل بها . فإذا نسي بندا منها وذكر بها واصر على تجاهل ذلك البند ماذا يحدث؟.
عداوة وبغضاء ومشاحنات ومشاكل وتفرق بينهما.
أليس كذلك؟..

( أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )

وهذا في كل العقود

عقد الطالب مع المدرسة
الطالب مع الكلية
الزبون مع البائع

كل العقود واضحة بينة فإن رفض أحد الطرفين العمل بما في العقد فإن العداوة والبغضاء تنشب بينهم لماذا؟

بكل بساطة لأنهم خالفوا الميثاق مع الله قبل كل شيء ونسوا آية من آيات الله بينة وواضحة.

( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)

فكيف بنا ونحن نخالف عقدا بيننا وبين خالقنا ثم نريد ونأمل أن يحبنا

ولا ندري أن يوم القيامة ينسى الله من خالفوه ! ويعذبهم عذابا شديدا ولا يكلمهم يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم.

نستخرج القانون

من يخالف الله في ميثاقه يغري الله بينه وبين من حوله العداوة والبغضاء.

الدعاء:
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

هل وضحت فكرة إتخاذ الآية إماما؟
تضع الآية أولا وتكتب على أساسها
وتكرر المقطع فتكرارها يعلمك أكثر لأنها تنزل إلى القلب فيفقهها .

تكتب الآية وتكرر المقطع وهكذا.
أرجو أن تكون فكرة إتخاذ الآية إماما قد وضحت لكم..

سنرى ذلك في التطبيق…

تمرين:

استخرج آية من اختيارك وطبق عليها الخطوات الخمس الخاصة بالتعامل معها. ثم اكتب درسا لا يقل عن ٢٠٠ كلمة متخذا الآية إماما لك.

ثم أرسله لنا في تعليقات هذا الدرس.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *